قال الفنان الموسيقي لطفي بوشناق في رائعة مقطوعة “أَنَا مُوَاطِنْ” :
“أَنَا حُلْمِي فَقَطْ كَلِمَةْ، أَنْ يَظَلَّ عِنْدِي وَطَنْ
خُذُوا الْمَنَاصِبَ وَالْمَكَاسِبْ، لَكِنْ خَلُّو لِي الْوَطَنْ”
كم أنتم (ن) رائعون ورائعات سفراء جمهور كرة القدم بدولة قطر الشقيقة، نعم، كنتم (ن) خير شعب يعبر بجميع اللغات على طموحنا جميعا، وترجمتم رغبتنا الجامحة في صناعة السعادة وإدخالها بين شقوق دفة الانتكاسات وطرد النحس من طريق أسود الأطلس.
إنها عزيمة شعب المغرب، تلك الإرادة القوية بقوة لحمة وتضامن ومساندة بناته وأبنائه لكل ما هو جميل، وتشجيع كل الأثر الطيب الذي يتركه المغربي والمغربية حين يرفرف علم الوطن خفاقا في سماء التتويج والانتصار دون عقد أو مركب نقص.
هل تعلمون يا سادة يا كرام، أن سفراء الجمهور المغربي بدولة قطر الذين جاء من كل بقاع العالم مدثرين بالعلم الوطني، قد أبانوا عن نخوة الإنتماء بفخر، كونهم قادمون من أرض الحضارة، حين اقتنصوا سانحة تواجدهم هناك لنصرة الفريق الوطني، فقدموا لكل الشعوب أطباقا شهية، وجسدوا كنوز بلاهم وتراثهم وموروثهم الثقافي الشعبي حيث اقاموا كرنفالا مغربيا أبهر كل أقوام العجم، وتقاسموا مع الجميع بطريقة مباشرة أغلب الأنماط الغنائية ومختلف الرقصات الشعبية والزي واللباس التقليدي، حتى اقتنع المتلقي بأننا شعب لا يقهر حين نريد كتابة تاريخ اللحظات المشرقة خارج تراب الوطن.
نعم، شعبنا يستحق الكثير من الثناء ورد التحية بأجمل منها، لأن كافة المغاربة شاركوا في صناعة هذه الفرحة العارمة التي نسجتها أيادي صادقة ووفية ومخلصة، وساندوا بقوة زئيرهم فريقنا الوطني الذي كان في مستوى اللحظة الكونية التي تصاغ بمداد الفخر والاعتزاز.
إن القيادة الرصينة هي التي تصنع أمجاد الأمة، وتترافع عن عمق الإنتماء للوطن، وتضحي بالغالي والنفيس من أجل لحظة تاريخية دونت بمداد الفرسان والأسود في مضمار التنافس الشريف لانتزاع وسام الحب والعشق، و وضع نياشينه على جدران بيوت المغاربة قاطبة.
لذلك، ومن أجله، فأن تكون حاملا لمشعل القيادة، فاعلم أنك تمثل أرضا ووطنا، وتحمل معك تاريخا يشهد على منجز حضارتنا الشامخة، واعلم أن الشعب ينتظر منك تحقيق أمانيه وآماله وأحلامه، ولن يبخل عليك بتضحياته للسير قدما على سجاد النجاح المبهر.
في الجنوب كما في الشمال، إسوة بالغرب والشرق، خفقت القلوب، واشرأبت الأعناق، واقشعرت الأبدان، وجفت الحناجر، في كل مدننا وقرانا، هناك وهنا، في كل بيت، ومسكن وفي كل حي وزقاق ودرب، والتهبت فضاءات المقاهي، وبكت الأمهات وهن يترقبن فرح الأبناء والبنات المدثرين بالأعلام الوطنية والبدلات الرياضية، من أجلنا ومن أجلكم ومن أجلهم تم تأجيل الحزن والألم إلى حين تحقيق الحلم المغربي والعربي من الماء إلى الماء.
لقد استطاع قائد كتيبة أسود الأطلس، البطل وليد الركراكي، وزمرته من البواسل الشجعان في ساحة التنافس منذ أن وطأة أقدامهم أرض قطر، وانطلاق صافرة التنافس الشريف، أن يجعلوا من رمزية الحضور والمشاركة في لعبة “الجلدة” إعادة رسم خارطة جغرافيا الأرض والإنسان، وصناعة منعطف الإنتماء الكوني بسلوكهم الحضاري، وحضورهم القوي كممثلين لكافة المغاربة داخل الوطن وخارجه، كيفما كان عرقهم أو دينهم أو لونهم أو حساسيتهم الفكرية، وأن يجمعوا على كلمة واحدة وتحت راية واحدة.
هكذا هو شعور المغاربة اليوم، وهذا هم نقاشهم على موائد المحبة والصدق والوفاء، بعد أن رسم أولادنا المحترمين جدا، لوحة زاهية الألوان التشكيلية والفنية، لوحة تليق بأفخم وأكبر المعارض الكونية، لتحكي سيرة أبطال يسيرون بثبات وعزيمة وإرادة. هكذا نحن المغاربة نعشق حد الثمالة تلك القلوب التي تنبض بحب الوطن، وتضحي من أجل الوطن، وتترافع من أجل الوطن، ولا شيء غير الوطن.
حين أعاد البطل وليد الركراكي الدفء وسط أسود الأطلس بأسلوبه الوطني، بصفته قائدا لزمرة الأسود، وأبا راعيا لأولاده دون حيف أو تمييز، وحسم في وقت وجيز في تشكيلة فريقه المكافح، فاختار فتيانا يحملون قلوبهم على أيديهم، وهم في عز شبابهم، شباب يقطعون المسافات، ويطوون الأرض طيا، وهم يركضون، ويتنفسون، ويصارعون، ويتصدون للخصم دون هوادة، من أجل أن يحققوا ما عجز عنه السياسيون بلغة الخشب التي يمطرون بها آذاننا صباح مساء دون منجز يتيح للشعب فرصة للسعادة والفرح.
ولرد الجميل لهؤلاء الأبطال، جاء الجواب سريعا من الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه، ويصدح بحناجره في مختلف أرجاء المملكة المغربية، في مدننا الكبيرة والعتيقة والمهمشة، وامتلأت الشوارع والأزقة بالأطفال والشباب والرجال والنساء، وكانت الرسائل قوية التي بعثها الجميع لمن يهمه الأمر، “خذوا المناصب والكراسي واتركوا لنا الوطن”.
المقال عن الجريدة الالكترونية ” انفاس بريس” ، الرابط رفقته: