– 7 – منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة تدعوان إسبانيا للتفاوض مع المغرب

كل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:

المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعينالاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وقضية الصحراء

تبنت منظمة الوحدة الإفريقية منذ قمتها الثالثة في العام 1966 ملف إقليمي إفني والصحراء»الاسبانية»، وطالبت قراراتها اسبانيا بالتعجيل في التفاوض من أجل استقلال هذين الإقليمين، في هذا السياق اجتمعت اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة، استثناءا، في أديس أبابا يوم 8 يونيو 1966، للتأكيد على تقرير المصير لإفني والصحراء الاسبانية، ولأول مرة، « يتعايش»المغرب وموريتانيا في اجتماع قاري.

تبنت منظمة الوحدة الإفريقية في القمة الثالثة قرارا تعلن فيه كامل دعمها لكل المجهودات الهادفة لتحرير فعلي لكل الأقاليم الإفريقية تحت السيطرة الاستعمارية، إفني والصحراء المسماة اسبانية وغينيا الاستوائية وفرناندو بو، ويطلب القرار من اسبانيا الإسراع بنهج مسلسل يعطي الحرية والاستقلال إلى كل هذه المناطق، والامتناع عن أي إجراء قد يمس الأمن والسلم في إفريقيا.

إلى جانب الإحالة إلى قرار منظمة الوحدة الإفريقية بشأن إفني والصحراء، نجد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2354 ، حيثيات أخرى منها الإحاطة علما « ببيان الدولة القائمة بالإدارة الذي يفيد بدء الحوار على مستوى عال بين حكومتي اسبانيا والمغرب بشأن إفني، وإذ تحيط علما كذلك ببيان الدولة القائمة بالإدارة في 7 دجنبر 1966، بشأن الصحراء الاسبانية، ولا سيما فيما يتعلق بإيفاد بعثة خاصة للأمم المتحدة إلى الإقليم، وعودة المنفيين، وحرية استعمال السكان الأهليين لحقهم في تقرير المصير، وبعد الأخذ بعين الاعتبار القرار الاتفاقي الذي اتخذته اللجنة الخاصة في جلستها المعقودة في 14 سبتمبر 1967

 …»وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها « تؤكد من جديد حق شعب إفني، غير القابل للتصرف، في تقرير تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وتؤيد القرار الاتفاقي الذي اتخذته اللجنة الخاصة في 14 سبتمبر 1967» وفي البند الثالث من القرار المتعلق بإفني طالب القرار 2354 من « الدولة القائمة بالإدارة أن تتخذ فورا الخطوات اللازمة للتعجيل بإنهاء الاستعمار في إفني، وأن تقرر مع حكومة المغرب، ومع مراعاة أماني السكان الأهليين، الإجراءات اللازمة لنقل السلطات وفقا لأحكام قرار الجمعية العامة 1514… .
ودعا القرار أيضا إلى مواصلة الحوار مع المغرب، وطلبت الجمعية العامة من اللجنة الخاصة أن تواصل النظر في إقليم إفني في دورتها الثالثة والعشرين. وخصص الجزء الثاني من القرار 2354 ، للصحراء «الاسبانية»، وبعد التأكيد على المبادئ، دعا القرار في النقطة الثالثة « الدولة القائمة بالإدارة إلى الاضطلاع، في أقرب موعد ممكن، ووفقا لأماني سكان الصحراء الاسبانية الأهليين و التشاور مع حكومتي موريتانيا والمغرب وأي طرف معني آخر، بتقرير الإجراءات اللازمة لعقد استفتاء برعاية الأمم المتحدة بغية تمكين سكان الإقليم الأهليين من استعمال حقهم في تقرير المصير بحرية…”

ولتحقيق ذلك طالب القرار بتهيئة الجو الملائم لإجراء استفتاء وعودة المنفيين، وعدم القدوم على أي إجراء لتأخير عملية إنهاء الاستعمار وتوفير كل التسهيلات لبعثة الأمم المتحدة لتمكينها من الاشتراك الايجابي في تنظيم الاستفتاء وإجرائه.

رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الاسبانية

بتاريخ 23 يناير 1968، وجه الأمين العام للأمم المتحدة، رسالة إلى المندوب الدائم لاسبانيا، نبه فيها الحكومة الاسبانية إلى أن القرار 2354 الذي وافقت عليه الجمعية العامة في جلستها 1641 يوم 19 أكتوبر 1967 حول موضوعي إفني والصحراء الاسبانية. ونبه الأمين العام على « أن الفقرتين 3 و 4 من الجزء 1 والفقرة 3 من الجزء الثاني من القرار يتوجه إلى حكومتكم كسلطة إدارية للمناطق قيد الموضوع..»، وأحال الأمين العام إلى الفقرة 4 من الجزء الثاني من القرار المذكور حيث تطلب الجمعية العامة من الأمين العام وبتشاور مع الحكومة الاسبانية واللجنة الخاصة المكلفة بدراسة الحالة فيما يخص تطبيق إعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، تعيين البعثة الخاصة حالا ، المنصوص عليها في الفقرة 5 من القرار 2229، والإسراع بإرسال هذه البعثة إلى الصحراء الاسبانية. وطلب الأمين العام من الحكومة الاسبانية تبليغه برؤيتها حول تعيين البعثة.

يبدو أن اسبانيا لم تكن متعجلة لهذا الأمر، ولم تبلغ الأمين العام الجواب على رسالته إلا بتاريخ 17 أكتوبر 1968، حيث أحالت رسالة المندوب الدائم إلى رسالة الأمين العام المؤرخة في 23 يناير 1968، وتنبه الأمين العام، أن القرار المنصوص عليه في رسالته يتحدث عن إقليمي إفني والصحراء، وأن الأمر يتعلق بإقليمين مختلفين، ولذا فإنه يحيل فقط إلى إقليم الصحراء الاسبانية في موضوع رسالته إلى الأمين العام، لكون وزير الخارجية الاسباني Casteilla تعرض إلى موضوع إفني في خطابه ليلة تاريخ الرسالة، أي يوم 16 أكتوبر 1968 في جلسة 1697، ثم أعاد ذكر مساحة وعدد سكان الصحراء، وأن حكومته تؤيد مطلب حق تقرير المصير، وأن يقرر السكان مستقبلهم بأنفسهم، وأن سكان الصحراء لهم مؤسسة سياسية تناسب طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وذكر المندوب الاسباني فيما بعد مجلس « الجماعة الصحراوية» التي تفتح أمام السكان قاعدة سياسية كاملة لمواجهة المصير الذي اختاروه بضمانات الاستقرار والتمثيلية. و أضاف المندوب الاسباني، أن اسبانيا ترتبط بالسكان بعلاقات جيدة، وأن الحكومة الاسبانية تحافظ وفي نفس الشروط ما قدمته من خلال تصريحه في اللجنة الرابعة يوم 7 دجنبر 1966. في هذا التاريخ ظهرت مبادرة اسبانيا بالحديث عن إرسال بعثة لزيارة الصحراء، وهي الفكرة التي أدرجت في القرار 2229 و2354. وأنه قال حينها أن وفد بلاده إلى الأمم المتحدة على استعداد للبدء في استشارات مع الأمين العام لدراسة إمكانية إرسال مراقبين إلى الصحراء ، والذين يمكنهم بطريقة موضوعية ومباشرة تحليل الوضع في المنطقة وتكون رأيا في الموضوع، واختصارا، يضيف المندوب الاسباني، أن بلاده تحترم و وتؤكد حق سكان الصحراء في تقرير المصير وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.

هذه الرسالة واضحة المعالم من حيث جواب اسبانيا على رسالة الأمين العام، جواب جاء بعد 10 أشهر تقريبا من الانتظار، ورسالة الحكومة الاسبانية المؤرخة في 17 أكتوبر 1968، تنبه الأمين العام أن القرار بشأن مصير الصحراء ما زال في يد اسبانيا ، وأنها تتمسك بتقرير المصير من حيث المبدإ، ولا تريد أن يتعدى حضور الأمم المتحدة حدود استشارة السكان، خصوصا وأن الأمين العام للأمم المتحدة نبه في رسالته بتاريخ 23 يناير 1968 إلى أن السلطة القائمة بإدارة الإقليم، وربما هذا ما لم يرض الحكومة الاسبانية التي نبهت بدورها إلى المؤسسات السياسية القائمة» الجماعة الصحراوية» والمنتخبين المحليين، أي أن إسبانيا تحدد للأمم المتحدة مجال الاستشارة. هذه الرسائل وما سيأتي فيما بعد، خاصة من تحرك المغرب على الصعيد المغاربي وداخل الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، تبين لماذا لم تخضع اسبانيا لقراري الجمعية العامة 2229 و 2354.
في نهاية العام 1968، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار جديد، رقم 2428، لكن بصيغة القرارات التي سبقت من حيث التأكيد على المبادئ التي تتحكم في تقرير المصير بالنسبة لإفني و الصحراء «الاسبانية»، والإحالة إلى قراري 2072 و 2229، ثم الإحالة إلى قرار منظمة الوحدة الإفريقية الصادر في القمة الثالثة في شتنبر 1966، والالتزامات التي عاهدت بها اسبانيا المجتمع الدولي، والجديد في هذا القرار هو الإشارة في الحيثيات إلى تصريح المندوب الدائم لاسبانيا لدى الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 1968، من أنه وفدا رسميا اسبانيا سينتقل إلى الرباط في القريب العاجل للتوقيع على اتفاق مع الحكومة الاسبانية لنقل إفني إلى السيادة المغربية. وختم القرار الحيثيات بالتأكيد على طبيعة الوضع القانوني لإقليمي إفني والصحراء، وأيضا مسلسل إزاحة الاستعمار كما وردت في القرار 2354.
ثم أعاد القرار في الجزء المتعلق بإفني ما سبق من القرارات الأممية، لكن هذه المرة يطالب القرار بالإسراع في أخذ الإجراءات قصد إزاحة الاستعمار عن الإقليم وتحديد الإجراءات مع الحكومة المغربية في أشكال نقل السلطات وفق قرار 1514. وفيما يخص الجزء المخصص للصحراء الاسبانية تمت إعادة الصياغة في القرارات السابقة.
ضم أرشيف هذه الجلسة ثلاثة ملاحق، خصص الأول منها للوضعية والإحصاءات عن الإقليمين ، وأعدته سكرتارية اللجنة الرابعة، ويتضمن كل القرارات التي اتخذت قبلا من لدن اللجنة الخاصة والجمعية العامة، إضافة إلى معطيات عن إفني والصحراء «الاسبانية».

اجتماع اللجنة الخاصة للأمم المتحدة ، 14 مارس 1969

اجتمعت اللجنة الخاصة يوم 14 مارس 1969 في جلستها 659، وقررت فيها الفصل بين قضيتي إفني والصحراء، وسجلت أنها عالجت قضية الصحراء وإفني في جلساتها 668 و670 و 695 و 715، في الفترة الممتدة من 23 أبريل إلى 25 شتنبر 1969. أحالت اللجنة في تقريرها المؤرخ في 14 مارس 1969 إلى قرار الجمعية العامة 2428، المصادق عليه في 18 دجنبر 1968، في فقرته الخامسة من الجزء الأول من هذا القرار، والتي تنص على طلب الجمعية للجنة الخاصة بمتابعة النظر في وضعية إقليم إفني وإنجاز تقرير للجمعية العامة في دورتها 24. وفي الفقرة الخامسة من الجزء الثاني من القرار طلبت الجمعية العامة من اللجنة الخاصة بمتابعة النظر في إقليم الصحراء الاسبانية، وإنجاز تقرير حول الموضوع لدورة الجمعية العامة الرابعة والعشرين. في جلسة 14 مارس 1969، تسلمت اللجنة تقريرا من إعداد السكرتارية جمعت فيه كل القرارات المتعلقة بهذين الإقليمين.

رسالة علي يعته إلى اللجنة الخاصة

يحتوي أرشيف الأمم المتحدة عريضة إلى اللجنة الخاصة من علي يعته الأمين العام لحزب التحرير والاشتراكية ومؤرخة في 17 فبراير 1969 حول موضوع إنهاء الاستعمار من الصحراء الاسبانية. و في الجلسة 668 بتاريخ 23 أبريل 1969 تلقت اللجنة الخاصة رسائل من مندوب المغرب (A/AC.109/315) مؤرخة في 16 أبريل 1969 ومن موريتانيا ( A/AC.109/314) مؤرخة في 17 أبريل 1969، ومن الجزائر (َA/AC.109/316) مؤرخة في 21 أبريل 1969، وتطلب كلها المشاركة في الجلسة ، كما تم استدعاء مندوب اسبانيا لحضور نفس الجلسة. أدلا مندوبا المغرب وموريتانيا بتصريحهما أمام اللجنة، ووقع جدال في هذه الجلسة بين مندوب المغرب. ويبدو من خلال تسلسل تاريخ طلب المشاركة في جلسات اللجنة الخاصة حول الصحراء، أن موريتانيا والجزائر تلاحقان المغرب داخل مؤسسات الأمم المتحدة، وهو المسار الذي سيتأكد في كل جلسات اللجنة الخاصة أو اللجنة الرابعة أو جلسات الجمعية العامة، ومجلس الأمن الذي وجد مصطلحا قانونيا لقبول هذه الدول في مناقشات مجلس الأمن حول الصحراء، وهو « الأطراف المعنية والمهتمة»، مصطلح عاد إلى متون مجلس الأمن منذ العام 2017.

: 8 – المغرب يستعيد إقليم إفني وفق القرار 1514

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:

المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

الحكومة الاسبانية تقرر نقل السيادة على إقليم إفني إلى المغرب

يوم 23 ماي 1969، راسل مندوب اسبانيا الأمين العام للأمم المتحدة حول تصفية الاستعمار في إفني وفق قرار الجمعية العامة 1514، وتتمحور الرسالة حول الأدوات القانونية للتوقيع على عقد الحماية بفاس، والذي شكل الأداة القانونية لنقل السيادة على إفني من اسبانيا إلى المغرب، وأن رسائل تم تبادلها بين وزير الخارجية المغربي وسفارة اسبانيا في الرباط. وكان هذا المرجع القانوني لتصفية الاستعمار في إفني، حجة في مرافعات المغرب في جلسات مجلس الأمن في العام 1975، من حيث أن قراري 1514 و1541، لا يعنيان الاستقلال، وأن الأمم المتحدة بكل مؤسساتها، وفي أمثلة متعددة، انتصرت لمبدإ الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية، كما هو وارد في القرارين المذكورين أعلاه. بعد جلسات ماراتونية ومتعددة داخل مؤسسات الأمم المتحدة، وفي قمم منظمة الوحدة الإفريقية، قررت الحكومة الاسبانية الدخول في مفاوضات مع المغرب قصد إعادة «إقليم إفني» إلى السيادة المغربية. في فاس وبتاريخ 4 يناير 1969، تم توقيع اتفاقية نقل السيادة على إقليم إفني بين الحكومة المغربية وسفير اسبانيا في الرباط، ويحمل مكان توقيع هذه الاتفاقية إشارات سياسية متعددة. بعد ذلك صادق الكورتيس الاسباني على الاتفاقية يوم 22 أبريل 1969. تم تبادل الوثائق المصادق عليها بين الحكومتين يوم 13 ماي 1969. وفي نفس اليوم صدر ظهير المصادقة من لدن الملك الحسن الثاني ونشر في الجريدة الرسمية (عدد 2952، بتاريخ 28 ماي 1969).الاتفاقية الرسمية تقول إن الملك الحسن الثاني ورئيس الدولة الاسبانية الجنرال فرانكو، وبناءا على الاتفاقيات التي توصلت إليها حكومتا البلدين، قررا إبرام اتفاقية تعيد بمقتضاها الدولة الاسبانية للمملكة المغربية الإقليم الذي سبق لهذه الأخيرة أن جعلته تحت تصرفها بمقتضى الفصل الثامن من معاهدة تطوان المؤرخة بسادس وعشرين أبريل 1860، ولأجل هذه الغاية فوضا أحمد العراقي، وزير الشؤون الخارجية، والسفير الاسباني بالمغرب أجرأة إعادة إفني إلى المغرب. تتضمن الاتفاقية 12 فصلا إجرائيا مواكبا لنقل السلطات، وبروتوكولا ملحقا مكون من 5 فصول، إضافة إلى الرسائل المتبادلة بين الطرفين. الإحالة التاريخية إلى معاهدة تطوان للعام 1860، تحمل أبعاد، تاريخي وسياسي وقانوني:

تاريخيا، هي المعاهدة التي وقعت بين اسبانيا يوم 26 أبريل 1860 إثر انهزام المغرب عسكريا أمام اسبانيا، ونتج عنه توسيع التراب الملحق بمدينتي سبتة ومليلية، وأداء غرامة مالية للاسبان، وهي اتفاقية هدفت أيضا الاستيلاء على الشواطئ الصحراوية استنادا إلى اتفاق سابق عن موقع «مار بيكينيا»، الذي أرادت اسبانيا من خلاله احتلال جزء من السواحل المغربية كموطإ قدم للصيادين الاسبان من جزر الكناري.

قانونيا، أن سلسلة الاتفاقات والمعاهدات بين المغرب واسبانيا ومنذ القرن 18 م تشكل الإطار القانوني للتفاوض

لاستعادة السيادة من لدن المغرب على أراضيه التي سلبت منه من لدن الدول الاستعمارية.

سياسيا، أن دولتين فقط معنيتين بقضايا السواحل الصحراوية، وهما المغرب وإسبانيا.


اجتماع اللجنة الخاصة 5 يونيو 1969

اجتمعت اللجنة الخاصة المعنية باستقلال الشعوب يوم 5 يونيو 1969 للتداول في موضوع تقرير مصير إقليمي إفني والصحراء» الاسبانية»، وأعلن رئيس الجلسة تلقي اللجنة لرسالة من المندوب الدائم للمغرب مؤرخة في 14 ماي 1969.

قرار الجمعية العامة رقم 2591 حول «الصحراء الاسبانية»

يوم 16 دجنبر 1969 صدر قرار رقم 2591، عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفي سياقات سياسية إقليمية وقارية ودولية جديدة، منها اعتراف المغرب بموريتانيا، إبان المؤتمر الإسلامي الأول الذي انعقد بالمغرب بعد عملية حرق المسجد الأقصى، واجتماع القمة الإفريقية في الجزائر والتقارب المغربي الجزائري واستعادة المغرب منطقة إفني. ولأول مرة يتم الحديث في مستندات الأمم المتحدة عن الصحراء دون الإشارة إلى إقليم إفني، إضافة أن البلاغ تحدث عن «الصحراء المسماة اسبانية»، وهذه الصياغة الجديدة خطوة جديدة في مقاربة الأمم المتحدة لإزالة الاستعمار من الصحراء, يحيل القرار الأممي إلى قرارات الأمم المتحدة 1514، وكل القرارات الأخرى المتعلقة بالمنطقة، خاصة القرار 2072 و 2229 و 2354 و 2428، إضافة إلى قرار منظمة الوحدة الإفريقية في قمتها الثالثة بأديس أبابا، المنعقدة بين 5 و6 نوفمبر 1966.

الحيثية الثالثة من القرار 2591، تؤكد الصيغة الجديدة لقرارات الأمم المتحدة حول الصحراء، إذ يتأسف القرار على عدم إجراء الاستشارات المفروض، على السلطة الإدارية القائمة، القيام بها من أجل تنظيم استفتاء في الصحراء. في الحيثية الرابعة صيغة صارمة تجاه اسبانيا، ، حيث تطلب الجمعية العامة ومن جديد أن تحدد وفي أقرب وقت، وتطابقا مع تطلعات سكان الصحراء( لم يذكر الشعب الصحراوي) المسماة اسبانية، وباستشارة مع حكومتي المغرب وموريتانيا وكل طرف معني بالأمر، أشكال تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، وانطلاقا من هذا وضعت الجمعية العامة في قرارها هذا أربعة شروط:

  -1-خلق مناخ سياسي موات لكي يجري الاستفتاء بحرية وديمقراطية وحيادية، خاصة عودة المنفيين.
-2-
أخذ كل التدابير اللازمة لكي يشارك في الاستفتاء فقط السكان المحليون

-3- احترام قرارات الجمعية العامة بخصوص نشاط المصالح الأجنبية الاقتصادية وغيرها في البلدان المستعمرة والامتناع عن أي خطوة لتعطيل إزالة الاستعمار من الصحراء المسماة اسبانية.

-4-تطلب الجمعية العامة من اسبانيا منح التسهيلات للبعثة الأممية لتتمكن عمليا من تنظيم و إجراء الاستفتاء.
وتطلب الفقرة الخامسة من القرار رقم 2591، الأمين العام وباستشارة مع السلطة الإدارية القائمة واللجنة الخاصة، كما نصت عليه الفقرة الخامسة من القرار رقم 2229، الإسراع بإرسال البعثة إلى الصحراء لتقديم إجراءات عملية متعلقة بالتطبيق الكامل للقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، خاصة الإجراءات التي تساهم في إعداد ومراقبة الاستفتاء وتقديم تقرير الذي سيحوله الأمين العام للجمعية العامة في دورتها المقبلة (الدورة 25) . وطلبت الفقرة السادسة من القرار اللجنة الخاصة بمتابعة النظر في الإقليم وإعداد تقرير بهذا الصدد لتقديمه إلى الدورة 25 المقبلة للجمعية العامة.


قرار الجمعية العامة رقم 2711

تتابعت قرارات الجمعية العامة واللجنة الخاصة واللجنة الرابعة بخصوص «الصحراء الاسبانية، والتي بدأت تحمل في متون مصطلح « الصحراء المسماة اسبانية». صدر في 12 أكتوبر 1970 قرارعام رقم 2621 مؤرخ في 12 أكتوبر 1970، تحيل فيه الجمعية العامة إلى المبادئ العامة التي تبني عليها قراراتها بخصوص تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. بعد ذلك أصدرت الجمعية العامة قرارا جديدا بخصوص الصحراء، رقم 2711، ( الدورة 25) يتضمن إحالات إلى القرارات السابقة، ويتحدث عن حق سكان الصحراء في تقرير المصير. وبعد إقرار تقرير اللجنة الخاصة حول الموضوع، تعلن الجمعية العامة عن أسفها من عدم تمكن الاستشارات مع الحكومات المعنية ( المغرب وموريتانيا) من تنظيم استفتاء في الإقليم وتؤكد أن استمرار وضعية استعمارية في الإقليم تؤخر الاستقرار والانسجام في منطقة شمال غرب إفريقيا، ويتأسف القرار على الأحداث الدامية في الإقليم في شهر يونيو 1970.، ويطلب من اسبانيا بصفتها القوة الإدارية العمل أخذ تدابير لخلق جو من الانشراح لإجراء عملية الاستفتاء كما حددتها القرارات السابقة للجمعية العامة ، ويتعلق الأمر بأحداث الزملة، التي تمت الإشارة إليها في تقريرالبعثة الخاصة للأمم المتحدة التي زارت المنطقة في ماي ويونيو 1975، والتقت بعائلة بصيري التي كانت تقطن حينها في «إقليم بني ملال» ،وبصيري من الوجوه التي قادت أحداث «الزملة»، ذي اتجاه عروبي وحدوي، كما يتجلى ذلك من سيرته الذاتية وما حكته عائلته لبعثة الأمم المتحدة. و في الفقرة السادسة من القرار أعادت مرة أخرى الدعوة إلى الحكومة الاسبانية، و باستشارة مع الحكومتين المغربية والموريتانية، وكل طرف معني، إلى تحديد أشكال إجراء استفتاء لتقرير المصير في الإقليم، وفق قرارات الجمعية العامة. وفي الفقرة السابعة من القرار 2711 طلبت الجمعية العامة الدول التوقف عن الاستثمار في الصحراء، وتعترف الجمعية العامة في الفقرة الثامنة بمشروعية نضال الشعوب الواقعة تحت الاستعمار.


قرار الجمعية العامة 2983 (الدورة 27) بتاريخ 14دجنبر 1972

لم يصدر سنة 1971 أي قرار من الجمعية، في السنة الموالية، تبنت الجمعية العامة قرارا جديدا حول الوضع في الصحراء بتاريخ 14 دجنبر 1972. يحيل إلى قرار 2621 المؤرخ في 12 أكتوبر 1970 بخصوص إجلاء الاستعمار، وأخذ القرار بعين الاعتبار القرارات ذات الصلة التي وافقت عليها قمة الوحدة الإفريقية التاسعة المنعقدة بالرباط من 12 إلى 15 يونيو 1972، ومن لدن القمة الوزارية لوزراء خارجية الدول غير المنحازة المنعقدة في غشت 1972 بغويانا. وأخذت الجمعية العامة في الحساب قرار القمة المغاربية في نواذيبو في 14 شتنبر 1970، ثم أعاد القرار نفس الصيغ المطالبة بتمكين سكان الصحراء من حق تقرير المصير. وأكدت على شرعية نضال الشعوب المستعمرة وتضامن الجمعية العامة ودعمها لسكان الصحراء في حقهم في تقرير المصير، وتطلب من الدول دعم نضالهم، وأن استمرار الوضعية الاستعمارية من شأنه زعزعة استقرار وأمن شمال غرب إفريقيا، وتؤكد الجمعية العامة دعمها لسكان الصحراء، وتعيد دعوتها للسلطة الإدارية القائمة وباستشارة مع حكومتي المغرب وموريتانيا وكل طرف مهتم بأشكال تنظيم استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة، وأعاد القرار تقريبا الفقرات الواردة في قرار 2711 .


قرار رقم 3162 المؤرخ  في 14 دجنبر 1973

بعد الإحالات إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبعد تبني مصطلح «الصحراء المسماة اسبانية»، بدأت الجمعية العامة تستعمل «الصحراء تحت السيطرة الاسبانية» في القرار 3162، وأحالت أيضا إلى قراري اللقمة العاشرة لمنظمة الوحدة الإفريقية المنعقدة بأديس أبابا بين 27 و 29 ماي 1973، والقمة الرابعة لدول عدم الانحياز المنعقدة بالجزائر بين 5 و 9 شتنبر 1973، و الإحالة أيضا إلى القمتين للدول المجاورة للصحراء ( المغرب وموريتانيا والجزائر) حول الموضوع حول الصحراء الخاضعة للسيطرة الاسبانية. وأحال القرار إلى تصريح مندوب اسبانيا أمام اللجنة الرابعة، حيث أعاد رغبته في تمكين سكان الصحراء من حق تقرير المصير. ويتأسف القرار على عدم استطاعة البعثة الأممية المنصوص عليها في قرارات سابقة من التوجه إلى الصحراء المسماة اسبانية.

“يتبع “

الكاتب : الموساوي العجلاوي

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي نشرت : بتاريخ : 22/04/2021

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…