البعد الإقليمي لنزاع الصحراء : 3 – ملف إقليمي إفني و«الصحراء الاسبانية»(أ)

الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماءالعينين مع الملك الراحل محمد الخامس

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:

المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

.إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

صورة لمقاومين ومجاهدين كلاجئين بسيدي افني المستعمرة من اسبانيا

تتضمن وثائق الأمم المتحدة معطيات دقيقة فيما يخص إفني والصحراء الاسبانية، ففي تقرير الدورة التاسعة عشر للجمعية العامة، (1964) في الفصل التاسع ، خصصت الفقرات من 48 إلى 54 للحديث عن معطيات خاصة بمنطقة إفني من حيث المساحة 1500 كلم2 وعدد السكان 41670 استنادا إلى إحصاء 1960. وغياب إدارة محلية ووردت أرقام عن الإنتاج الفلاحي والتجارة وميزانية الإقليم ثم قضايا الصحة والتعليم.، كما خصصت للصحراء الاسبانية الفقرات 55 إلى 62، من حيث عدد السكان الذي بلغ 23793 وفق إحصاء 1960. وأعاد التقرير المعطيات التي وردت في تقرير اللجنة الخاصة السابق الذكر حول التقسيم الإداري والترابي والوضع الاقتصادي والشغل والصحة والتعليم. وردت أيضا في التقريرمداولات اللجنة الخاصة حول الموضوع، انطلاقا من جلساتها 284 و285 و289 و 291 ، والتي امتدت من 30 شتنبر 1964 إلى 16 أكتوبر 1964.

في حيثيات قرار جلسة 291 حول الموضوع، تمت الإحالة إلى مضمون مداخلات مندوب المغرب، والتي ركز فيها على حصر علاقة الإدارة الاسبانية بالصحراء وإفني على المغرب واسبانيا، ونوه بالسياق السياسي الذي تجري فيه العلاقات بين البلدين، وأنه بناءا على هذا التطور يمكن لاسبانيا أن تطوي آخر صفحات سياستها الاستعمارية بإفريقيا، وأن تتوقف معاناة المغرب في هذا الماضي الاستعماري، وذكر مندوب المغرب بالعلاقات القائمة بين الدولة والإقليمين موضوع النقاش(الفقرة 69، وطالب المغرب اللجنة الخاصة بالمطالبة بالإسراع في تسوية وضعية الإقليمين الصحراء وإفني.(الفقرة 71)

وتمت الإحالة أيضا في القرار الذي اعتمدته اللجنة، إلى الطرح الموريتاني الذي ابتهج لنية المغرب واسبانيا حل مشكل إفني، لكنه طالب أن تقتصر الأمور عند هذا الحد، وأن تعمل نفس الشيء مع موريتانيا في كامل الصحراء الاسبانية، وذلك عن طريق مفاوضات مباشرة بين البلدين( الفقرة 72-75). واعتمد المندوب الموريتاني على كتاب أبيض أصدره المغرب يضم موريتانيا والصحراء الاسبانية.

تضمن القرار أيضا تعقيب مندوب المغرب، بكونه لا يعترف بالسلطة في موريتانيا، كرد غير مباشر على الكتيب الذي نشر في المغرب، و الذي تكررت الإحالة إليه كثيرا في تدخل مندوب موريتانيا، وانتقد مندوب المغرب المسطرة التي تعتمدها موريتانيا في اللجنة الخاصة، وأن المشكل لا يمكن طرحه بهذه الطريقة.( الفقرة 76) وسجلت اللجنة إحالة مندوب المغرب إلى مقال نشرته جريدة لوموند في عدد 6053 بتاريخ 2 يوليوز 1964، أشار فيه مراسل الجريدة أن موريتانيا تهتم فقط بوادي الذهب، وفي حال اعتراف المغرب بموريتانيا ستتخلى عن فكرة استرجاع وادي الذهب، وأن تصريح مندوب اسبانيا في الجلسة 284 كان يعني فقط المغرب واسبانيا، ولم يكن الأمر يتعلق بالتخلي عن هذين الإقليمين لبلد آخر، واستنادا إلى مضمون مندوب فنزويلا، الذي طرح فكرة إزالة الاستعمار من أقاليم انتزعت من دولة لا يمكن أن يتم إلا بإعادة الإقليم إلى الدولة المعنية. وأن المغرب، كان قبل الاستعمار دولة مستقلة وذات سيادة، وهو الآن يقوم باستعادة سيادته على أقاليمه التي انتزعها الاستعمار منه( الفقرات 77-79).. وتضمن القرار الموقف السوري الذي ابتهج لقرار اسبانيا والمغرب بخصوص إفني والصحراء، وأعلن دعم 80 مليون عربي لتحرير هذين الإقليمين وعودتهما للمغرب( الفقرة 85). مندوب الاتحاد السوفييتي، أضاف إلى قائمة المطالب الترابية سبتة ومليلية وكل المستعمرات في شمال إفريقيا، التي تحولت بالنسبة إليه إلى قواعد عسكرية (الفقرة 86-89).
نص القرار تمت المصادقة عليه يوم 16 أكتوبر 1964 في الجلسة 291، المنعقدة في أكتوبر 1964، وفي هذا القرار أعربت اللجنة عن أسفها لتلكأ الدولة القائمة بالإدارة في تنفيذ أحكام إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة المتضمن في قرار الجمعية العامة 1514، وفي تحرير الإقليمين من الحكم الاستعماري، واتخاذ تدابير فورية لتنفيذ أحكام الإعلان تنفيذا كاملا غير مشروط. لكن القرار وقف عند رصد الوضعية والتذكير بالمبادئ والتزامات اسبانيا تجاه سبتة ومليلية. ورغم دعم عدد من الدول للطرح المغربي، يبدو أن بروز وجهة نظر موريتانيا تجاه الصحراء، قد حد من انفتاح اللجنة الخاصة على المطالب المغربية والمقاربة المقترحة من لدن اسبانيا والمغرب لحل القضايا الترابية بينهما.

قرار الجمعية العامة 2072(د-20) بتاريخ 16 دجنبر 1965 هو أول قرار اعتمدته الجمعية العامة بشأن إفني و الصحراء الاسبانية، فأقرت الجمعية العامة أحكام قرار اللجنة الخاصة، وطالبت اسبانيا باتخاذ كافة التدابير لتحرير إقليمي إفني والصحراء الاسبانية من السيطرة الاستعمارية، ولتحقيق ذلك طالبت الجمعية اسبانيا بأن تدخل في مفاوضات بشأن مشكل السيادة التي يطرحها هذان الإقليمان. بيد أن الجمعية العامة لم تحدد أي دولة ينبغي التفاوض معها بشأن السيادة على الإقليمين.

ومنذ 1966 وإلى 1974، اعتمدت الجمعية العامة كل عام، و بناء على توصيات اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة، قرارات عن الصحراء وإفني ( الذي سيستعيده المغرب في 1969) ، وتمحورت هذه القرارات على عدم تنفيذ الحكومة الاسبانية أحكام القرار 1514. وكانت تعتمد صيغة منح شعبي إفني والصحراء الاسبانية حق تقرير المصير.


جلسات اللجنة الرابعة

خصصت اللجنة الرابعة للاستماع إلى «ذوي الأمر» الجلسات 1657 إلى 1659، والجلسات 1665 و1671 و 1674 في الفترة الممتدة من 6 إلى 15 دجنبر 1966.

تلقت اللجنة رسالة من الحكومة المغربية مؤرخة في 5 دجنبر 1966 موجهة إلى رئيس اللجنة الرابعة، عن طريق الداي ولد سيدي بايا الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة. وتبعا لذلك قررت اللجنة الاستماع إلى الوفود التالية:


وفد «جبهة تحرير الصحراء تحت سيطرة الاستعمار الاسباني»، وانتصر لمغربية الصحراء والاندماج مع المغرب، وتكون هذا الوفد، وكما جاء في وثائق الأمم المتحدة، من:

العبادلة ولد الشيخ محمد لغضف  /  حمدي ولد السالك ولد باعلي  /  بريكة ولد أحمد لحسن  /  ابراهيم ولد حسن الدويهي  /  عبد لله ولد الخطاط   /  حبوها ولد عبيدة

وفد «اللجنة المنتخبة من لدن شعب الصحراء» ، وتكون من 11 فردا، وانتصر في تدخلاته للموقف الاسباني، وتكون وفد آخر مكون من 4 أفراد ودافع عن الطرح الموريتاني

.في جلسة 1657، بتاريخ 6 دجنبر 1966، أخبر الرئيس أنه بسبب صعوبة التعبير باللغة فإن الوفد الذي دافع عن الطرح الموريتاني قدم تصريحا مكتوبا ، سيضاف إلى محضر الجلسة.وطرحت في تلك الجلسات أسئلة على أعضاء هذه الوفود الصحراوية، وانتصر وفد جبهة تحرير الصحراء للاندماج مع المغرب، في حين دافع وفد اللجنة المنتخبة من لدن شعب الصحراء على بقاء اسبانيا في الإقليم.


وقع نقاش مسطري حول التصريح المكتوب من الجماعة التي تنتصر لموريتانيا، إذ صرح ممثل المغرب الداي ولد سيدي بابا، أن وفد المغرب، واحتراما لجو التعاون، لن يعترض على إدماج كلمة ولد هيداله وجماعته، لكن المسطرة التي اتبعت في هذه القضية ليست عادية، ولم تكن حسب علمه سابقة من هذا النوع في تاريخ اللجنة الرابعة. طلب عبد الله ولد داداه الكلمة للتعقيب على الملاحظة المسطرية لمندوب المغرب ولد سيدي بابا، بأن وفده استغرب لملاحظات مندوب المغرب، وأن بناء على ملاحظات اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة كل الوثائق التي تخص الإقليم يجب أن توضع رهن إشارة اللجنة. ورغم الطابع المسطري الظاهري للملاحظتين المغربية والموريتانية فإن العمق السياسي هو المحرك للتصريحين، المندوب المغربي يريد ألا تطغى صفة رسمية للمشاركة الموريتانية بشكل مباشر أو غير مباشر، والمندوب الموريتاني يريد ترسيم الحضور الموريتاني في معالجة قضية الصحراء في لجان الأمم المتحدة.
تعرضت الفقرات 35 إلى 39 من التقرير لمواقف الوفد المنتصر لموريتانيا، وتمحور النص المكتوب لوفد ولد هايدله على أن المنطقة، من حيث العامل الإنساني والجغرافي والإثني، يصعب تمييزها عن موريتانيا وقدم معطيات جغرافية حول الصحراء من حيث المساحة وخطوط الطول والعرض والحدود، وذكر أنها تحد من الشمال الشرقي بالمنطقة الجزائرية تندوف وشمالا بإقليم طرفاية (دون ذكر المغرب) وغربا بالمحيط الأطلسي، وأن الصحراء تفصلها عن موريتانيا المستقلة حدود متخيلة، وأن الصحراء امتداد لموريتانيا. وتابع ولد هيداله أن أولاد دليم

والركيبات وكوري وآخرون يعيشون في الصحراء التي تحتضن 25 ألف إلى 26 ألف من السكان، وأن الوفد الذي يمثل أمام اللجنة هم الممثلون الحقيقيون لشعوب المناطق الصحراوية، وأن السكان في الصحراء الاسبانية وموريتانيا المستقلة لهم نفس المرجعية القبلية ونفس العادات والعبادات الدينية ويتحدثون نفس اللغة، الحسانية، وأن الاحتلال الاستعماري بحث على وضع حدود بين تيرس الغربية وتيرس الشرقية، جزءان ينتميان لنفس الإقليم «زمور». وفي الفقرة تمت إعادة الحديث عن مؤتمر برلين ومراحل استعمار اسبانيا للصحراء، وأن اتفاقات 27 يونيو 1900 و 3 أكتوبر 1904 و 27 نوفمبر 1912 هي التي حددت الحدود بين المناطق المستعمرة الاسبانية والفرنسية. وركز الوفد على الروابط الدموية بين الصحراء وموريتانيا، وأن الموريتانيين، و رغم هذه البديهيات، مستعدون للصمت فترة، ويقبلون وبكل فرح تطبيق مبدإ تقرير المصير. والظاهر أن ورقة وفد ولد هايدله، ركزت كثيرا على المغرب، الذي لم يكن حينها يعترف بموريتانيا. وأن الصحراويين رجال ذوي أنفة وحذرين ويعرفون مصالحهم، ولذلك لا يريدون أن يتعرضوا للدعاية ولا أن يتورطوا في الوضعية السياسية الداخلية، وأنهم يريدون اختيار مصيرهم بالحفاظ على الصداقة مع اسبانيا، وأن مصيرهم مرتبط بموريتانيا

بعد ذلك استدعى رئيس اللجنة وفد «جبهة تحرير الصحراء تحت سيطرة الاستعمار الاسباني»، المكون من العبادلة ولد الشيخ محمد لغضف و حمدي ولد السالك ولد باعلي و بريكة ولد أحمد لحسن و ابراهيم ولد حسنة الدويهي و عبد لله ولد الخطاط و حبوها ولد عبيدة. (الفقرات 40 إلى 71، وخصصت الفقرات 72 إلى 85 للنقاش مع أعضاء اللجنة الرابعة)

افتتح الحديث أمام اللجنة العبادلة ولد الشيخ محمد لغضف، الذي شكر اللجنة التي سمحت له بإمكانية عرض الوضعية في الصحراء، والتعريف بتطلعات السكان، كما شكر العبادلة ولد الشيخ اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، والتي استمعت سابقا للوفد الذي يصاحبه، والأهمية الخاصة التي أولتها اللجنة الخاصة لقضية الصحراء، وإلى تبني قرار 16 نوفمبر 1966، الذي أراح سكان الصحراء، وأشعل الأمل والثقة في منظمة الأمم المتحدة، وتمنى العبادلة أن تتبنى اللجنة الرابعة قرارا حاسما يزيل بشكل دائم الاستعمار الاسباني من بلاده، ويسمح لسكان الصحراء ولوج الحرية. وأن الاستعمار الاسباني وضع البلاد في حال عزلة، لدرجة أن كثيرا من الناس لا يعرفون شيئا عن الإقليم ، ويرى من الواجب أن يقدم أمام اللجنة معطيات تاريخية وجغرافية للتمكن من فهم المشكل والوضعية الحالية للإقليم. وتابع العبادلة أن الصحراء تحت سيطرة الاستعمار الاسباني تتكون من وادي الذهب والساقية الحمراء، على الجهة الغربية من إفريقيا، مساحتها 280000 كلم2 ، وحددها بخطوط الطول والعرض، وأن عدد سكانها 250000 نسمة، واسبانيا تحجم عدد السكان لتحصر قائمة المشاركين المحتملين في الاستفتاء في فئة صغيرة تشكل دعامة للاستعمار، وأن المنطقة ذات كثافة سكانية ضعيفة، وأن أغلبهم رحل لا يستقرون. ويضيف العبادلة، حتى لا نخطئ، إن شعب الصحراء ذو قيمة موحد وحاسم في تقديم جميع التضحيات من أجل حريته، هو شعب عربي قاوم الاحتلال الأجنبي، ولم يسقط أمام الاستعمار إلا في العام 1934. شعب يتكون من القبائل التالية: الركيبات وأولاد دليم وإسرغين وآيت لحسن والعروسيين ويكوت والفويكات ومجاط والأميار وآخرين. هذه القبائل كلها تنتمي إلى المغرب، ولعبوا دورا بارزا في تاريخ هذا البلد، فهم كانوا وراء قيام الدولة المرابطية، وأسس يوسف بن تاشفين، وهو من أهل الصحراء، مدينة مراكش. كانت الصحراء دائما جزء لا يتجزأ من المغرب، ولم يقع الفصل إلا مؤخرا، حيث خضعت للسيطرة الاستعمارية.

(*****)

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:

المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

شرح العبادلة للجنة الرابعة مراحل استعمار الصحراء من لدن اسبانيا انطلاقا من 1884، حيث استقرت الشركة الاسبانية ( la Sociedad de Africanistas) في منطقة تقع بين وادي الذهب و الرأس الأبيض. في البداية كانت هذه الشركة ذات أهداف تجارية محضة عندما كانت في إدارة Emilio Bonelli الذي بنى أكواخا خشبية في المكان المعروف بالداخلة، ويعرف مند ذلك الحين بفيلا سيسنروس، ورفع العلم الاسباني عليها. في 26 دجنبر 1884 أخبرت اسبانيا الدول الأوربية أنها وضعت تحت حمايتها الساحل الممتد من رأس بوجدور إلى الرأس الأبيض، هكذا أعطت اسبانيا لنفسها حق السيطرة على المنطقة بقانون القرن التاسع عشر، قانون الدول الاستعمارية، أي قانون الغاب. ادعت اسبانيا أنها تسيطر على طول الساحل، ولكن في الحقيقة لم تكن سوى سيطرة وهمية، وعندما حاولت اسبانيا التمدد داخل المنطقة وجدت مقاومة شرسة من لدن المغرب والقبائل الصحراوية، ولذلك نفوذ اسبانيا لم يتجاوز المنطقتين التين أقامهما Bonelli .

والمرحلة الثانية من استعمار المنطقة بدأت العام 1898، عندما بدأت قوة استعمارية أخرى تهتم بالصحراء المغربية، وبدأت مفاوضات مع اسبانيا من أجل اقتسام المنطقة. في تلك الفترة قرر سلطان المغرب مقاومة التسرب الاستعماري ، وأذن لخليفته ببناء قاعدة للمقاومة، وكان ذلك سببا لبناء مدينة السمارة، التي شارك في بناءها إلى جانب العمال المغاربة كل قبائل الصحراء. و تم دحر كل هجمات قوى الاستعمار ابتداءا من 1934.


المرحلة الثالثة من استعمار المنطقة بدأت منذ العام 1934، بدأت اسبانيا توسيع نفوذها في المنطقة، لكنها كانت تمارس السلطة باسم سلطان المغرب، خاصة إبان الحرب الأهلية الاسبانية، وبقيت المنطقة تحت سلطة المقيم العام الاسباني في تطوان إلى العام 1958، حيث قررت اسبانيا أن إفني والصحراء إقليمان اسبانيان. بعد استقلال المغرب، زادت الرغبة نحو الاستقلال، فارتفعت مقاومة الاحتلال الاسباني، بتكوين «جبهة وطنية لتحرير الصحراء»، منذ العام 1950، وانتمى إليها معظم القبائل الصحراوية، واشتغلت الجبهة في السرية وقتل عدد من أعضائها أو اعتقلوا أو هجروا خارج الصحراء.، وسيدلي أحد أعضاء الوفد بشهادته حول الموضوع. ويتابع العبادلة تصريحه بإعطاء تفاصيل عن الجيش الاسباني في الصحراء، الذي وصل تعداده إلى 40 ألف رجل، ولا شيء يبرر هذا العدد سوى ترهيب وقمع السكان، وأن هذا الجيش الاستعماري هو الذي يمارس الإدارة ويستغل ثرواته الطبيعية، وأنه منذ 4 سنوات ارتفع عدد المستوطنين الاسبان إلى 20 ألف، وهذا يعكس مخطط استعماري للهجرة الاسبانية نحو الصحراء من حيث التسهيلات التي أعطيت للهجرة الاسبانية، ويجب توقيف هذا المسلسل لتجنب إعادة إنتاج ما حصل في روديسيا الجنوبية وجنوب إفريقيا. كما ندد العبادلة بسلوك الاستعمار من أجل تدمير العادات والقيم الروحية والأخلاقية لشعب الصحراء وإخفاء شخصيته وهويته الإفريقية الإسلامية، وأعطى العبادلة أرقاما عن هزال التعليم، ولا يدرس في المدارس، تاريخ الحضارة واللغة العربية والإسلامية، ولا يوجد في الإقليم برمته سوى ثلاث أقسام ابتدائية. وإذا اعتبر السكان مواطنون اسبان فإنهم لا يستفيدون من نفس امتيازات الاسبان، وقد تم تفريغ الصحراء من سكانها عن طريق الطرد لخلق فراغ يسهل ملؤه بالمستوطنين الاسبان، وهذا من الثوابت للسياسة العسكرية الاسبانية في الصحراء تجاه السكان وبالخصوص تجاه أعضاء جبهة تحرير الصحراء، وسيفصل عضو آخر من الوفد جرائم الاستعمار الاسباني في الصحراء. ووجه العبادلة نظر أعضاء اللجنة إلى وضعية عدد من اللاجئين الذين طردوا من لدن السلطات الاسبانية أو اضطروا للمغادرة لتجنب القمع. هؤلاء اللاجئون بحاجة إلى مساعدات من حيث المعيش وأيضا تخليصهم من الاستعمار. وقال العبادلة أن اسبانيا تصرح للأمم المتحدة برغبتها في إنهاء الاستعمار، بيد أنها تقوي عدد المستوطنين والأجانب، وتفتح الباب أمام الشركات الأجنبية للاستقرار في الصحراء، وعلى اسبانيا الكف عن ممارسة هذه السياسة الاستعمارية، ولذلك لابد من حضور الأمم المتحدة للقضاء على الاستعمار، وتطبيق حق تقرير المصير. وشكر العبادلة اللجنة الرابعة على اهتمامها بشعب الصحراء.


تقدم بعد ذلك بريكة ولد أحمد لحسن أمام اللجنة الرابعة باسم جبهة تحرير الصحراء، وأنه يريد تقديم بعض التفاصيل لكي تتحصل اللجنة على فكرة أعمال القمع الحاصل في الصحراء، عكس ما تذهب إليه وسائل الإعلام الاسبانية بأن الإدارة الاستعمارية لبرالية وإنسانية، وأنها بصدد تحويل الصحراء إلى جنة، والواقع والحقيقة غير هذا، ,إن الاستعمار الاسباني هو أقسى ما عرفته الإنسانية، ولا يجب وضع الثقة في الإدارة الاسبانية لتطبيق حق تقرير المصير. يحكم الصحراء 40 ألف عسكري يقودهم ثلاثة جنرالات، كالتالي: 20 ألف جندي بالعيون و في مراكز الدورة والحكونية والمسيد وتافودار و7ألف جندي بالسمارة ونواحيها، همسا والمحبس وتفاريتي، و13 ألف جندي في فيلا سيسنروس ومركز العرقوب وبير الكندوز وبير أنزران ولكويرة و أوسرد وتشلة وأكونيت. وهذا كله لا يدخل قوات أخرى كالبحرية والطيران الحربي في قاعدة لعيون وفيلا سيسنروس أو بجزر الكناري، معبئين للانطلاق في أي لحظة وتساءل بريكة ولد أحمد لحسن، لماذا مراقبة السكان والطرق والمراعي والآبار وكل التراب الصحراوي. وأن حملت شنت مؤخرا للضغط على السكان لتوقيع تصاريح تفيد بأنهم يفضلون الاستعمار الاسباني على الاستقلال.، وأن الصحراويين يرفضون التوقيع على هذه التصاريح، وهذا ما دفع القوات الاستعمارية لممارسة العنف ضد السكان المدنيين وأعطى المتحدث نماذج وقعت في فيلا سيسنروس والساقية الحمراء في مارس 1966، حيث اغتصب ضباط من حامية بير أنزران 10 نساء من المنطقة، وعندما اشتكى الأهالي من هذا السلوك تم اعتقالهم في الحامية لمدة 8 أيام. في أبريل 1966، تم تعذيب 25 وطرد أشخاص منهم نساء وأطفال، من لدن القبطان Estalayo قائد مركز الدورة، وفي يوم 10 يونيو 1966 تم تعذيب وطرد عشرة وطنيين من السمارة. وفي ماي 1966 طرد الإدارة الاسبانية القايد حمدي ولد السالك ولد بااعل من قبيلة الركيبات، و كان حاضرا ضمن الوفد، إلى جانب 100 شخص من مركز المحبس. في شتنبر 1966 عزل قائدان من الركيبات، واعتقلا في العيون بعدما دافعا عن القضية الوطنية، وطرد ثم اعتقل 67 عاملا من الشركة المعدنية Adaro بعدما ساندوا موقف القائدين السابقي الذكر. وتابع بريكة ولد أحمد لحسن ، ما بين 1957 و 1960 قامت الطائرات الحربية الاسبانية بقنبلة عدد من القرى، والهدف كان هو القضاء على أولئك الذين يناضلون من أجل حرية بلادهم، وهذه الأعمال الوحشية أدت إلى مقتل مئات الأشخاص وتدمير عدد من المباني، واعتقال 200 شخص في سجن San Francisco Derrisco بلاس بالماس ، ونقلوا بعد ذلك إلى معتقل Fuerteventura حيث مكثوا مدة سنتين في هذا المعتقل، ومن بينهم إبراهيم ولد حسن الدويهي، الموجود ضمن الوفد.

وتابع المتحدث قوله بالتأكيد أن هذه الحملات تهدف إلى الإعداد لتقرير المصير بالتصور الاستعماري الاسباني أي بناء دولة تحمها أقلية، وأن سياسة تهجير الصحراويين خارج الإقليم، وتعويضهم بالأوربيين، يقول بريكة ولد أحمد لحسن، ليتسنى لاسبانيا إقامة دولة أوربية على أسس عرقية. ومهما يكن من أمر فكل ثروات الإقليم توجد بيد الإسبان ومهاجرين من دول أخرى. وركز بريكة ولد أحمد لحسن على المطرودين من الإقليم ابتداءا من 1957، وأن عددهم يتجاوز 25000، وأنهم يعيشون في فقر مدقع، وطالب بتكفل الأمم المتحدة بهم. وفي مجال التدريس يمكن حصر نسبة التمدرس في 2% ، علما أن تدريس اللغة العربية لم يكن مسموحا به أو محاصرا من حيث المدة الزمنية والكفاءات. وباسم سكان الصحراء وجبهة التحرير، طالب بريكة ولد أحمد لحسن كل الأمم مساعدة السكان على التخلص من الاستعمار الاسباني. وركز في نهاية مداخلته على القيم الإنسانية وحقوق الشعوب.
تناول الكلمة بعد ذلك حمدي ولد السالك ولد با اعل، ليؤكد أن وفده جاء إلى الأمم المتحدة بحثا عن دعم وسند من لدن الأمم المتحدة لمواجهة الاستعمار، وتوجه بالكلام إلى أعضاء اللجنة بأن كثيرين سيأتون أمامكم للحديث عن قضية الصحراء، لكنكم حتما ستميزون بين الحقيقة والتزييف.

(محمد لحبيب حبوها ولد اعبيد ولد سيدي ابراهيم ولد سيدي محمد أحد القادة التاريخيين لجيش التحرير بالجنوب المغرب يكان عاملا سابقا على إقليم السمارة من 1978 إلى 1983 ).

وفي تصريح حبوها ولد عبيدة وباسم جبهة تحرير الصحراء، أكد على حق سكان الصحراء في تقرير المصير أسوة بباقي الشعوب، وعدد مساوئ الاستعمار الاسباني . وجاء دور عبد الله ولد الخطاط ليلفت النظر إلى الوضعية الكارثية التي توجد عليها الصحراء، وأنه يأمل في أن تتحرك اللجنة الرابعة لكي يتمتع هذا الإقليم بالحرية. أما ابراهيم ولد حسن الدويهي، وكان آخر المصرحين باسم جبهة تحرير الصحراء تحت السيطرة الاستعمارية الاسبانية، فذكر امتنانه لأعضاء اللجنة الرابعة للاستماع لوفده ويتمنى رفع المعاناة عن أهل الصحراء، وأنه من ضحايا الاعتقال.

وعقب تصريح كل أعضاء وفد جبهة التحرير، طلب مندوبا ليبيا ونيجريا، أن تدون كل تصريحات وفد الجبهة وكاملة في محضر الجلسات، فوافقت اللجنة على ذلك، و طرحت بعد ذلك أسئلة على أعضاء الوفد متعلقة بالأرقام التي وردت في تصريحاتهم عن عدد السكان وإجراء الاستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة.

ممثل الكونغو الديمقراطية توجه إلى الوفد بأن السيد العبادلة دافع عن فكرة أن إقليم الصحراء كان دائما جزءا من المغرب، وتساءل ما هدف جبهة التحرير الصحراء، هل إقامة دولة مستقلة أو إلحاقه بالمغرب؟( الفقرة 76). فأجاب العبادلة ولد ولد الشيخ محمد لغظف بأن سكان الصحراء مكون من العرب والمسلمين والأفارقة، والذين ساهموا في الحضارة الإنسانية وحضارة إفريقيا الشمالية، وأن جل ملوك المغرب ينحدرون من الصحراء التي كانت جزءا من المغرب إلى زمن وصول الاستعمار الاسباني الذي فصل الصحراء عن المغرب، وفيما يتعلق بنوايا جبهة تحرير الصحراء بمستقبل الإقليم، أجاب العبادلة، أن الجبهة تنتهي مهمتها عند الاستفتاء، وإذ ذاك على الشعب الاختيار، وجبهة التحرير ليس لها موقف في افتراض إدماج الإقليم في دولة مجاورة. ( الفقرة 77).

الحلقة 3و4 :

الكاتب : الموساوي العجلاوي

رئيس مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي في 12 محور بتاريخ : أبريل /2021 .

“يتبع”

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …