دراسة للاخ الموساوي العجلاوي منشورة بجريدة الاتحاد الشتراكي 2021.

1 – البعد التاريخي:

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية

:المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

تعرض المغرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للأطماع الاستعمارية التي استهدفت احتلاله وتقسيم أراضيه إلى مناطق نفوذ، لأهمية موقعه الاستراتيجي، فتهافتت عليه القوى الاستعمارية، ولم تتمكن من فرض سيطرتها على المغرب إلا بعد اتحاد مصالحها الاقتصادية و الاستراتيجية. كان المغرب حينها الدولة الوحيدة التي تملك سيادة ومقومات دولة، وهذا ما تعرضت إليه وثائق محكمة العدل الدولية حول « الصحراء الاسبانية»للعام 1975، حين ناقشت الوضع القانوني « للكيانات» المحيطة بالصحراء في العام 1884. وسمحت المحكمة للمغرب بتمثيلها بقاض في الهيئة التي ناقشت ملف الصحراء، كما أن وجود دولة في المغرب فرض على فرنسا توظيف مصطلح «الحماية الفرنسية» لاستعمارها في المغرب، وظلت مؤسسة السلطان حاضرة في تدبير أمور الدولة، وكانت بابا قانونيا للسلطان محمد بن يوسف والحركة الوطنية للمطالبة بالاستقلال منذ 1944. بالنسبة للجزائر لم تكن هناك دولة، ولم يتجرأ نظام بومدين حينها تقديم نفسه كطرف لمناقشة الإطار القانوني للمنطقة أواخر القرن التاسع عشر. وتوجد مراسلات من الجمعية العامة إلى الحكومة الفرنسية تطلب منها تسليم محكمة العدل الدولية الوثائق التي تملكها حول الموضوع. في نفس السياق وجدت الحكومة الموريتانية نفسها في ورطة مصطلح «الدولة الموريتانية « في القرن التاسع عشر، بعد أن قدمت نفسها طرفا معنيا بنزاع «الصحراء الاسبانية» وانتهت المحكمة في الدفوعات الشكلية برفض تعيين قاض ينوب عن موريتانيا، لأن ذلك متاحا للدول التي كانت قائمة أواخر القرن التاسع عشر. ولهذه الأسباب تضمنت وثائق محكمة العدل الدولية مصطلح « الكيان الموريتاني» للدلالة على جغرافية موريتانيا في العام 1884. في جلسات مجلس الأمن في نوفمبر 1975، مثل موريتانيا في الأمم المتحدة مولاي الحسن، وكان دبلوماسيا محنكا، وأكد في مداخلاته أن «السلطان المغربي» ارتبط بقبائل شنكيط، وكان الرجل حاسما وقويا حين واجه مالك جاكوب، ممثل الاتحاد السوفييتي ورئيس مجلس الأمن في نوفمبر 1975، والذي حول جلسة مجلس الأمن حول المسيرة الخضراء إلى محاكمة إدريس السلاوي، سفير المغرب في الأمم المتحدة.


الزمن الاستعماري

في بداية القرن العشرين، وأمام التنافس الاستعماري حول المغرب، أبرمت عدة معاهدات لم يكن المغرب طرفا في أي منها، فاتفقت فرنسا وإسبانيا بالخصوص على تقسيمه إلى مناطق نفوذ، من خلال معاهدتي 1900، ومعاهدة 1904. وانتهت الأمور بفرض عقد الحماية الفرنسية على المغرب في 30 مارس 1912، واقتسمت فرنسا وإسبانيا المجال المغربي من خلال معاهدة 27/11/1912، التي منحت لاسبانيا شمال وجنوب المغرب وبعض الجيوب الداخلية، وهكذا تم تمزيق المغرب إلى ثلاث مناطق نفوذ:

* النفوذ الإسباني:

مدينتا مليلية وسبتة والجزر المحيطة بهما في البحر الأبيض المتوسط.

إقليم طرفاية، على المحيط الأطلسي.

إقليم سيدي إفني ، على المحيط الأطلسي.

إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، والذي لم تحتله إسبانيا عمليا إلا في سنة 1934.


* النفوذ الفرنسي:

ويقع مجال النفوذ الفرنسي في المناطق الواقعة بين المنطقتين الشمالية والجنوبية التي كانت عمليا أو اسميا تحث النفوذ الإسباني.

* النفوذ الدولي:

وانحصر هذا النفوذ في منطقة طنجة التي كان تسيرها إدارة مختلطة من عدة دول غربية.

حصل المغرب على استقلاله بمقتضى الاعتراف باستقلال المغرب وب»وحدة التراب» من لدن فرنسا في 2/3/1956، ومع إسبانيا في 7/4/1956، لكن إسبانيا لم تف بتعهداتها كاملة وظلت محتفظة بسبتة ومليلية والجزر، وسيدي إفني وطرفاية والمجال الصحراوي في الجنوب، والذي أصبح يحمل اسم الصحراء الغربية. استطاع المغرب استرجاع طرفاية سنة 1958، وسيدي إفني سنة 1969، في حين تمسكت إسبانيا بالصحراء الغربية وسبتة ومليلية. كان الملك محمد الخامس يوظف في خطبه إبان معارك استرجاع الأراضي المغربية، مصطلح «وحدة التراب» وعبارة كانت لها دلالات عميقة « تراب واحد سيادة واحدة». في سنوات 1957 و 1958 و1959 تمكن جيش التحرير المغربي في الجنوب إلحاق هزائم عسكرية بجنود الاحتلال الإسباني، لكن التحالف الإسباني الفرنسي في عملية أوكوفيون أجهض عمل جيش التحرير، وأثقل الاسبان الصحراء بوجود ما يقارب 70 ألف جندي، ملتجئا في نفس الوقت إلى الطرد الجماعي للقبائل الصحراوية باتجاه السفوح الجنوبية لجبال الأطلس الصغير وباني، وهي القبائل التي كانت موضع جدال إبان تدخل الأمم المتحدة لتحديد هوية الناخبين في التسعينات.

طرح المغرب قضية استعادة الصحراء الغربية بمجرد قبوله عضوا في الأمم المتحدة سنة 1956، وأعاد طرحها كل سنة أمام لجنة الوصاية. وحين إنشاء لجنة تصفية الاستعمار بعد التصريح العالمي المؤرخ في 14/12/1960، بشأن ميثاق تصفية الاستعمار، طرح المغرب القضية من جديد، فصدر قرار بتاريخ 16 أكتوبر 1964 يندد باسبانيا لعدم امتثالها لقرار تصفية الاستعمار، ويطالبها بالعمل فورا على تصفية الاستعمار بسيدي إفني والصحراء الغربية، وأصدرت الجمعية العامة قرارا في 6/12/1965، مؤكدة فيه مطالبة إسبانيا بالدخول في مفاوضات بشأن القضايا التي تطرحها مسائل السيادة. وفي دورة 1966، ومع ظهور ثروات الفوسفات في الصحراء الغربية باكتشاف احتياط ضخم من 1715 مليون طن من الفوسفات بمنجم بوكراع، عملت الدول الغربية على تبني قرار بالاستفتاء في الصحراء الاسبانية.

يبدو أن اسبانيا هدفت إلى ربح الوقت في تصفية الاستعمار في الصحراء بالخصوص، وبعد قرارات اللجنة الخاصة واللجنة الرابعة والجمعية العامة في دجنبر 1966، وما قبلها، عمدت إلى إشراك السكان في الاستفتاء على التعديل الدستوري في دجنبر 1966، خصوص وأن النقاش الذي جرى داخل اللجنة الرابعة تمحور في جزء منه على مشاركة السكان في الشؤون السياسية والإدارية للإقليم.

موازاة مع ذلك ومع تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في ماي 1963 ومع تحفظ المغرب حول البند الثالث المتعلقة بالحدود الموروثة عن الاستعمار، انشغلت المنظمة بالصراعات الداخلية والتقاطب، ولذلك لم تظهر مشكل الصحراء وإفني في أدبيات منظمة الوحدة الإفريقية إلا في القمة الثالثة التي جرت أشغالها في أديس أبابا من 5 إلى 9 نوفمبر 1966، وهذه القرارات هي التي أشارت إليها إحدى حيثيات قرار الجمعية حول الصحراء وإفني في دجنبر 1967، وهي التي كانت جوهر مداخلة توفيق عطوني مندوب الجزائر في اللجنة الخاصة.

وفي سنة 1969 أعادت إسبانيا للمغرب منطقة سيدي إفني، في حين عملت على الاحتفاظ ب»الصحراء الغربية»، وعملت على محو الشخصية المغربية من الصحراء وذلك عن طريق الإجراءات التالية:

-1-  تهجير السكان.

-2- تقوية الاستيطان الاسباني، وتمكين الجالية الاسبانية من جميع وسائل السيطرة والنفوذ.

-3- تقوية الجهاز العسكري والأمني، فأصبح عدد الجنود الاسبان ضعف عدد السكان ثلاث مرات.

-4- خلق جهاز تمثيلي للسكان، أطلق عليه اسم» الجماعة».

-5- تقوية نفوذ الدول الكبرى في الصحراء الغربية لحماية النفوذ الاستعماري:

اتفاقية لتمديد القواعد الأمريكية في إسبانيا، ونقل القاعدة الأمريكية المقفلة في ليبيا إلى الداخلة.
توظيف رؤوس الأموال الأمريكية في المنطقة.

إبرام اتفاقية بين إسبانيا و فرنسا سنة 1970 للدفاع المشترك.

استثمار رؤوس الأموال الفرنسية في المنطقة.

تسليم 50 طائرة فرنسية للجيش الإسباني.

اتفاق عسكري بين إسبانيا وألمانيا الغربية في فبراير 1972 للدفاع المشترك.

دمج جميع دول الحلف الأطلسي في استثمار رؤوس الأموال في منجم الفوسفاط ببوكراع، عن طريق الشركات والبنوك.
أعلنت إسبانيا في البدء أن» الصحراء الغربية « كانت في الأصل أرض خلاء لا تخضع لأي سيادة أو إدارة للتهرب من تطبيق قرار تصفية الاستعمار، وشنت حملة دبلوماسية بأن أمر الصحراء الغربية لا يهم المغرب فقط بل الدول المجاورة أيضا، وعند فشل هذه الخطة جهرت إسبانيا بموقف جديد، وهو أن المسألة لاتهم إلا طرفين، الإسبان والصحراويين، ولجأت في سنة 1974 إلى تنظيم إحصاء أسقطت منه القبائل الصحراوية المهجرة أواخر عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وكان الهدف منه خلق دويلة صحراوية تابعة لإسبانيا.

2 – قضية الصحراء في الأمم المتحدة:

لكل نزاع إقليمي مرجعيته وإحالاته التاريخية والقانونية والسياسية، ولكل نزاع إقليمي أيضا بهاراته الخاصة. وتشريح أسس أي نزاع لن يستقيم دون وضع كل مكوناته على طاولة التحليل، بيد أن نزاعات القارة الإفريقية وصمت بالفعل الاستعماري، الذي مزق القارة بمقص ترك آثاره في النسيج الإثني إلى يومنا هذا في عدد من المناطق، وانعكس ذلك في خريطة النزاعات اٌلإقليمية، الشيء الذي جعل « الوحدة الوطنية» عرضة لكل الحسابات الإقليمية والدولية. ولنزاع الصحراء نكهته الخاصة، إذ ربط بين 3 أبعاد إقليمية:

المطلب المغربي في وحدته الترابية والوطنية، وهو عامل شيد ما عرف في تاريخ المغرب الراهن ب»الإجماع الوطني»، الذي لعب دورا كبيرا في تلاحم المؤسسات المغربية، وتخفيف التناقضات السياسية الداخلية ، مع مد وجزر بين الفينة والأخرى، وشكل الموقف الوطني المغربي الموحد تجاه نزاع الصحراء ورقة سياسية، تأخذ بعين الاعتبار في تقييم الدول لمواقفها في نزاع الصحراء.

إشكال بناء الدولة المدنية في الجزائر والفشل في انتقال مؤسسات الدولة من نظام عسكري مشبع بالفكر الاستعماري الفرنسي، وبواجهات سياسية واقتصادية «متحورة»، إلى دولة مدنية تستند إلى السلم والأمن وبناء الطمأنينة والسلم تجاه الشعب الجزائري، وأيضا مع دول الجوار الست، حيث حولت الحدود إلى مناطق عسكرية خالصة، وأصبح النظام العسكري امتدادا للنظام الاستعماري الفرنسي في المنطقة. والشعارات التي يرفعها الشعب الجزائري في مظاهرات الجمعة والثلاثاء ضد «الدولة العسكرية»، واضحة بما فيه الكفاية لإدراك أزمات شمال غرب إفريقيا.
الموقف الموريتاني تجاه نزاع الصحراء من حيث التقاطع معه ترابيا وسياسيا واستراتيجيا، فتضارب الموقف الرسمي تجاه نزاع الصحراء منذ الستينات إلى يومنا هذا، وإعلان موقف مناقض للواقع السياسي في المنطقة من حيث الاحتماء بالحياد. ترابيا، هناك رغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه ، فوضع المنطقة الممتدة من الكركرات إلى الكويرة، يشكل إحراجا في علاقات الدولة الموريتانية بالنزاع الإقليمي. وأبانت أحداث الكركرات الأخيرة، ودور الموقعين الموريتانيين الزويرات وبولنوار كقاعدتين خلفيتتين للبوليزاريو حساسية الموقف الموريتاني في نزاع الصحراء،وتحاول بعض المواقف الدبلوماسية القفز على هذا الواقع من حين لآخر.

في هذه المقالات، التي تشكل فصولا من كتاب قيد الإعداد، نحاول الإمساك بالبعد اٌلإقليمي لنزاع الصحراء انطلاقا من وثائق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية المستندات الرسمية للمملكة المغربية، ووثائق رسمية للدولتين الجزائرية والموريتانية، إضافة إلى وثائق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة إلى الأمام وجبهة البوليزاريو.

 بعد قبول اسبانيا في عضوية الأمم المتحدة في العام 1955، وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة إلى الدول الأعضاء الجدد، يثير فيها الانتباه إلى الالتزامات التي تقع على عاتقها بمقتضى الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة، ويطلب منها أن تفيده عما إذا كانت مسؤولة عن إدارة أي من الأقاليم المشار إليها في المادة 73. غير أن اسبانيا أجابت الأمين العام أن الأقاليم الواقعة تحت «السيادة» الاسبانية في إفريقيا تعتبر مقاطعات اسبانية.
في 11 نوفمبر 1960 أخبر ممثل إسبانيا لدى الأمم المتحدة أن حكومته قررت أن تحيل إلى الأمين العام معلومات بشأن الأقاليم المشار إليها في الفصل 11 من الميثاق. وفي القرار 1542( د-15) المؤرخ في 15 دجنبر 1960 أحالت الجمعية إلى بيان الحكومة الإسبانية. في أبريل 1961، أدلى ممثل اسبانيا ببيان في لجنة المعلومات الواردة عن الإقليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، قدم فيه معلومات مفصلة عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في الصحراء الاسبانية. وفي أبريل 1962، أحال ممثل اسبانيا إلى اللجنة معلومات تكميلية.
بقيت قضية «الصحراء الاسبانية» تناقش في اللجنة الخاصة من شتنبر 1963، وفي الجمعية العامة، على وجه الخصوص، منذ دجنبر 1963. في الفصل الثالث عشر من التقرير A/5446 وضعت اسبانيا الصحراء وإفني ضمن المقاطعات الاسبانية. وقدمت معلومات عن الصحراء من حيث عدد السكان الصحراويين في العام 1960، إذ بلغ تعدادهم 18489، منتشرين على مساحة تقدر ب280000 كلم2، و لا وجود لأحزاب سياسية، وتقوم حياة السكان بالأساس على الرعي، وخضعت القضية للمناقشة في اللجنة الخاصة ضمن سلة من المستعمرات الاسبانية في جلسات امتدت من 9 شتنبر إلى 20 شتنبر 1963. شارك في أشغال اللجنة الخاصة ممثلون عن المغرب وموريتانيا واسبانيا.

المغرب أول دولة تطالب باستعادة إفني والصحراء


كان المغرب أول دولة تطالب باسترجاع سيدي إفني والصحراء، ووضعت لذلك طلبا للمشاركة في اجتماع اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة،( الطلب المغربي في أرشيف الأمم المتحدة تحت رقم A/AC.109/55 . طلب ممثل المغرب في هذه الرسالة أن يأخذ الكلمة عند « مناقشة النقطة المتعلقة بالأراضي المغربية تحت السلطة الإدارية لاسبانيا». وقررت اللجنة الخاصة في دورتها انعقادها 213، ودون اعتراض أحد، دعوة ممثل المغرب للمشاركة في الجلسات المخصصة للصحراء الاسبانية وإفني ( سيدي إفني). كما قررت اللجنة دعوة ممثل موريتانيا للمشاركة في نفس الجلسة، لكن طلبه اختلف من حيث الصيغة عن الطلب المغربي، فالطلب الموريتاني( أرشيف الأمم المتحدة رقم A/AC.109/56 طلب الحضور في النقطة المتعلقة بالأراضي الإفريقية تحت الإدارة الاسبانية، وهي بالإضافة إلى الصحراء وسيدي إفني، غينيا الاستوائية وبو وريو موني.

خصصت لإفني الفقرات 29 إلى 33 من التقرير، من حيث الوضع الجغرافي، وأن مساحته حوالي 1500 كلم2، وحاضرته هي سيدي إفني، وعدد سكانه في العام 1959، 48236 نسمة، و لا توجد بالإقليم أحزاب سياسية. لا يجب أن ننسى أن منطقة سيدي إفني كانت مسرحا لمعارك بين الجيش الاسباني وجيش التحرير المغربي في نهاية الخمسينات، لكن مندوب اسبانيا لم يشر إلى هذه الأحداث وإلى المحادثات مع المغرب ، وإعادة طرفاية إليه في العام 1958. وتم التعرض إلى الوضع في «الصحراء الاسبانية» (من الفقرة 34 إلى الفقرة 37). في مداخلته صرح ممثل اسبانيا أن بلاده ليست مستعمرا، وأنها تهيئ الظروف لتقرير مصير هذه الأراضي، وأشار إلى المجهودات الاسبانية المبذولة لتنمية هذه الأقاليم الموجودة تحت إدارتها. وفي الفقرة 47 ، ذكر المندوب الاسباني بالمحادثات الهامة التي جرت حول الموضوع بين وزيري الخارجية المغربي والاسباني ووزيري الإعلام أيضا، وسفر نائب الوزير الأول الاسباني إلى المغرب. ووقف عند القمة التي جرت بمدريد، في يونيو 1963 بين رئيس الدولة الاسباني والملك الحسن الثاني، وأن المحادثات الودية بين رئيسي الدولتين ستمكن وبالتأكيد، وفي جو من التفاهم، من حل المشاكل الترابية والإدارية التي تواجه البلدين ولذلك ، يقول مندوب اسبانيا أمام اللجنة الخاصة، وجب الحفاظ على جو التفاهم القائم.

هذه أول مرة تطرح فيها للمناقشة وبشكل مباشر مسألة الأراضي الموجودة تحت الإدارة الاسبانية والتي يطالب بها المغرب وحده في ذلك الوقت، وجواب مندوب اسبانيا في الفقرة 47 يؤكد هذا التوجه، وجب التذكير أن خطاب المندوب الاسباني اختلفت فيما يخص غينيا الاستوائية والأراضي الأخرى.

انتبه ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة إلى هذا المدخل فطلب في مداخلته( الفقرة65) تصحيح متعلق ببعض وثائق اللجنة حول الموضوع، وأيضا ملاحظاته حول مداخلة المندوب الاسباني، حيث لاحظ مندوب المغرب، أنه لأول مرة، تميز وثيقة للأمم المتحدة بين الأقاليم الأربعة، تحت الإدارة الاسبانية، وموضوع البحث داخل اللجنة، قبل ذلك كانت المعلومات المتعلقة بإفني وما يسمى بالصحراء الاسبانية، أي الساقية الحمراء ووادي الذهب، والتي كانت تسمى سابقا المغرب الجنوبي، كانت هذه المناطق تطرح دوما مع غينيا الاستوائية وبو وريو موني ( الفقرة 66) ، كما لاحظ مندوب المغرب أن الأسبان الموجودين في الصحراء لا يتجاوز عددهم 1500، وكلهم لا يقيمون إلا مؤقتا. وفي الفقرة 68، أكد الوفد المغرب على ما صرح به المندوب الاسباني أمام اللجنة .

ممثل المغرب في الأمم المتحدة أراد من تدخلاته تسجيل منعطف أساسي في إجلاء الاستعمار عن إفني والساقية الحمراء ووادي الذهب، وتحويل وثائق اللجنة الخاصة إلى مرجع سياسي وقانوني لاسترجاع هذه الأراضي. و بأن مشكل الصحراء الاسبانية وإفني ليس جديدا بالنسبة للأمم المتحدة واللجنة الرابعة اهتمت قبلا بالمشكل، وأن المغاربة اعتبروا أن الاسبان استمروا في إدارة هذه الأراضي انطلاقا من اتفاق ضمني بين المغرب واسبانيا، ولا نستطيع تأويله إلا بالتنازل المؤقت عن حقوق من لدن المغرب، ولكن هذا يعني أنه بعد الاستقلال، على حكومتي المغرب واسبانيا البحث في أشكال نقل السيادة وعودة هذه الأراضي للوطن الأصلي. في عام 1956، عند الإعلان عن الاستقلال اتفق الجنرال فرانكو و الملك محمد الخامس على ترك القضية معلقة، بيد أنه لم يكن هناك شك في أن قضية الصحراء وإفني ستحل بين الطرفين عن طريق المفاوضات الثنائية. والتقى بعد ذلك الملك الحسن الثاني رئيس الدولة الاسباني لمناقشة كل القضايا الخلافية. الأراضي التي توجد موضوع جدول أعمال اللجنة لا تشكل كل النزاعات بين المغرب واسبانيا. وأكد الوفد المغربي أن ليس له النية الآن فتح ملف الأراضي الأخرى، ولكنها لا تستطيع أن تمتنع عن مقارنة مسألة جبل طارق، وهو جزء من التراب الاسباني مع وضع مدن في الساحل المغربي ( يشير ضمنيا إلى سبتة ومليلية ) وأن الحكومة المغربية ستساند مطالب اسبانيا على جبل طارق إذا اعترفت الحكومة الاسبانية بحقوق المغرب في مناطق احتفظت بشخصيتها المغربية، وأكثر من وضع جبل طارق، هذه المناطق جزء غير منفصل عن المغرب، وأعلن ممثل المغرب أمام هذه اللجنة أنه يتمنى في إطار جو التفاهم المتبادل بين البلدين وحسن الجوار إيجاد حلول شافية لمشاكلهما.( الفقرة 70)

أحمد بابا ولد أحمد مسكه مندوب موريتانيا، (خلفه في 14 أبريل 1966 عبد الله ولد داداه) حاول استرجاع الوضع أمام اللجنة ، وتساءل عن ربط إنهاء الاستعمار لهذه الأراضي بمفاوضات ثنائية بين المغرب واسبانيا ، وأن « الصحراء جزء من التراب الموريتاني» ( الفقرات 71-74).

لم يترك ممثل المغرب الفرصة تمر دون الرد على ممثل موريتانيا وطالبه ( دون أن يذكر صفته، إذ استعمل المتحدث الأخير) بأن ينضبط عندما يقوم المغرب واسبانيا بحل مشكل الصحراء، وأن الوفد المغربي لا يعطي أي قيمة لهذه المحاولة من لدن هذا المتحدث الذي ينشر أفكارا تستند إلى الاستعمار والانفصال. ويضيف مندوب المغرب، أن هذه الأراضي موضوع النقاش مسجلة لدى الأمم المتحدة منذ سبع سنوات، أي عندما طرحت قضية الصحراء في العام 1956 لم يكن هناك وجود لموريتانيا، التي لم تعلن استقلالها إلا في العام 1960، ولم يعترف المغرب بها إلا سنة 1969، إبان الإعداد للمؤتمر الإسلامي لذي انعقد بالرباط إثر إحراق المسجد الأقصى. وتمنى مندوب المغرب أن تنتهي المناقشات بنتيجة إيجابية لتتويج المفاوضات بين المغرب واسبانيا المنطلقة منذ سنوات لإيجاد حل في إطار الفقرة السادسة من قرار الجمعية العامة 1514. ( الفقرة 75)، ونبه مندوب المغرب إلى ما فاه به « المتحدث الأخير»، من ان الحسانية يتحدث بها في عدد من أقاليم المغرب، وعدد من المسؤولين الحكوميين وضباط الجيش ينحدرون من القبائل التي تتحدث بالحسانية.( الفقرة 76).

في سياق الاحتكاك اللفظي بين اسبانيا والمملكة المتحدة، حول جبل طارق، وللرد غير المباشر بخصوص ما قيل حول إنهاء الاستعمار في جبل طارق، أشار مندوب المملكة المتحدة إلى مداخلة مندوب اسبانيا حول الأراضي التي توجد تحت إدارتها، فلاحظ غياب معطيات دستورية، كما جرت العادة في اللجنة الخاصة، حول هذه الأراضي، وأنه لا يعرف بوضوح هل هذه الأراضي هي مستعمرات بالنسبة لإسبانيا ( فقرة 77-79).

في رد مندوب اسبانيا على مندوب المملكة المتحدة، وظفت الصحراء وإفني وبالخصوص المستعمرات الاسبانية الأخرى للتموقع حول إشكال جبل طارق. في ظل هذه الردود، وردت في الفقرة 82 من التقرير، من أن الحكومة الاسبانية لا يراودها الشك في حقوق المغرب في «إفريقيا» ولا يتعلق الأمر باتفاق ضمني إذا ما فكرنا بأن الأراضي المشار إليها يمكن أن تسمى بمسميات أخرى، لا يجب أن يكون جبل طارق ضمن أراضي المملكة المتحدة، ولكن يمكن أن يسمى أرضا إسبانية تحت إدارة المملكة المتحدة، ثم أعاد ممثل إسبانيا ما ذكره من قبل حول تمديد السيادة المغربية على الصحراء وإفني، بأن جو الصداقة بين البلدين يمكن من مناقشة النزاعات الترابية بينهما. وتدخل مندوب المغرب في الفقرتين 83 و84 ليعقب على ما جاء في حديث مندوب اسبانيا من الاتفاق الضمني في العام 1956، وأن المشاكل ما زالت قائمة ، خاصة ما تعلق بالانسحاب العسكري من الأراضي التي يطالب بها المغرب، والمفاوضات بين البلدين جارية منذ 6 سنوات، و ستسمح للمغرب باستعادة كل ترابه القابع تحت الإدارة الاسبانية، مع أخذ بعين الاعتبار المصالح الإسبانية. كان المبتغى من مداخلات مندوب المغرب هو إفهام أعضاء اللجنة الخاصة، أن الأراضي موضوع المحادثات وأخرى غير واردة في جدول الأعمال هي موقع مفاوضات بين البلدين منذ 6 سنوات، وأن الأمور تجري في تفاهم كامل. و المغرب يعطي أهمية إلى السيادة أكثر من اهتمامه بالسلطة الإدارية.
مندوب الاتحاد السوفييتي انتصر للموقف المغربي بطريقة مباشرة وقال إن ذكر الأربعة أقاليم في هذه اللجنة لا يعني السكوت عن اللائحة الكاملة للأراضي الخاضعة للاستعمار الاسباني في إفريقيا، وينطبق عليها قرار تصفية الاستعمار،ولا يهم أن يقع الاستعمار في القرن XV أو القرنXIX ، والإشارة هنا إلى سبتة ومليلية والصحراء، وذكر بأنه في إفني والصحراء لم تجر أي انتخابات. المندوب السوفييتي، اتهم اسبانيا باستغلال الشعوب الإفريقية فقط. ( الفقرة 85 و86). تابع مندوب الاتحاد السوفييتي حديثه عن إفني والصحراء بالقول أن اسبانيا اهتمت بالإقليمين عندما اعتقدت أن هذه الراضي تختزن البترول والحديد والفوسفات ومعادن أخرى، وأن المنطقة أهملت عندما لم تجد الشركات الإثني عشر التي اهتمت بالتنقيب شيئا. الفقرة 89.

كما اتهم المندوب السوفييتي اسبانيا بإهمال الصحراء وإفني من التعلم والصحة والتجهيزات، و ركز على الوجود العسكري الاسباني في الصحراء، وقمع انتفاضة 1958، ( تحرك جيش التحرير بالصحراء وقمعه من خلال عملية أكوفيون العام 1958)( الفقرة 90). تابع المندوب السوفييتي حديثه عن الصحراء في الفقرة 94، عندما اتهم اتهم اسبانيا بتحويل الصحراء إلى قاعدة عسكرية لحماية الغرب، وأن الحلف الأطلسي اهتم بالموضوع لأن منظمة الوحدة الإفريقية التي تأسست في ماي 1963، طالبت التخلص من كل القواعد العسكرية من إفريقيا. وعاد إلى تطلعات سكان الصحراء وإفني ، وأنه منذ 1957 انطلقت حركة قوية للتحرر الوطني، وأن المستعمر قمعها بقوة السلاح، والإشارة هنا إلى جيش التحرير المغربي. وكشفت الفقرة 97 ، موقف الاتحاد السوفييتي من المفاوضات بين المغرب واسبانيا، وأنه أخذ علما بالأمر للمحادثات الثنائية المتعلقة بالقضايا المسجلة في دورة اللجنة الخاصة، وهذا مساندة غير مباشرة لاسترجاع المغرب للصحراء وإفني من اسبانيا عبر المفاوضات الثنائية.

أخذت الكلمة بعد ذلك وفدا بولونيا وبلغاريا، هذه الأخيرة أكد مندوبها، في الفقرة 107، على ولادة حركة تحرر وطني في إفني والصحراء الاسبانية. ( يتحدث عن جيش التحرير المغربي)

تمحورت مداخلة مندوب العراق على حق المغرب في الصحراء وإفني، وأن الحكومة العراقية كانت دائما تتحفظ على نوايا اسبانيا تجاه الصحراء وإفني، وأنه في نظر حكومته، هذه الأراضي جزء من التراب الوطني للمغرب، والحكومة العراقية لن تقبل بقيام دولة أخرى للمطالبة بسيادتها على الأراضي موضوع النزاع ( الإشارة هنا إلى موريتانيا). وأن الموقف العراقي لا يستند فقط إلى الوقائع التاريخية والقانونية ووجود ثقافة مشتركة، ولكن على مصالح السكان أنفسهم. وأن التقسيم في إفريقيا ذهب بعيدا، و شطر المغرب إلى أجزاء من لدن القوى الاستعمارية، وللجنة الخاصة اليوم، الفرصة لتصحيح الظلم الذي تعرض له خلال التاريخ هذا البلد.، والوفد العراقي يرى أن أحسن وسيلة لتطبيق الإعلان ( منح الاستقلال للشعوب المستعمرة) هي إعادة هذه الأراضي للوطن الأب، المغرب، وتتمنى أن تؤدي المفاوضات التي بدأت بين المغرب واسبانيا ستستمر بطريقة لإعادة تلك المناطق للمغرب.( الفقرة 108).
ارتأت اللجنة استمرار النقاش في الموضوع ما لم يصدر شيء عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسجلت اللجنة الخاصة أن المندوب الاسباني في تصريحه أقر بمفاوضات بين المغرب واسبانيا الاسبانية، لإيجاد حل سلمي لهذا النزاع حول الصحراء وإفني ( الفقرة 110).

(1و2 على 12 حلقة )

الكاتب : الموساوي العجلاوي

رئيس مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي في 12 محور بتاريخ : أبريل /2021 .

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …