عجز الصندوق المغربي للتقاعد بلغ 7.8 مليار درهم وخطر إفلاسه سنة 2028.
في أفق 2035، ستتسع قاعدة الشيخوخة بالمغرب، في مقابل تراجع لقاعدة القادرين على العمل.
حكومة اليوسفي وحكومة جطو خلصتا المغرب من عجز بلغ 75 مليار درهم، قبل أن يتم توقيف إصلاح منظومة التقاعد فجأة سنة 2008.
يعتبر ملف التقاعد، بدون مبالغة، واحدا من أخطر الملفات المهددة للسلم الإجتماعي بالمغرب خلال السنوات الخمس القادمة، ليس فقط لاعتبارات تقنية مالية وتمويلية، أو لاعتبارات سياسية تدبيرية، بل لاعتبارات اجتماعية ترتبط بمستقبل وضعية الطبقة المتوسطة ببلادنا، وبالنموذج الذي يتم التهييئ له لمغرب الغد القريب في أفق 2030 و 2035، الذي يخشى أن ملامحه مقلقة جدا، كونها تقدم عناصر لتوترات خطيرة على الأمن في معناه الشامل. دون إغفال التسطير على أن ملفا مماثلا، لا يحتمل أبدا مقاربة تقنية، قدر إلحاحية المقاربة السياسية له، إن لم نقل مقاربة وطنية (Nationaliste).
سيكون من التجني والكذب على الذات، عدم الإعتراف أن مقاربة هذا الملف جد مقعدة بشروطه الخاصة مغربيا. لأنه واحد من مجالات الإصلاح التي لا نملك وطنيا تراكم تجربة فيه، خاصة حين ندرك أن موضوعة إصلاح منظومة التقاعد بالمغرب لم تكن حاضرة أبدا ضمن تفكير وخطط كل الحكومات المغربية منذ الإستقلال، حتى مجيئ حكومة التناوب بقيادة الزعيم الوطني الراحل عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998، التي تعتبر أول حكومة في تاريخ المغرب المستقل تفتح هذا الورش الإصلاحي الضخم والكبير، حيث سيعقد لأول مرة اجتماع المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد (الخاص بموظفي القطاع العام) برئاسته رحمه الله سنة 1999.
ثمة، بداية، معطيات أخرى هامة مرتبطة بهذا الملف الحيوي، لا يمكن عدم استحضارها، لعل أهمها معطيان حيويان، يتمثلان في:
أولا، أن تغيرا كبيرا قد بدأ يطال البنية السكانية للمغرب، يتجه نحو اتساع قاعدة الشيخوخة بشكل متواتر كل سنة. وأنه في أفق 2035 و 2040، سيصبح الهرم السكاني للمغاربة منقلبا من حال غلبة قاعدة الشباب كما ظل متحققا منذ العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين (مهم العودة هنا إلى أرقام الإحصاء العام لسنة 2014)، إلى واقع غلبة قاعدة الكهول والشيوخ. وأن مما يضاعف من هذا المعطى الجديد، التحول السوسيولوجي المتحقق بالمغرب، المتمثل في تراجع عدد المواليد خلال العقود الثلاثة الماضية، ليس بسبب سياسة رسمية عمومية للتحكم في الإنجاب، بل بفضل تبدل الوعي العام للفرد المغربي (خاصة النساء) سواء بالعالمين القروي أو المديني، الذي أصبح يخطط ذاتيا لشكل ممارسته للحياة على مستوى معنى العائلة. حيث أصبح الواقع القائم يميل بقوة نحو نموذج العائلة النووية الصغيرة من أربعة أفراد في الغالبية الكبرى (زوج وزوجة ومولودين فقط، تميل الكفة بخصوصهما للبنات أكثر من الذكور منذ 15 سنة). ذلك أن الوعي المديني الغالب اليوم سوسيولوجيا ببلادنا، قد جعل المرأة تلعب دورا محوريا في التحديد الذاتي للإنجاب، بوعي للإكراهات المالية للتربية تدبيريا، مما غير من منظومة ازدياد ساكنة المغرب. وللمقارنة مع جوارنا المغاربي، فإنه إلى حدود نهاية التسعينات من القرن الماضي كان تعداد سكان المغرب أكبر بقليل من تعداد السكان بالجزائر، حيث كان يقارب 30 مليون نسمة في مقابل 29 مليون نسمة بالجزائر. بينما الواقع اليوم هو أن تعداد سكان المغرب بالكاد يقارب 39 مليون نسمة، بينما تعداد سكان الجزائر ارتفع إلى قرابة 46 مليون نسمة.
أكثر من ذلك، ينتظر في العقدين القادمين (في أفق 2045)، أن يصبح عدد المواليد بالمغرب أقل من عدد الوفيات، مما سيدرج بلادنا، ضمن خانة الدول التي يتقلص فيها تزايد تعداد السكان، مثلما هو متحقق منذ ثلاثة عقود في عدد من الدول الأروبية (ألمانيا وإيطاليا كمثال). بكل ما لذلك من تأثير على الطاقة الإنتاجية في معناها الشمولي مغربيا، حيث ينتظر تقلص أعداد سواعد العمل القادرة على العطاء، والذي قد يحول بلادنا إلى بلاد مستقبلة للهجرة، خاصة من دول إفريقيا الغربية التي تسجل نسب عالية للمواليد مقارنة بحالنا نحن. بكل ما سيكون لذلك من نتائج على مستوى تغير البنية السكانية وأبعادها الثقافية والسلوكية والجينية (وهذا أمر بدأ يتحقق مغربيا منذ عقد من الزمن، حيث قليلا ما ننتبه لتزايد عدد الزيجات المغربية مع رجال ونساء إفريقيا جنوب الصحراء).
بالتالي، كخلاصة أولى، فإن كلفة رعاية مجتمع الشيخوخة الذي نتجه إليه مغربيا ستكون كبيرة وعالية، على مستويات الخدمات الصحية وخدمات الرعاية الصحية التي يفرضها ما يطلق عليه غربيا ب “العمر الذهبي” (ما فوق 65 سنة)، وكذا على مستوى باقي خدمات الترفيه والرعاية الإجتماعية. وأن قاعدة المتقاعدين ستكون أعرض وأكبر مقارنة بقاعدة العاملين وقاعدة الإنتاج، وأن كل تقليص لتعويضات التقاعد، لتجاوز مخاطر إفلاس صناديق التقاعد، بالنسبة لهذه الشريحة العريضة القادمة مغربيا، سيؤدي إلى توسيع أكبر لأسباب العوز الإجتماعي وإفقار للطبقة المتوسطة، مما سيضاعف من تراجع مستوى معدل سن الحياة بالمغرب، الذي لن نفاجئ إذا ما اعتمد نظام للتقاعد ارتكاسي على مستوى الحقوق المالية، أنه سينزل إلى معدل ما دون السبعين سنة كما هو مسجل اليوم (معدل الحياة بالمغرب اليوم يقارب 74 سنة). وهنا يحق السؤال الكبير: أي مغرب نصعنه لنا في أفق 2040؟.
ثمة بعض المقاربات، تذهب في اتجاه عدم التهويل، التي تعتمد على تحقق مبدأ “التضامن العائلي” سلوكيا بين المغاربة، وأن من مجالات الرعاية الإجتماعية القادمة بشكل أوسع، تلك المتعلقة بشبكة المهاجرين المغاربة بالخارج، التي كل المؤشرات تذهب في اتجاه أنها ستكون عالية، حيث ينتظر في أفق 2040، إذا ما تواصل مستوى التنمية ببلادنا على وتيرته الحالية، أن يتجاوز عدد المهاجرين المغاربة إلى الخارج 15 مليون نسمة (مما سيجعل نسبة مغاربة العالم تقارب 40 % من مجموع عدد مواطنينا). مما يعني، هنا، أن من مصادر تمويل تلك الرعاية الإجتماعية لهرم الشيخوخة المتسع ببلادنا ستكون خارجية عبر تحويلات المهاجرين المغاربة. أي أنه سيتم شراء “الرعاية الإجتماعية” تلك من خلال مصدر خارجي، وهذا تحليل يضرب في الصميم مشروع التنمية بالمغرب ويقلل من قيمته، كونه يشكك في الثقة بالدولة والرهان عليها، مما يضرب معنى السياسة ببلادنا، ومعنى “الدولة الراعية” كما تبرعم بأمل كبير من خلال الشكل الإيجابي لمواجهة جائحة كورونا بالمغرب ما بين 2020 و 2022.
ثانيا، أنه بالعودة إلى الأرقام الرسمية المعتمدة حكوميا ببلادنا، فإن 54 % تقريبا من “القوة العاملة” اليوم بالمغرب، هي خارج منظومة التقاعد أصلا. لأنه من ضمن 11 مليون مغربي مصنف ضمن تلك القوة العاملة، فإن عدد البالغين سن العمل المتوفرين على تغطية للتقاعد، في القطاعين العام والخاص، لا يتجاوز 4 ملايين و 657 ألف نسمة. بينما 6 ملايين و 300 ألف الباقية هي بدون تغطية للتقاعد، وأن النقاش حول إصلاح منظومة التقاعد لم يكن يشملها أصلا من قبل.
بالتالي، فإن النقاش محصور عمليا (في انتظار تفعيل منظومة موازية لإدماج ذلك الجيش من المقصيين من البالغين سن العمل، ضمن منظومة الإصلاح)، محصور بالتحديد حول مصير حقوق التقاعد ل 46 % فقط من القوة العاملة بالمغرب. وهي الشريحة التي تعتبر الخزان الإجتماعي الفعلي، في القطاعين العام والخاص، للطبقة المتوسطة ببلادنا.
الإصلاح المتعثر لمنظومة التقاعد مغربيا
إن للتقاعد بالمغرب ذاكرة وتاريخا عنوانها الأكبر، عدم الإحترافية وغير قليل من الفساد التدبيري. ولعل أهم معلومة مثيرة في هذا الباب، هي أن التعامل مؤسساتيا (سواء في الحكومة أو في المؤسسات العمومية الكبرى أو في القطاع الخاص)، مع آلية التقاعد، قد كان يتم فقط كحساب جاري تماما مثلما يتم التعامل مع الأجور (ولم تكن هناك صناديق للتقاعد). بل أكثر من ذلك، ظل تدبير قطاع التقاعد، منذ الإستقلال سنة 1956 إلى سنة 1999، يتم من خلال قسم صغير جدا بوزارة المالية، دون إغفال أن الدولة أصلا لم تكن تؤدي ما بذمتها (بصفتها مشغلا) من اقتطاعات للتقاعد. وبسبب عدم وجود رؤية استراتيجية شمولية لهذا القطاع الحيوي الهام، تراكم تداخل مؤسساتي غير منتج وغريب، لصناديق التقاعد ببلادنا سواء حكوميا أو في المؤسسات العمومية، مما كانت نتيجته حسابيا، أنه في سنة 1997، وجدت الدولة نفسها أمام قطاع مفلس بديون متراكمة بأرقام خيالية. كمثال على ذلك، بلغ حينها عجز فقط حسابات التقاعد الخاصة بالمؤسسات العمومية الكبرى 64 مليار درهم (أي حوالي 6.4 مليار دولار).
كان من أول الإصلاحات الجوهرية، التي لم يسلط عليها الضوء كثيرا للأسف، التي قامت بها حكومة التناوب، هي العمل على مأسسة قطاع التقاعد ضمن تلك المؤسسات العمومية الكبرى المتمثلة في “المكتب الشريف للفوسفاط/ المكتب الوطني للكهرباء ومعها وكالة الماء والكهرباء/ المكتب الوطني للسكك الحديدية/ مكتب استغلال الموانئ/ شركة التبغ”، عبر إدماجها ضمن “النظام الجماعي للتقاعد”،التابع لصندوق الإيداع والتدبير. مع جدولة آلية لحل معضلة ديونها المتراكمة على امتداد سبع سنوات، انتهت إلى حل العجز المهول ل 64 مليار درهم في زمن قياسي. ولقد تكامل ذلك الإصلاح مع منظومة شاملة لإصلاح عمل تلك المؤسسات العمومية ابتداء من سنة 2000، أدى مثلا إلى تمكن المكتب الشريف للفوسفاط من القضاء على العجز المسجل ضمن حسابات التقاعد لديه، التي تراكمت منذ سنوات الإستقلال، البالغة رقما خرافيا (33 مليار درهم)، في ظرف ست سنوات، خاصة مع ارتفاع مداخيل الفوسفاط. مثلما تمت معالجة عجز حساب التقاعد بباقي المؤسسات العمومية بالتواتر ما بين 2002 و 2008 (المكتب الوطني للكهرباء 11.5 مليار درهم/ المكتب الوطني للسكك الحديدية 5.8 مليار درهم/ شركة التبغ 3.4 مليار درهم).
أكثر من ذلك، ستقوم حكومة اليوسفي وحكومة جطو بعدها، بإعادة تنظيم مؤسساتية لقطاع التقاعد، كان من نتائجه ليس فقط خلق آلية وطنية لإصلاح منظومة التقاعد، المتمثلة في خلق “اللجنة الوطنية لإصلاح نظام التقاعد” في يناير 2004، بعد مسار طويل انطلق منذ شهر يوليوز من سنة 2000، التي أصبحت تضم في عضويتها الحكومة والنقابات وأرباب العمل. بل إنها ستبادر ابتداء من سنة 2005، إلى وضع حد للديون المتراكمة على الدولة منذ الإستقلال في قطاع التقاعد ضمن القطاع العام البالغة رقما خرافيا يصل إلى 11 مليار درهم (أي 1.1 مليار دولار)، وأن ذلك قد تم بدون طلب أي قرض مالي من الخارج، بل من خلال طرح سندات للخزينة مكنت الصندوق المغربي للتقاعد من امتلاك أسباب مناعة مالية وتدبيرية لعشر سنوات قادمة.
سيتم بالتوازي، مع منظومة الإصلاحات هاته، غير المسبوقة ببلادنا، إعادة إصلاح شاملة لقطاع التقاعد ضمن القطاع الخاص، من خلال إصلاح مؤسسة صندوق الضمان الإجتماعي ووضعية مؤسسة “سي. إم. ر.”، أي الصندوق المهني المغربي للتقاعد (الذي كان في وضعية قانونية مثيرة كونه محكوما بقانون الجمعيات بصفته جمعية للمقاولات مكلفة بتأمين الأطر).
كانت نتيجة ذلك المسار الإصلاحي الكبير، هي تسوية كل الديون المتراكمة البالغة في القطاع العمومي والشبه عمومي 75 مليار درهم، وكذا إعادة توحيد وتنظيم لصناديق التقاعد في القطاعين العام والخاص، من خلال أربعة أنظمة فقط، محددة الأدوار والمسؤوليات وآليات التدبير (الصندوق المهني المغربي للتقاعد/ صندوق الضمان الإجتماعي/ الصندوق المغربي للتقاعد/ النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد).
من حينها، صار لبلادنا خارطة طريق واضحة لتنفيذ منظومة إصلاح شمولية للتقاعد. وأصبح الأمل كبيرا في أن المغرب سيكون من الدول التي لن تواجه مخاطر تدبيرية ضمن ملف اجتماعي حساس، مثل ملف مخاطر إفلاس صناديق التقاعد، كما هو قائم في العديد من البلدان العربية والمتوسطية والإفريقية والآسيوية. لكن، مع حكومة السيد عباس الفاسي ووزير ماليتها السيد صلاح الدين مزوار، سنة 2008، ستتوقف منظومة ذلك الإصلاح بشكل مثير وغريب.
لن يعود الإهتمام بشكل جدي لإصلاح منظومة التقاعد ببلادنا، سوى سنة 2013، مع حكومة السيد عبد الإله بنكيران، بسبب مخاطر الإفلاس التي أصبحت تتهدد مجددا كل صناديق التقاعد بالمغرب. حيث تمت مباشرة آلية للإصلاح مختلفة عن الآلية التي انطلقت منذ سنة 2000 وتوقفت سنة 2008، من حيث إنها اختارت توجها للحل على حساب حقوق المتقاعدين وليس بآلية منظومة “الدولة الراعية” اجتماعيا كما كانت عليه مقاربة حكومتا اليوسفي وجطو. ومما يعاب أيضا على مبادرة الإصلاح لسنة 2013، أنها اشتغلت بمنطق “رد الفعل”، أي تحت إكراه ضغط مخاطر الإفلاس في أفق سنة 2016. حيث ذهب ذلك التوجه نحو اعتماد الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة، رفع نسبة المساهمة للأجراء (أي الإقتطاع الشهري) من 20 % إلى 28 %، تحديد المعاش على أساس 2 % وليس كما كان من قبل 2.5 %. وكانت الغاية هي استدامة منظومة التقاعد إلى سنة 2028، وهو القرار الذي شرع في تنفيذه ابتداء من سنة 2016 في القطاع العام، الذي واضح أنه فتح الباب لأول مرة للزيادة في نسبة الإقتطاع الشهري مع التقليص من الرقم المرجعي للقيمة المالية للتقاعد. أي أنه توجه له انعكاسات سلبية على مستوى معيشة متقاعدي القطاع العام، سببه تضاعف مخاطر الإفلاس بعد القرار الغريب لتوقيف آلية الإصلاح المنطلقة منذ سنة 2000، من قبل حكومة عباس الفاسي سنة 2008 (وهذه معطيات في ذمة التاريخ على كل حال).
كيف حال منظومة تقاعدنا اليوم؟
مع مجيئ الحكومة الحالية (حكومة السيد عزيز أخنوش)، فإن المشهد العام المؤطر لوضعية منظومة التقاعد ببلادنا، تتميز بتراكم جديد لمخاطر الإفلاس التي عادت لتتهدد غالبية صناديق التقاعد، خاصة في القطاع العام، وأن ثمة تسريبا لمشروع للحل مقترح من قبل لجنة الدراسات التقنية التابعة لوزارة المالية، يخشى أنه يذهب نحو حلول تقنية ستكون نتائجها كارثية على حقوق المتقاعدين خلال العشر سنوات القادمة، كونها ستضعف بشكل كبير قدرات الطبقة المتوسطة ببلادنا.
بالأرقام، فإن وضعية صناديق التقاعد بالمغرب، متفاوتة من حيث مخاطر الإفلاس، لعل أكثرها ضررا هي الصندوق المغربي للتقاعد الخاص بموظفي القطاع العام، الذي ارتفع مجددا عجزه المالي ليقارب 8 مليار درهم، مما يجعل أفق إفلاسه أقرب زمنيا (كل الدراسات تؤكد أن ذلك سيتحقق في أفق سنة 2028). بينما يسجل صندوق “النظام الجماعي لرواتب المتقاعدين”، الخاص بموظفي وأجراء المؤسسات العمومية عجزا يتجاوز 3.3 مليار درهم، لكن مخاطر تاريخ إفلاسه بعيدة في أفق سنة 2052. فيما يبلغ عجز صندوق الضمان الإجتماعي الخاص بأجراء القطاع الخاص ما يقارب 375 مليون درهم، وأن السقف الزمني المرتقب لإفلاسه هو سنة 2038.
إن الحلول المقترحة من قبل المشروع المسرب المنسوب إلى اللجنة التقنية التابعة لوزارة المالية، يذهب في اتجاه تسريع آلية تنفيذ منظومة إصلاحه الجديدة في أفق شهر ماي القادم (2023)، وأنه أكثر من ذلك، يقدم خطاطة تراجعية كبيرة عن العديد من مكتسبات منظومة الإصلاح السابقة كلها على حساب الأجراء. حيث ثمة مقترح لرفع سن التقاعد إلى 65 سنة في القطاعين العام والخاص (لأول مرة سيتم التوحيد بين القطاعين)، مثلما اقترح توحيد سقف النظام الأساسي للتقاعد على أساس يساوي مرتين فقط الحد الأدنى للأجور (كان في الإصلاح السابق يساوي ثمان مرات الحد الأدنى)، رفع جديد لنسب الإشتراكات أي نسب الإقتطاع من أجور الموظفين والأجراء. مما يعني حسابيا وعمليا اقتطاع أكبر من الأجور في مقابل تقليص أكبر للتعويض على التقاعد، مع الزيادة في سنوات العمل. وهذا مشروع في مضمونه التقني سيهدد القدرة الشرائية لما يقارب 5 ملايين أجير بالمغرب، كونه سيدفعهم نحو أسباب عوز أكبر على مستوى القدرة الشرائية في القادم من السنوات، وسيعزز من ضعف البنية الحمائية لمن لهم القدرة على العمل بالمغرب البالغين اليوم 11 مليون مواطن مغربي. وفي هذا إضعاف كبير للطبقة المتوسطة ببلادنا خلال العشر سنوات القادمة. أي أننا نضع الأسس لخلق طبقة متوسطة مفقرة بالمغرب.
بهذا المعنى، فإن حل ملف التقاعد، يقتضي حلا سياسيا قي المقام الأول، وليس حلا تقنيا. لأنه واحد من مجالات تحقيق فكرة “الدولة الراعية”، تلك التي تؤسس للأمن العام بأفق مستقبلي، وليس “رؤية التقني” التي تكتفي بالحسابات الرقمية الآنية دون استحضار لإسقاطاتها المستقبيلة ومخاطرها الإجتماعية تنمويا واجتماعيا وأمنيا في مستقبل السنوات القادمة. ونحن هنا في عمق العمق لسؤال المشروع المجتمعي الحداثي التضامني الذي نرتجيه جميعا بسقف وطني.