تعرف الشبيبة الاتحادية نقاشا داخليا مهما في سياق تحضيرها للمؤتمر الوطني التاسع تحت شعار «كرامة، حرية، مساواة» وهو شعار يحتاج منا الوقوف للتمعن وتحليل أبعاده التاريخية والسياسية والحقوقية، لنجد أن الشعار يمثل استمرار وامتداد لمسار المطالبة بتوسيع هامش الحقوق والحريات الذي رفعته الشبيبة الاتحادية منذ تأسيسها سنة 1975 منددة باغتيال الشهيد عمر بن جلون ومطالبة بترسيخ فكر الشهيد المتمثل في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعيةعبر شعار «اذا اغتال المتامرون عمر بن جلون، اذن فكلنا عمر بن جلون»، وتأسست هوية الشبيبة على هذا التوجه الحداثي-التقدمي ورسخته في جميع محطاتها، فناضلت من أجل تفعيل المشاركة السياسية للشباب وتمكينهم من خلال التأطير والتكوين لإيمانها بأن مشاركة الشباب مدخل أساسي لبناء الدمقراطية وترسيخ دولة الحق والقانون وجعلته شعارا لمؤتمرها السابع سنة 2008: «مشاركة الشباب ضمان لمستقبل ديمقراطي»، كما ناضلت الشبيبة الاتحاديةمن أجل ضمان مبدأ فصل السلط باعتباره مبدأ دستوريا يحظى بمكانة هامة في الفكر الدستوري وهو مبدأ أساسي لقيام دولة الحق والقانون لذا وجب التذكير بالالتزام به وترسيخه في فكر الشبيبة المغربية وحمايته من الاستبداد ومنطق الابتزاز السياسي،فكان المؤثمر الثامن 2013 للشبيبة الاتحادية تحت شعار: التزام مع الشباب، ضد الاستبداد والرجعية.
لقد كانت شعارات مؤتمرات الشبيبة الاتحادية تعبر عن فكر وممارسة مناضلتها ومناضليها باعتبارهااحد الروافد الأساسية للحزب كما أشار الى ذلك الكاتب الأول للحزب في افتتاحه للمؤتمر الوطني الثامن، ومشتلا تنمو وتترعرع وتتكون فيه النخب الاتحادية التي تغدي الحزب وتقوي شرايينه على مرّ تاريخه التنظيمي والسياسي، فقد ساهم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والشبيبة الاتحادية في ترسيخ الحريات وبناء دولة الحق والقانون وتجديد المؤسسات من خلال المطالبة بفتح أوراش الإصلاح السياسي بغية إحداث قطيعة مع الماضي لأنه لا يمكن لأي مشروع تنموي اقتصادي واجتماعي أن يتحقق دون تحقيق تأهيل سياسي يعيد للإنسان كرامته. وفي هذا السياق جاءت مجموعة من المبادرات في تجربة الراحل المجاهد عبد الرحمن اليوسفي تمتلث في تنصيب هيئة مستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي بفضل جلالة الملك محمد السادس. وتسوية الوضعية المالية والإدارية للمطرودين والموقوفين لأسباب سياسية أو نقابية من موظفي الدولة أو المؤسسات العمومية، وكذا إصلاح المسطرة الجنائية وتقوية الضمانات للمحاكمة العادلة. الى جانب توسيع فضاء الحريات العامة وتحصينها (تغيير قانون الصحافة/ قانون الجمعيات والتجمعات) واعتبرت هذه المرحلة منعطفـا مهمـا في التـاريخ السياسـي المغـربي الحـديث. فكان هذا الحدث «التناوب» كتريسالمسلسل الانفراج السياسـي والحقوقي في المغرب بعد سنوات من الصراع.
وبنفس الايمان بالفلسفة التي رسختها الشبيبة الاتحادية عبر مواقفها التاريخية انخرط مناظلاتها ومناضليها في النقــاش العمومــي حــول الإصلاح الدســتوري لســنة 2011 من خلال ما عرف باتحاديو حركة 20 فبراير الذين ساهمو في حراك 20 فبراير باعتبارها حركة احتجاجية تطالببإصلاحات سياسـية واقتصاديـة واجتماعيـة عجلـت بخطـاب ملكـي فـي التاسـع مـن مـارس سـنة 2011 برهـن علـى التفاعـل السـريع مــع احتجاجــات الشــارع المغربــي، وفتــح المجــال للإصلاح الدســتوري شامل تكلل بإقرار دستور جديد بموجب استفتاء الأول من يوليوز، وقد جاء هذا الأخير بمستجدات توثق لمرحلة جديدة تؤسس لبناء دولة حديثة مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة وبناء دستوري يقوم على أسس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والدمقراطية المواطنة والتشاركية، وفي هذا الإطار جاء دستور يوليوز 2011، ليعطي للفعل الديمقراطي التشاركي بعده القانوني الرسمي من خلال التنصيص عليه لأول مرة في تاريخ التعديلات الدستورية بالمغرب وتمكين المجتمع المدني من المساهمة في صناعة القرار السياسي عن طريق أليات الدمقراطية التشاركية، وكذا إعادة تأسيس التنظيم الترابي للمملكة على مرتكزات جديدة لكي يساير متطلبات التنمية،وقد شكل دستور 2011 فرصة لإعادة النظر في منظومة العدالة الدستورية المغربية ، وذلك عبر متغيرات تمثلت في إحداث محكمة دستورية وتوسيع صلاحياتها، وإغناء مضمون النص الدستوري بمرجعية حقوق الإنسان والحريات بإقراره لراقبة الدفع بعدم دستورية القوانين، كما أقر أيضا بطابع الرسمي للأمازيغية وخص القانون التنظيمي بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. وغيرها من التحولات الدستورية التي عقد عليها المواطنين أمالا كبيرة لبناء دولة دمقراطية يسودها الحق والقانون وتضمن الحرية والكرامة والمساواة كما هو موثق في تصدير دستور 2011.
نجد من خلال كل المحطات التي تم ذكرها أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والشبيبة الاتحادية كانا في طليعةمن ساهم في بلورة مطالب بناء دولة الحقوق والحريات، وهماأول من ساهم في التأسيس لها فعليا على مستوى السياسات الحكومية والتشريعية في مرحلة التناوب، وكرس نفسه لتحصين وحماية هذه المكتسبات من خلال مساهمته في التعديل الدستوري 2011 من خلال المذكرة التي رفعها إلى لجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.
الا أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العشرية الاخيرة بعد دستور 2011 وما عرفته من تراجع كبير على مستوى الحقوق والحريات، يجعل شعار المؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية «كرامة – حرية – مساواة « ذو راهنية وأهمية بالغة لتذكيرنا بنهج وفلسفة الشبيبة الاتحادية في مسارها التاريخي من أجل الدفاع علىبناء دولة دمقراطية تضمن كرامة المواطنات والمواطنين، وتضمن حرياتهم الاساسية والمساواة بينهم، وتدفعنا للبحث في هذا المؤتمر على سبل حماية المكتسبات وتطويرها من خلال الاستثمار في تكوين وتأطير الشببيبة المغربية وتعبئتها وتمكينها فكريا وسياسيا لأجل بلوغ دولة دمقراطية توسع هامش الحقوق والحريات وتضمن الكرامة والمساواة.
عضو المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية
تارودانت 21 شتنبر 2022.