يعتبر الكتاب الذي بين أيدينا من الكتب التي غيرت الزمن بتعبير المناضل الأستاذ مصطفى القرشاوي، ذلك أنني قمت بإعادة قراءته لأستخرج منه بعض النصوص التي ستفيدني وستفيد تلامذتي في مادة التاريخ سواء في الدرس العاشر المعنون ب «المغرب: الكفاح من أجل الاستقلال وإتمام الوحدة الترابية ،”وهو الدرس العاشر من سلسلة دروس مادة التاريخ، أو في إعداد الدرس الثاني عشر والأخير المتعلق بإعداد ملف حول المقاومة المغربية، باعتماد نماذج لشخصيات محلية أو بالتعاون مع المندوبيات الجهوية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير .
إن هذا الكتاب «مذكرات حياتي» الذي ألفه المرحوم العلامة الفقيه المتوكل عمر الساحلي، يحتوي على 665 صفحة من الحجم الكبير من إعداد وتنسيق أسرة مؤلف وبطبعة مكتبة دار الأمان سنة 2017 في طبعته الأولى يضم في فصله الأول لمحة تاريخية عن أهم المحطات التاريخية التي مر منها المؤلف، فأين تتجلى؟
ولد السيد عمر بن ابراهيم بن عمر بن احمد بن امبارك سنة 1330ه ،الموافق لعام 1912سنة توقيع المغرب على معاهدة الحماية المعروفة بمعاهدة فاس المشؤومة، ومكان الولادة كما ورد في الكتاب: دوار إدعدي بإفردا من قبيلة الساحل بإقليم تزنيت، تعلم القراءة تحت إشراف والده الذي كان فقيها مشارطا وتحت إشرافه أيضا حفظ القران الكريم ست مرات مما سيؤهله للمشارطة في مجموعة من المساجد، اشرأبت نفسه إلى المزاوجة بين تحصيل القراءات والقراءات القرانية ومختلف العلوم، فالتحق بالمدرسة القرآنية بعد ما استفاد من أحد الفقهاء ونذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الفقيه عبد الرحمان الخنبوبي بقرية ماسة التي تحدث عنها الدكتور محمد بصير في كتابه «الحاجة الماسة إلى تعريف ماسة « وكتاب الإعلامي الأستاذ بو الزيت المعنون ب «ماست :دينامية قبيلة أمازيغية «، بعد ذلك التحق بالمدرسة البوعبدلية المشهورة والذائعة الصيت (انظر للمزيد من التفاصيل كتاب «الأسر العلمية في سوس) الذي أنجزته مجموعة البحث في الادب السوسي المغربي بجامعة ابن زهر والمجلس الجماعي لتزنيت سابقا وهذه المدرسة التي يشرف عليها الفقيه ابراهيم بن عبد العزيز الأدوزي ، كما أخذ العلم عن الفقيه محمد بن أحمد الإفراني بمدرسة إفردا.بعد ذلك شارط في مدرسة تماسط قرب أيت ايوب بالمنابهة بأولاد برحيل إقليم تارودانت، لكنه اعتقل من لدن سلطات الحماية الفرنسية بالسجن بكل من أكادير وتزنيت وبعد ذلك شارط من جديد بمدرسة سيدي سعيد أوحمد بتركت بجماعة الفيض القريبة من أولوز وهي المنطقة التي برز فيها المقاوم الحسن نايت موسى ، والقريبة من منطقة أولوز التي برز فيها المقاوم المرحوم الحاج عمر أمحيل، قطب رحى المقاومة براس الوادي ،بعد ذلك سيلتقي المؤلف بالعلامة المرحوم محمد المختار السوسي بمراكش التي اشتغل فيها مدرسا بإحدى المدارس الحرة، لكن انخراطه في صفوف المقاومة بتأسيسة لخلية أصبحت تعرف بخلية الشهيد حمان الفطواكي سيعجل باعتقاله بسجن بولمهارز سنة 1954م وهي السنة التي قرر أن يشرع في كتابة مذكرات حياته كما يبدو في الخلفية الثانية لهذا الكتاب . سيلتقي بزعماء من الحركة الوطنية بالدار البيضاء أمثال المناضل المرحوم محمد الزرقطوني والفقيه محمد البصري وقياديين آخرين للمقاومة، ومنهم مجموعة كبيرة سيكونون لاحقا بعد الإستقلال من مؤسسي وقادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (نظر مجلة “فكر ونقد ،عدد 1و2)، والتي كان يشرف عليها المناضل المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري، ليعود إلى سيدي إفني التي كانت ترزح تحت الإحتلال الإسباني حيث يتواجد الكثير من القياديين بالمقاومة وجيش التحرير الذي سيحرر آنذاك كل الصحراء المغربية من الاسبان حتى الحدود مع موريتانيا بما في ذلك تندوف التي كانت مركزا عميقا للمقاومة وجيش التحرير.
وبعد حصول المغرب على الإستقلال سنة 1956بعد إصدار بيان 2مارس ورجوع الوفد المغربي من مدينة إيكس ليبان الفرنسية، سيعين المؤلف مديرا بالمعهد الإسلامي بتارودانت التي ذكرها في الكتاب قائلا: «…وهكذا أصبحت تارودانت مع فجر الإستقلال محطة للأنظار بفضل المعهد الإسلامي لتارودانت..وكان فيها منارا شامخا ممتازا …”صفحة 326، ، ليتطرق المؤلف سيدي عمر المتوكل الساحلي في الفصل الثاني من هذا الكتاب إلى دور المعهد الإسلامي بتارودانت وفروعه بسوس، جسدها في كتابه الذي لامناص لأي باحث من الاعتماد عليه في التاريخ العلمي لسوس ومدارسها العتيقة تحت عنوان «المعهد الإسلامي بتارودانت والمدارس العلمية العتيقة بسوس» والمتكون كما هو معلوم من أربعة أجزاء، كما كانت له اهتمامات بمجال الشعر أوردها العلامة محمد المختار السوسي في كتابه «المعسول» في الجزء الخامس. يقول المؤلف في كتابه السالف الذكر، المعهد الإسلامي بتارودانت في الجزء الأول: «لقد كان الهدف من تأسيس المعهد الإسلامي بتارودانت أن يكون امتدادا للمدرسة الوكاكية، وتجديدا للحركة العلمية التي أتحفتنا به سوس العالمة بأخبار تاريخها المشرق، ويقول كذلك العلامة سيدي عمر الساحلي « في 29 أبريل 1950رفع وفد من التجار السوسيين من مختلف المدن المغربية ملتمسا إلى جلالة الملك المرحوم محمد الخامس الذي دعم تأسيس المعهد ماديا ومعنويا بزيارته التاريخية بوضع الحجر الأساس للمعهد سنة 1959 وكان آنذاك محمد المختار السوسي وزيرا للتاج والأستاذ محمد الفاسي وزير ا للتربية الوطنية، وهذا الملتمس يضم نقطتين:
طلب إلغاء العرف في سوس وتعيين قضاة شرعيين في المحاكم وإزالة المجالس العرفية التي أحدثت بعد الاحتلال؛
وثانيا طلب إصلاح المدارس العلمية وتنظيمها في إطار التعليم الحر بسوس و»بعد العودة إلى الرباط رفع الفقيه محمد العمري الملتمس باسم السلطان إلى المقيم العام «الجنرال جوان» وقال له هذا الأخير : «قل للسلطان، يمكن أن نفتح للسوسيين ثكنات عسكرية في بويكرا أو أكادير وغيرهما ،ولن نسمح لهم ولو بإصلاح مدرسة واحدة ……» وإن دل هذا على شي فإنما يدل على الدسائس التي كان يحارب بها المستعمر التعليم الديني في بداية استقلال بلادنا ، فكانت زيارة السلطان محمد الخامس خير سند لانطلاقة قوية للتعليم بتارودانت بعد جامعة ابن يوسف بمراكش وجامعة القرويين بفاس، فكانت زيارته تاريخية حينما دشن المعهد الذي مازال يحتفظ بلوحة تدكارية تؤرخ لهذا التدشين قائلا لوفد جمعية علماء سوس برئاسة محمد المختار السوسي غشت 1956م ، «أتمنى أن أزور تارودانت وأجد حلقات الدروس في جامعها الكبير إن شاء الله» ،وحضر بالفعل جلالته سيدي محمد بن يوسف لوضع الحجر الأساسي للقسم الأخير من المعهد في أول زيارة له إلى سوس بعد الإستقلال يوم الجمعة 29 ماي 1959 بعد عامين وثمانية أشهر من تاريخ فتح المعهد وقد (فتح في أول أكتوبر 1956 بدروس في الجامع الكبير ،لولا ذلك لكانت مرامز المد الإستعماري المغروسة في حنايانا قد بلغت مآربها في كبت تيار الثقافة العربية الإسلامية وفي ضرب وتصفية المعاهد الواحد تلو الآخر ببلادنا ،( مقتطف من جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 8448الصادرة في 6و7يناير 2007عدد اسبوعي ) .
وللإشارة فقد كان الأستاذ الساحلي معاشرا لمجموعة من الشخصيات المهمة في عالم الثقافة والفكر ونذكر أن الحاج عابد السوسي كان أمين مال جمعية علماء سوس المساند الأساسي للمعهد ، للمزيد من التفاصيل انظر كتاب «العصاميون السوسيون بالدارالبيضاء ،السلسلة الذهبية الأولى للدكتور عمر أمرير» ، إضافة إلى شخصيات كان قد تعرف عليها 1953بالدارا لبيضاء ذكرها في الكتاب وذكرها كذلك الأستاذ محمد ايت جمال في مقال له بمجلة «مبادرات عدد 3 صادرة شهر ماي 2009» تحت عنوان “عمر المتوكل الساحلي علم نضال:تاريخ وأعلام» ، ومن هذه الشخصيات :عبد العزيز الماسي،العربي التماسطي أوالتمازطي، مولاي العربي الشتوكي، عبد الرحمان الصنهاجي، محمد بنموسى الساحلي، اسماعيل رضا السكتاني، واحمد الخصاصي، ومحند نايت الطالب، ومحمد بن سعيد ايت يدر،ومحمد الحبيب الفرقاني،ولحسن بنهمو وهبي السكتاني التالويني ، والفقيه محمد البصري … ، وشخصيات أخرى ذكرها المرحوم المقاوم محمد الحبيب الفرقاني في كتابه الممتع «الثورة الخامسة «….
يذكر كذلك أن المعهد يتوفر على خزانة ممتعة تسمى الآن خزانة الإمام علي، وهي من أهم خزانات مدينة تارودانت حاضرة سوس، وأهم خزانات جهة سوس ماسة وببلادنا عامة، ويكفي القول إنها قبلة لعدد من رواد علم المخطوطات، وقد ولجت إليها خزانة المرحوم أحمد الكدورتي ، وللمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على مقال الدكتور احمد السعيدي المنشور بمجلة دعوة الحق عدد406الصادرة سنة 2014ونفس المقال بكتاب ندوة التراث المغربي المخطوط الصادر بكلية الاداب والعلوم الانسانية باكادير سنة 2018، ونشرت له قراءة نشرت بجريدتي «تمازيرت بريس وسوس بريس» الإلكترونيتين، وكذلك مقال للأستاذ إبراهيم ابوالصواب المنشور بكتابى»ندوة تارودانت « الصادرة ضمن أعمال كلية الاداب والعلوم الانسانية باكادير سنة 1992. ولأهمية هذه الخزانة ذكرها المرحوم العلامة سيدي محمد المنوني في مقال له بمجلة دراسات عدد7 صفحات 21و22 صادرة عن نفس الكلية، علما بأن المرحوم مولاي علي بن مولاي بوبكر هو الذي وهب البقعة الأرضية التي بنيت هذه المعلمة الدينية – المعهد – والتي كان للطلبة نصيب في التطوع في أعمال البناء خصوصا خلال العطلة الأسبوعية. وبعد أداء المؤلف فريضة الحج رفقة مجموعة من أصدقائه المقاومين وزيارته لسفارة المغرب بمنى بالمملكة العربية السعودية. وبعدما شارك في مؤتمر اتحاد علماء المسلمين بالعراق وزيارته لفلسطين، سيعود الى أرض الوطن ويعين تعسفا لإبعاده عن مقر سكناه كأستاذ للغة العربية بمدينة الجديدة، ولن يعود الى مدينة تارودانت لاستئناف التدريس به إلا قبيل حصوله على المعاش سنة 1972م بعد تدخلات عدة لرفاقه في المقاومة؛ واستقر بها إلى أن توفي رحمه لله في 2003 موافق سنة 1424ه.. واختتم الكتاب بفصل وثائقي عن ذاكرة المقاومين، كما أن الكتاب وثق لشخصيات تاريخية عاصرت المؤلف ولها باع طويل في تاريخ بلادنا . كما أن هذا الكتاب ونظرا لأهميته تم توقيعه بمدن تزنيت وأكادير وتارودانت لما لها من رمزية تاريخية في حياته، وهكذ تم تقديم هذا الكتاب بتعاون بين جمعية منتدى الأدب لمبدعي الجنوب بتارودانت ومؤسسة عمر المتوكل الساحلي للتنمية والثقافة والعلوم يوم السبت 20 يناير 2018 بثانوية محمد الخامس للتعليم الاصيلة بتارودانت بحضور أعضاء المؤسسة، حيث قام بتلاوة كلمة المؤسسة الاستاذ الحاج مصطفى المتوكل نيابة عن أعضاء المؤسسة ، وساهم المنتدى بعرض مهم حول الشيخ عمر المتوكل الساحلي للاستاذ الباحث أحمد بزيد الكنساني، وبقصيدة للاستاذ الشاعر محمد مورشيد ليختتم هذا اللقاء التكريمي بشهادات الدكتور اليزيد الراضي والأستاذ علي المجاطي، وبتكريم بعض أصدقاء المرحوم العلامة عمر الساحلي، يبقى التساؤل : متى ستقوم الجهات المسؤولة بإطلاق اسمه على أحد الشوارع أو إحدى المؤسسات الحكومية أو إدراجه في دروس المقرر الدراسي والجامعي لتتعرف الاجيال المتجددة على التريخ الوطني ورجالات الوطن الكبار.
الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي
على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…