يلاحظ بأن عددا كبيرا من الأطر والكفاءات “تكافح” خارج تنظيماتها الحزبية، أو بالموازاة “تفوت” خبراتها للدولة أو الخصوم، سواء ضمن ديناميات وطنية أو خارج الوطن، من هنا وجب التعامل مع هذه الظاهرة بنقد مزدوج، وذلك بمحاولة التركيز على تدبير الأولويات في التعاقد المشترك، حتى لا نهدر الطاقة والزمن، ونتيه عن الأهداف العامة السامية، أما الانجرار إلى قضايا هوياتية صدامية مضرة بالتعددية والحق في الاختلاف، دون توفير الشروط الذاتية ودون توفر الشروط الموضوعية، قرينة قوية على وجود تيه يطوق الرؤية أو عياء سياسي يخنق النفس الثوري المفترض في رئات غير فتية، في ظل زمن رديء نشطت فيه إرادات مزيفة ومضللة تقودها حقيقة إعلامية تروم في آخر المطاف صون حقوق يراد بها باطل .
حقا إن الحقل الحزبي يعيش الرداءة والتفاهة والهشاشة، غير أن الحالات النضالية المدنية لا يمكن أن تشكل بديلا عن الأحزاب لبلورة السياسات العمومية، اللهم إذا حصرت الاستراتيجيا في مجرد دعم عمليات التفكير من أجل التغيير أو الإصلاح عبر آليات الدمقراطية التشاركية، في اتجاه خلق جبهة اجتماعية مدنية ببعد سياسي، وليس حزبي مهيكل، مادامت الدولة بمثابة حزب كبير، يؤلف بين السرية التقليدانية والعلنية اللبرالية، ووفق خيارات اقتصاد السوق، وبمقاربة مترددة لا تؤمن بالوسطية أو الوساطات حيث تصاب السياسة بالسقم، وتتيه البوصلات وينتعش الارتباك والتوتر، حينها يموت الحوار وينتفض المقهورون عفويا / عشوائيا، وعلى قدر الاحتكاك يتململ المجتمع المدني من أجل الوساطة الاجتماعية، لكن كلما طوق المجتمع المدني / الحقوقي، فاضت القوة عن المعدل، وعاد التعسف والتسلط، وكخلاصة لا يمكن للمجتمع المدني / للحقوقيين أن يحلوا محل السياسيين الحزبيين ولو تمثلوا الديمقراطية التشاركية بصفة مطلقة، اللهم في رصد مؤشرات عدم تكرار الانتهاكات، فهل للدولة الراعية وجود دون سياسة / ديمقراطية تمثيلية؟ وهل من معنى للتدبير السلمي/ غير العنيف للصراع دون صيانة الحقوق والحريات وتأهيل العمل الحزبي بالنزاهة والنبل؟
من هنا فمن أولى الأولويات تجريب إمكانية إصلاح منظومة العدالة وكل القطاعات المرتبطة بها بنيويا، من آليات التشريع ومؤسسات الأمن والضبط الاجتماعي، وهي مداخل أساسية لأن عدم الاختصاص في الصراع حول السلطة لا يغني عن النضال من أجل النزاهة والحكامة والمحاسبة ضمن إستراتيجية الحد من الفساد والإفلات العقاب، تجفيفا لبعض منابع انهيار قيم المواطنة وحقوق الإنسان، وفي ذلك فليتحالف الحقوقيون والمهنيون ذوو الصلة .