اغتصبها الاستعمار الفرنسي لأزيد من قرن وتسعى اليوم ان تكون عشيقته. بالرغم من ان ابناءها يرفضون أن تمحى من ذاكرتهم معاناة هذا الاغتصاب واثاره النفسية التي خلفها بمجازره وابادته لتجمعات سكنية قاومته وبتجاربه النووية التي لا تزال الأرض الزرع والنسل في جنوبها يشهدان على ذلك …
اغتصبها …. وها هي مؤسستها العسكرية تتسول اعترافا من مغتصبها لنظام غير شرعي صنعته ضدا على إرادة الشعب الجزائري وتسعى ان تتبناه باريس وتخرجه من ورطته وهو المنبوذ بصناديق الاقتراع ومن طرف شارع رفع مئات الشعارات ضده.
الثنائي “شنقريحة – تبون” لا يهمهما اليوم سوى ان ينسجم ولو جزئيا مغتصب الماضي مع اطروحتهم الإقليمية اي منازعة المغرب في وحدته الترابية ووضع بعض الحصى في حذائه لفرملة هذا الخطو الذي يوسع الهوة مع جارته الشرقية في حقول التنمية والبنيات والمنجزات..
اليوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الجزائر يبحث عن غاز ووقود لشتاء فرنسا بعد ان هددت موسكو بأنها ستغلق انابيبها التي كانت شريان الطاقة والتدفئة لأوروبا . ماكرون الذي رأى جارتيه اسبانيا وايطاليا تنعمان بخيرات مستعمرة بلاده السابقة يأتي وكأنه يحمل في حقيبته “حق الشفعة” في مورد اصبح اليوم اكثر من اي وقت مضى عاملا اساسيا في صنع خرائط جديدة للعالم.. والثنائي “شنقريحة- وتبون ” يتمنيان ان يؤدي البساط الاحمر الذي سيفترشانه بمطار الهواري بومدين الى …منعرج في موقف فرنسا تجاه قضية الصحراء المغربية..
المغرب الذي يتابع هذه الزيارة أعلن على لسان جلالة الملك في خطاب ثورة الملك والشعب نهاية الأسبوع الماضي أنه “ينتظر من شركائه التقليدين والجدد التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”. وجاء ذلك بعد أن رسم جلالته صورة واضحة تبرز ما أحرزته الدبلوماسية الوطنية من” إنجازات كبيرة على الصعيد الدولي والإقليمي لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة بخصوص مغربية الصحراء”. ولا يجد المرء كبير عناء من أن هذه الفقرة موجهة لفرنسا بالأساس التي وضعت في الآونة الأخيرة أكثر من حاجز سياسي في طريق العلاقات بين الرباط وباريس. ولوح بعض مسؤوليها بتصريحات تغازل الجزائر وتستهدف المغرب.
وإن كان الخطاب الملكي قد جاء عشية زيارة ماكرون للجزائر فإنه اختار توقيتا مفصليا كي يكون الوضوح في الموقف حتى لا يعتقد ماكرون أنه سيجعل من هذه الزيارة ابتزازا لبلادنا التي وسعت ونوعت اليوم من علاقاتها الاستراتيجية وشراكاتها الرئيسية. بل وعززت أكثر من أي وقت مضى وحدتها الترابية تنمويا وبنيويا …
إن فرنسا الأمس ليست هي فرنسا اليوم التي أضعفتها سياساتها الإقليمية وأنهكتها تبعيتها شبه المطلقة لواشنطن ..
وقد تخطئ إن هي راهنت على زيارة ماكرون للجزائر في أن تكون هي البوابة الحقيقية لاستعادة أدوارها خاصة في افريقيا. لأن هذه القارة اليوم ليست قارة الامس حيث كانت فرنسا تهيمن على جمهورياتها بشكل مطلق وتملي عليها مواقفها.
وقد تخطئ إن هي رضخت الى شعار “الغاز مقابل الموقف” الموقف من قضية الصحراء المغربية لانها ستسلك خيارا خاطئا اليوم ومستقبلا.