لم تصمد نزعة التغول كثيرا أمام سطوة أزمة البلاد الكبيرة، وتراجعت لغة الاستعلاء والعجرفة والهجوم إلى عبارات تكشف خيارين لا ثالث لهما:التبرير تارة والتنكر للمواقف السابقة تارة أخرى..نحن نحتاط كثيرا في الدخول إلى معترك، مزالقه كبيرة وتشعباته بين لوبيات و«كوكوتات» كثيرة قد يجر إلى اللعب في مقابلة لا تدري الرابح الحقيقي فيها.. لكن حذرنا التاريخي زال فعلا، عندما تراكم الحكومة التناقضات بقدر ما يراكم النفطيون الأرباح وتظل بوصلة المواطنين بلا أفق واضح في القريب من الزمن. فنعتمد ما تقوده لنا الحكومة مشكورة من تضارب في المواقف والتبريرات !
فالناطق الرسمي باسم الحكومة كشف عن الجانب التبريري حيث قال في مناسبة حزبية، للدفاع عن التردد والانتظارية والارتعاش: «إذا كان لديكم مقترحات آتونا بها» كما لو أن لسان حزبه يقول : «… أما نحن فقد وقف حمارنا في عقبة المحروقات».. وفي حقول السياسة، التي تنشط فيها دورة المسؤولية يكون هذا إعلان عجز، يفضي منطقيا إلى الانسحاب..إن أقبح ما في هذه الدعوة إلى حلول تأتي من الناس، هو التنصل الأخلاقي من المسؤولية، وربط المحاسبة باللامسؤولية، أي أن غيرالمسؤول هو الذي سنحاسبه غدا لأنه لم يقدم للحكومة حلولا أو ….مقترحات حلول؟؟؟؟؟
وأما وزيرة الطاقة والانتقال وتبرير الأرباح فقد نفت في جلسة البرلمان الأخيرة بأنها قالت ذات يوم بأن سامير ليست حلا.، وتنكرت بذلك لقناعة سابقة عبرت عنها بغير قليل من التهكم البلاغي. وقتها كانت ضيفة على البرنامج الجيد الذي ينشطه الإعلامي المتميز عبد لله الترابي، وقالت بأن الحل، «حتى وإن كان كلامها لن يرضي الكثيرين، ليس في تكريرالبترول بالشركة الوطنية»..!
الوزيرة قالت قولا منكرا، بأن تكرير البترول لا يوجد ضمن الاستراتيجية الوطنية للطاقة..وليتها توقفت عند الهذا التشديد ولم تحاول أن تبرره، بالقول إن البلاد ليست من منتجي البترول، وهذا هو السبب !
وهو تأكيد مبنى على مراوغة كبيرة تسقط البعد الأخلاقي من جوابها: فهي تتعمد تجاهل كون العديد من الدول التي لا تنتج ولو قطرة من النفط تعمد إلى التكرير..ألمانيا 2،70 مليون برميل في اليوم،إسبانيا، جارتنا الشمالية الفقيرة بتروليا، تكرر 1،50 مليون برميل يوميا، فرنسا إيطاليا هولاندا تركيا، كلها قرابة 2 مليون برميل يوميا…
تقول الوزيرة، إن ملف سامير هو »ملف استثماري.« طيب، ما رأي الوزيرة وحكومتها في خلاصات المجلس الوزاري ؟ ولماذا لا يتم التفكير في إدراج سامير في هذه الحزمة الاستثمارية الجريئة التي دعا إليها ملك البلاد؟
هل نحمد لله على هذا التذبذب غير المنتج، الذي لا يذهب إلى نهاية منطقه بإعلان فشل رسمي في تقدير الموقف؟
الواقع، ما هذا إلا الجزء العائم من جبل الجليد الذي يثقل كاهل الحكومة ويرمي بظلال الشك على عملها.
فقد نرى فيه، بغير قليل من البراءة، العجز عن لغة الحقيقة، والحقيقة حظ السياسي عندما يكون مخلصا لبرنامج ولفكرة ولو كانت مخطئة!
وقد كان الأستاذ أحمد الحليمي قاسيا في هذه النقطة بالذات وطالب الحاكمين بقول الحقيقة للشعب المغربي ملخصا ذلك، عند ندوته الأسبوع الماضي، في سؤال استنكاري: إلى أين نسير بحياتنا الحالية؟
قولوا الحقيقة ! هكذا صرخ…
ولا يمكن أن نفكر بأن الرجل الأول في الأرقام والإحصائيات لا يعرف حقيقة هذه الأرقام، ولا أن نشك بأنه يطلب بشيء لا يعرفه.. ويريد إثباتا بالنفي لهذه الطمأنينة المصطنعة لدى الحكومة؟
والأخلاق السياسية في هذا البند بالذات تتطلب من الذين يسيرون البلاد أن يعلنوا حقيقة الوضع..
وحقيقة الوضع هو أن هناك احتقانا رهيبا يتراكم، وأن الرد المنظم لحد الساعة عليه هو دفن الرأس في البلاغات والتصريحات، التي سرعان ما تذوب بفعل ارتفاع درجة المحروقات والحرائق..
لقد سمعنا لسان الحكومة الرسمي، من بين عشرات الألسن المنتشرة في الفضاء العمومي والإعلامي يعطينا دروسا في «الواقعية الانهزامية» التي تبحث عن حلول للأزمة عند الناس! وتطلب من الذين وضعوها في المنصب أن يبحثوا لها عن عروض سخية للحل.
والحال أن السيد الناطق الرسمي للحكومة، هو الذي كان يردد لكل من ينصت إليه أن المعارضة ليس من مصلحتها ولا في نيتها أن تعرقل أي مقترح يسير في اتجاه تخفيف العبء ودعم القدرة الشرائية والخروج من الأزمة، على أساس أن الحكومة تملك الإرادة نفسها، والنصوص نفسها.

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

الكاتب : عبد الحميد جماهري – بتاريخ : 20/07/2022

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…