يسير العلم العالم بالعلماء والخبراء والمخترعين الذين يقدمون للقيادات السياسية والحكومات آليات ومفاتيح السبق المعرفي والتقدم والتكنولوجيات و…التي بها يتحكم في مفاصل الأمم المتحدة وغير المتحدة ، فبعد أن وثق التاريخ عصور البشرية من بداية ظهور الإنسان على الارض إلى بلوغه مرحلة القدرة على التمييز والتدبير ثم التأمل والبحث ومراكمته الفهم والوعي بالتعلم والتجارب والمحن و.. ،وخلال عشرات القرون من الاجتهاد وتأسيس وتطوير للعلوم المختلفة تقوم لوبيات التخلف والجهل والتحكم بشن الحروب والحملات القمعية والإعلامية على كل العلماء الذين يرون في أفكارهم ونظرياتهم ومذاهبهم ما يهدد مصالحهم وتحكمهم في مقاليد السلطة ..
و بعد ملايير السنوات الضوئية من “الإنفجار العظيم ” الذي كان إعلانا لوجود هذه الأكوان العظيمة البهية المنتظمة دائمة التمدد والسباحة المنضبطة ، تولد وتموت فيها منذ الأزل نجوم ومجرات خاضعة لنظام معجز مما جاء في وصفها بالقرآن ” وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ” سورة يس.
بعد كل ذلك لازالت العديد من السياسات تجعل العلماء والخبراء وأهل الاختصاص على هامش المشهد السياسي والتدبيري والبناء المجتمعي والمؤسساتي .. ، ذلك أن كل القرارات التي تتخذها الحكومات والتي تهم الشعوب يتولاها في غالب الأحوال من يستعصي عليهم الفهم الأنجع في مجال مسؤولياتهم العامة الترابية والوطنية إلا بما يغطون به على نقصهم وعجزهم في معالجة مشاكل المواطنين والمواطنات وتحقيق تنمية فعلية شاملة كما وعدوا في برامجهم الانتخابية و الحكومية ..
ومما تتبعناه جميعا من صور وتعليقات علمية من موقع وكالة ” ناسا ” والمواقع المختصة ، ومن تعليقات وكتابات جمعت بين الرؤية الشاعرية والتأمل الفلسفي والفرح المعرفي أنتقي مما كتبه الأخ عبد الحميد جماهري على صفحته الفيسبوكية وعمود كسر الخاطر بجريدة الاتحاد الاشتراكي : ” … وبالرغم من كل البهاء … فهذه الصورة لا معنى لها بدون الإنسان … إنه يطفو فوقها وفوق الكون، كفراشة «شاغال » كجناح بعوضة لكنه الكائن الوحيد الذي يُعطي للنجوم والمجرات وللكواكب معناها، بوجوده فقط ، يمنح الإنسان هذا المعنى..“… وأضاف : “ نحن في لحظة فجر كوني، تأخر ب13 مليار سنة….آاااه من فجر يأتي بعد كل هذا الفاصل الزمني ليعطينا فكرة عن بداية الكون في لقطة مذهلة تظهر المجرات التي تشكلت بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم قبل أكثر من 13 مليار سنة…“
ومما قاله مدير الوكالة، بيل نيلسون، في تصريح على الموقع الرسمي للوكالة: ” إننا اليوم نقدم للبشرية رؤية جديدة رائدة للكون من تلسكوب جيمس ويب الفضائي (..) رؤية لم يسبق للعالم مشاهدتها من قبل.. . هذه الصور .. توضح لنا كيف سيساعد تلسكوب جيمس ويب الفضائي في الكشف عن إجابات للعديد من الأسئلة التي ستساعدنا على فهم عالمنا ومكان البشرية فيه بشكل أفضل “
لقد اهتم قدماء فلاسفة بأسئلة وبحوث متجه نحو الكون وصاغوا أجوبة نظرية وفق فهمهم وتصورهم ،، كما اهتم آخرون ومنهم سقراط بالحياة الدنيا /ومنها الانسان ..
ونحن اليوم مطالبون بالجمع العلمي العقلاني بين العلم الناجم عن التأملات الفلسفية والنظريات التي انتجتها وبين التأملات ” التيليسكوبية” المدركة بالعلم الحق حيث أبدع الانسان بالابتكار الصناعات والتكنولوجيات والعلوم الفيزيائية والكونية وغيرها ليصل لأحد درجات “الكمال” مقارنة بقدراتنا الطبيعية .. كما يجب علينا أن نجيب على أسئلة يحبل بها القرآن ومنها “وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ” سورة الذاريات .و: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ .سورة العنكبوت ، فالإنسان روح عاقلة بالكون وبالموجودات والكائنات التي تعرف عليها والتي سيدرك غيرها بالمزيد من العلم والبحث …
ولنا أن نطرح السؤال هنا على الحكومات والسياسيين أين هم أبناء الوطن العلماء والخبراء الكبار في العلوم الرياضية والفيزيائية والكونية .والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتربوية …إلخ الذين ينصحون ويقترحون وينبهون ويبدعون في اجتهاداتهم ويصوغون كل في مجاله قواعد وضوابط تنمية وعدالة اقتصادية واجتماعية ومعرفية شاملة قد تضع الدولة على سكة التقدم العالمي وترفع الشعب إلى أهم درجات العيش الكريم والانخراط الجماعي في النهضة التي ترتكز على كرامة الإنسان و…
إن فرحتنا بما حققه ويحققه علماء العالم ومنهم علماؤنا وعالماتنا في كل المجالات التي اشتغلوا فيها مجتمعين أو متفرقين تحبطه أحوال الشعوب وأزماتهم وفقرهم وخصاصهم وأميتهم وتخلف أوضاعهم … ، وتزامن ذلك برفع حكومات ما بعد الربيع الديموقراطي المفترى عليه كل أغطية وآليات حماية الشعب من لهيب الأسعار ومنها المحروقات ولهيب السياسات الاقتصادية والمالية المعتمدة حكوميا التي انهكت القدرات والتوازنات الاجتماعية والمعيشية ، والتي ألحقت شعبوياتها وارتجاليتها الأضرار الجسيمة نتيجة التهميش والتشكيك في النخب والقوى الديموقراطية المجتمعية الايجابية التي يمكنها القيام بالكثير لفائدة الوطن والشعب والدولة …
إننا هنا لانحتاج إلى تيلسكوب “هابل” ولا إلى “تيليسكوب جميس ويب” حتى نرى واقعنا وما نعرف عن تاريخ” نشأتنا” منذ استقلال الوطن إلى اليوم فكل شيئ واضح : الجمال والبهاء ، القبح والحمق ، والوفاء و الخيانة ، والصدق والكذب ، والفقر والثراء ، والعدل والظلم ، والنجاح والفشل ..إلخ ، ..لكننا سياسيا لانرى ولا نفهم ولانتخذ القرارات الواضحة علميا وضوح صور “تيلسكوب جيمس وييب ” والقفزات العلمية العظيمة التي يفترض وجوبا أن تخدم البشرية كافة وليس لوبيات عالمية تسعى للتحكم في كل شيئ ، إن الأكوان التي نعتقد أنها بدون روح وفية في توثيق الأزمنة القديمة وصورها المبهرة والتي تزيد من قوة إيماننا بالعلم والحقائق وما يجب أن يكون عليه الإنسان ،،
ولنا أن نتساءل لماذا نتحدث ونفهم الحديث عن المادة الكونية السوداء ولانراها في واقعنا المعيش وهي ملموسة ومتجلية تدرك بكل الحواس ؟ ..لعلنا نحتاج إلى علماء نسلطهم على ظلماتنا وسوادنا حتى يرى الذين يتجاهلون ما يقع وسيقع ومآلات كل السياسات والأفعال في الدنيا والآخرة .. ” لعلهم يتفكرون”سورة الرعد ، و”لعلهم يعقلون” سورة البقرة ، و” لعلهم يفقهون ” سورة الانعام .. ، ونتمنى أن يجيب من بيدهم الأمر على آهات الكادحين والفقراء والعامة وانتظارات ومطالب الشعب الملحة ،
إننا نريد أن نعيش مع شعبنا في وطننا ميلاد فيزياء فجر ديموقراطي جديد نؤمن فيه جميعا بالعمل مع الشعب ومن أجله ومن أجل مكانة وتقدم وهيبة ورفعة الوطن والدولة ..
إن الإرادة والصدق وحسن النوايا والعمل المشترك لايحتاج إلى ملايير أو آلاف السنوات الضوئية لتحقيق التغيير وبناء إنسان اليوم والمستقبل ، بل يحتاج إلى تخطيط علمي دقيق وروح وطنية راقية وعمل تنموي مستدام لنخرج أنفسنا وشعبنا ووطننا من عوالم التبعية وتبعات التخلف إلى عوالم التقدم في بضعة عقود ، ولنا أمثلة كبيرة في دول من العالم..
قال “هرقليطس” أحد كبار الفلاسفة : “المرء لا يسبح في نفس النهر مرتين” .. ونرتب على كلامه ذاك أن الماء الراكد يفسد وكذا السياسات التي تتكرر وطبعها يميل إلى الركود ، ،
تارودانت : الأحد 17 يوليوز 2022.