أغلب المغاربة اليوم، ما عدا من كان في سن صغيرة كانوا قد تتبعوا أحداث جزيرة تورة (ليلى) التي بدأت في 11يوليو 2002 وانتهت في 20 يوليو بوساطة أمريكية، قادها وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، كولن باول، أعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل نزول 12جنديا مغربيا بالجزيرة، وهو خلوها من أي تواجد عسكري، وأدت الوساطة إلى انسحاب القوات الإسبانية منها بعد اقتحامها بقوات خاصة، مدعومة من الطيران الحربي والسفن العسكرية، ونشر حزام عسكري على طول كل المستعمرات المحتلة في الساحل المغربي للبحر الأبيض المتوسط. لكن ما لم يتابعه جل المغاربة، نظرا لكون الصحافة في المغرب ما تزال مشلولة ومعاقة، وليست بنفس قوة الصحافة في المجتمعات الغربية، هو التعريف بما جنته الجزائر من النزاع الذي اندلع بين المغرب وبين اسبانيا في أقل من عشرة أيام، والذي يمكن تلخيصه في ما سمي بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار بين الجزائر وإسبانيا، والتي لا تزال ملاحقها سرية لحد الان كما بقيت بكل بنودها سرية حوالي عشرة أشهر من تاريخ توقيعها في 8 أكتوبر 2002حتى 17غشت 2003.
لنتتبع القصة من بدايتها: وقف الاتحاد الأوروبي ومعه الجزائر في صف اسبانيا، وأصدر الناتو تصريحا يعبر فيه عن ارتياحه لنجاح العملية العسكرية لإسبانيا، باعتقال ستة جنود مغاربة والسيطرة على الجزيرة، في المقابل وقفت الدول العربية، باستثناء الجزائر في صف المغرب، وطالبت بالجلاء عن سبتة ومليلية.
سياسة الجزائر التي لقيت استغرابا في كل المجتمعات العربية والإسلامية، ولدى دول عدم الانحياز، لخصها الوزير الجزائري المكلف بالشؤون الافريقية والمغاربية بعناوين أساسية، كانت هي نفس ما بنت عليه وزارة الخارجية الجزائرية مجمل استراتيجيتها لربط أزمة ليلى مع قضية الصحراء. يقول الوزير: “إن إقدام المغرب على نشر أفراد من قواته في جزيرة ليلى، هو فرض للأمر الواقع، وخرق للشرعية الدولية، وانتهاك للحدود الموروثة عن الاستعمار”. ويضيف في محاولة لإضفاء الشرعية الدولية على استعمار سبتة ومليلية وكل الجزر على شريط المغرب الشمالي، وتشبيه الصحراء أيضا بانها تدخل ضمن خانة عدم المساس بها، لكونها موروثة عن الاستعمار: “ترفض الجزائر كل سياسة لفرض الأمر الواقع، أو أي خرق للشرعية الدولية، وإن الجزائر تدافع عن هذا المبدأ سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء أو النزاعات المتولدة عن عدم احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار”. ونفس هذه السياسة هي نفسها التي حركت مشروع غزوات – مليلية مع أزمة غلق معبري سبتة ومليلية.
عودة الوضع الى ما كان عليه بوساطة أمريكية لم يرض لا المغرب ولا أرضى اسبانيا، لذا كان عرض الجزائر لإسبانيا بابرام معاهدة صداقة وحسن الجوار، المبنية على تصور الحفاظ على الأوضاع الموروثة عن الاستعمار مغريا لإسبانيا آنذاك، لهذا جرت اتصالات ومفاوضات سرية منذ بداية الأزمة إلى أن تم توقيع المعاهدة في 8 أكتوبر سنة 2002 أي خلال ثلاثة أشهر.
جاءت ديباجة المعاهدة كلها تعريض بقيام المغرب بإنزال جنود في “جزيرة ليلى”، دون تسميته، والإكثار من عبارات حسن الجوار واحترام الشرعية الدولية. ووصل الأمر أن اعترفت الجزائر في المادة الثانية بالوحدة الترابية لإسبانيا، وفي المادة الرابعة تم تأكيد عدم اللجوء إلى التهديد أو إلى استخدام القوة.
وكما قلت، فإن للمعاهدة ملاحق سرية تفصيلية، خاصة ما يتعلق بالمادة الخامسة المتعلقة بالجانب العسكري، والمادة 11المتعلقة بتنقل الأشخاص، وما سمته المعاهدة بالمبادلات البشرية، وهي المادة التي تستند عليها اسبانيا لجعلها مركزا تعبويا وتنظيميا وإعلاميا وغير ذلك لفائدة البوليزاريو.
كان ربط أزمة الجزيرة بقضية الصحراء، من خلال ثنايا المعاهدة وملاحقها السرية، ضربة معلم من طرف اسبانيا، لأنها ترى في ما جرى في “تورة” ليس إلا بروفة أولية لما قد يقع مستقبلا للمستعمرات، لذا اعتبرت الحفاظ على خط الرجعة بالنسبة للصحراء أمر يعزز استراتيجية اسبانيا في المنطقة، والحقيقة أن ما جاء في المعاهدة كان هو الجاري به العمل سريا، في 17 غشت 2003 تم نشر بنود المعاهدة بدون ملاحقها التي بقيت سرية، لكن قيام الجزائر بإلغاء المعاهدة بيَّن أن اسبانيا كانت صادقة في بناء علاقات جديدة مع المغرب، والسبب وراء كل هذا ما حصل على المستوى الدولي من تغيرات متسارعة.
اليزيد البركة – كاتب وصحفي مغربي
عن صحيفة السؤال الآن المغربية
رابط المقال :