لا يمكن للسياسة أن تشبه الرأسمال. من حقه أن يكون جبانا أما هي، فمهمتها أن تكون جريئة، ومقدامة ومتميزة، ولا تبحث عن الربح السهل.
عندما تكون السياسة بعيدة عن الرأسمال وعن التمويل المالي الفاحش.
كثيرون يعتقدون، عن حسن نية وعن كسل ديموقراطي متقدم، أن البلاد قد تُدبَّر كما يدبر مكتب دراسات.
وهم واهمون، ولكن لا يمكن أن نتهمهم بالكذب، هم صادقون جدا في وهمهم،
وقد أنفقوا أموالا طائلة في سبيل ذلك.
أحدهم وقف بعد الانتخابات بكل وقاحة وهو يتساءل مستنكرا. أين أصحاب الإيديولوجيا كلهم سقطوا وبقينا نحن.
لا أحد يرى الحفرة التي يسقط فيها ولكن المنهزمين كانوا يرون بلادنا في وضع صعب.
يشعر الليبراليون فيه بالغبطة وهم يتابعون مسار. نزع السياسة عن العصر الحديث أو ما يعتقدونه كذلك.
ويعتبرون أن نقاش الأفكار تمرين سقراطي متجاوز، بل إن الخضوع لامتحان المفكرين الكبار والأفكار الكبيرة ترف فكري، لا يعنيهم…
عن الذين يصدحون بليبرالية مستجدة، أقرب إلى أسلوب من الموضة…
والليبراليون، الفصيلة المستوردة عن حق في بلاد المغرب، عكس التقدمية والاشتراكية والتفكير الجماعي، يفرحون بغبطة رأسمالية متعجرفة…
انظر إليهم وهم يصنفون أنفسهم.. في الوسط الراديكالي.
السياسة عندهم جبانة لا تقول بضرورة تعليق الدولة الاجتماعية، ولكنهم يقولون بأنهم معها،وهي أمنية؛
وضدها عندما تتعلق بالأسعار
والكتب المدرسية
والمصحات
وعلب السردين للعاملين في ظهيرة حارة..
الوسط الراديكالي، كما يرونه، لا يجاور الأفكار
تلك أوبئة تصيب عادة الفقراء والطبقات الوسطى والجماجم المؤهلة للسقوط في الرومانسية.
والمعجزة عندنا أن الليبرالية يمكنها أن تعيش بدون الحاجة إلى ليبراليين
والعكس أيضا صحيح لدينا ليبراليون جاء بهم التصنيف العام للطبقات والمدارس الفكرية
بدون الحاجة الى إثبات مهارة فكرية ليبرالية..
الليبرالية عندنا تشبه الأسواق الأسبوعية، وببعض الخيام العابرة فقط، يمكنك أن تكون ليبراليا..
أنت ليبرالي محسن ولا تتنازل عن أرباح المحروقات هذه الصيغة التي أصبح عليها الوسط الراديكالي.
لكي تكون ليبراليا مثلا يجب ألا تحب ليبرالية الأخرين..
ولا تحب الاشتراكية بطبيعة الحال
ولا تحب التقدمية ولا تحب السيادة التي تخدم الفقراء..
السيادة الجمركية التي تحمي أموالك، هي الوحيدة الكفيلة بأن تسترعي اهتمامك..
الليبرالي المغربي، يدرك بعد كل انتخابات أنه يعيش ما بعد السياسة،
هو وحده الذي يدرك معنى أن يكتب فوكوياما عن نهاية التاريخ.
يكفيه كتاب واحد للصلاة الرأسمالية المقبولة.
كتاب نهاية التاريخ وبداية الربح السهل..
بالنسبة لليبرالي المغربي الذي خاض الانتخابات بشيكات مملوءة وأخرى على بياض، المهمة النبيلة الوحيدة للسياسة هي أن يربح الانتخابات، ويقتل أية فكرة عن المثل السامية وعن المعنى الوطني الكبير..
ومن غرائب الليبرالية الوطنية أنها لا تربط علاقات مع الليبراليات في العالم الحر.
ولا قضية لها تعبئ من أجلها المواطنين. الأجيال من أجل أن يرتبطوا بفكرة نبيلة عن الانتماء..
انظروا كم من حزب ليبرالي لدينا، لا تربطه بالليبراليين في العالم أي قوة تأثير..
لا شبيه لليبراليينا
وبالرغم من أنهم يصبحون ويمسون على الافتخار بأنهم أنقذوا أنقذونا بالكاد من الحزب الواحد والفكرة الواحدة ومن الاشتراكية والحرب الباردة
فهم لا يعرفون لهم تاريخا
ولا يستطيعون أن يحددوا بالضبط متى وجدوا ومتى ولدوا ومتى لن يموتوا.
العقلانية الواحدة هي التي تجمع المال في نهاية المعادلات.
والواقعية الليبرالية في المغرب حقا، ماكرة وماهرة تعرف أن الواقع جد متشابك، ولا توجد هناك أية نظرية أو عقيدة سياسية يمكنها أن تفسره ببساطة أو تتضمن تعقيداته.
ومنها أنه لا بد أن تموت أي فكرة مثالية أو أخلاقية لا يكون الربح من ورائها.انظروا كم يجنون من الأموال في الوقت الذي تصرخون فيه بالغلاء؟
انظروا كم يرحبون بالحرب ويعانقون الجنود في السماوات البعيدة لأنهم أحسن مدافعين عن أرزاقهم.
انظروا أيضا إليهم وهم يتظاهرون بالتفكير في العواقب الوحيدة للحرب على أسعار الحبوب والمحروقات والحليب والكتب المدرسية والورق الصحافي والقمح الطري. وهم في الواقع يشحذون أسنان الذئب من أجل الأرباح الطائلة القادمة؟
انظروا كيف يتسللون إلى الجيوب والبيوت والأبناء والمساجد ومكاتب الدراسة والبرلمانات..
انظروا إليهم وهم يصلون الجنازة على مجتمع متضامن وعلى دولة اجتماعية..
لا تسألوهم عن مصدر المآسي البشرية. إنها في التخطيط والدولة الاجتماعية وفي نقد الليبرالية.
لا تسألوهم وصفقوا معهم لكل هذا التشابه المميت مع المافيات.
لا يمكنهم أن يقدموا تضحية واحدة في زمن الوباء والحروب والصراع من أجل الوحدة الوطنية؟
إنهم غير معنيين..
الليبرالي يسخر مني
الليبرالي يعتبر أنها أفكار مستوردة من الواقع المحلي… بسبب الكسل.
وهو عينه على التاريخ الطويل للأرباح.
الحرب مبرر معقول للأرباح
والأوبئة مبرر عقلاني جدا وميركانتيلي باهظ لإقناع العالم بالمال السهل..
الليبرالية نمط عفوي للكانيبالية
لأكل اللحوم البشرية
الليبرالية متعة لا تضاهى في صناعة الأشكال. لا يرى الليبرالي الناس، يرى جيوبهم فقط.
ولا يرى المآسي، يرى ما تفتحه من شهية.
اللبيرالي اعتبر مهمته التاريخية هي مسخ السياسة وتعميم قيم المال الموزع من النوافذ وفي الحارات وعلى البيوت، فمرة كل خمس سنوات حج الديموقراطية المبرور..
الليبرالي فنان تكعيبي. يرى من الأحسن تدبير الأشياء عوض الناس
والبشر
البشر مجرد جيوب
ومجرد عرق
ومجرد مبالغ شهرية للاستهلاك الدائم..
لا تنقرض قروش الليبرالية إلا إذا كان هناك سبب لميلاد قروش أكبر منها.
قروش في البر والبحر والهواء.
قروش للحليب والماء والغازوال والنبيذ
الليبرالي تصدر السلسلة الغذائية للثدييات. وهو. تصدرها لأنه الأكثر قدرة على الافتراس
وأسنانه ثلاثية حادة. المال والسياسة والجاه. سنسمي ليبراليا كل من يعتبر الحرب مهارة الطبيعة في خلق أسباب الثروة
وسنسمي ليبراليا كل من يجمع الثروة ولا يفكر في الضريبة عليها
ويقود السياسة إلى أقرب مسلخ في طريقه إلى السلطة.
سنسمي ليبراليا كل من يؤسس حزبا ويوزع المال عوض الأفكار
ويشتري الأفكار من مكاتب الدراسات مع التخفيض التشريعي.
سنسمي ليبراليا من يفكر في المال عندما تندلع الحرب
ثم يفكر في الوطن عندما ينتهي جمع الأموال ودفن الجثث.
سنسمي ليبراليا كل من يعتبر أن الفقراء على حق، لأنهم سمحوا له بجمع المال
لا لأن لهم مطالب.
سنسمي ليبراليا كل من يعيش الجنة صباح مساء وكل أحد.
ويعتبر الصدقات أفضل من الضريبة على الثروة. لأن الصدقات تضمن الجنة والفوز في الانتخابات والقرب من الناس… وتخدع الأنبياء.
سنسمي لبيراليا كل من يؤمن بأن الأزمة الاجتماعية هي الحالة الطبيعية للدولة الرأسمالية.
وهي المبرر الوحيد لوجود الديموقراطية. أن يرتع الناس في الأزمة بكامل الحرية.
سنسمي ليبراليا في النهاية كل من يعتبر أن السخرية من الناس معجزة الذكاء الاقتصادي… يؤمن أنه صاحب النظرية الكبرى بعد المادية التاريخية… هي المادية الليبرالية باليورو والدولار وأحيانا بالعملة الوطنية عندما يتعلق الأمر بجمع المال… ومنح الصدقات.
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
الرابط :