د. عدنان عويّد
خاص موقع صحيفة المثقف: يستضيف موقع صحيفة المثقف, الباحث الأكاديمي الأستاذ الدكتور عدنان عويّد، ضمن مرايا فكريّة، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول قضايا الفكر والهوية واللغة والنهضة في العالم العربي، فأهلا وسهلا بهما:
المحور الثاني: الدين والإنسان والحياة:
س17: أ. مراد غريبي: لديكم مقاربات للإنسان بلحاظ التاريخ والتربية والثقافة والمواطنة، هل الأوهام التي ناقشتموها شكلت سياجاً دوغمائياً في صياغة الإنسان العربي المتخلف باسم الحاكمية؟
ج17: د. عدنان عويد: إن ما جئنا عليه في إجاباتنا السابقة بالنسبة لواقعنا المأزوم بثقافة شفويّة وبنى اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة متخلّفة، يشير وبكل وضح هنا إلى أن هذه التخلف البنيويّ محكوم ليس بحاكميّة أصوليّة دينيّة فحسب، بل هو محكوم بحاكميّة أنظمة وضعيّة شموليّة أيضاً، يضاف إليها حاكميّة التخلف المعيش بكل مفرداته، إن كان على مستوى العرف والعادة والتقليد، أم على مستوى حاكميّة الكثير من القوانين الوضعيّة التي فاتها الزمن المطبقة على واقعنا الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ .
أقول: إن معظم ما قمت بطرحه من قضايا فكريّة وفلسفيّة وأدبيّة تتعلق بالحداثة ومفرداتها، إن كان على مستوى الوطن والمواطنة والانتماء والقوميّة والديمقراطيّة والعقلانيّة والعلمانيّة والاستبداد والدولة الشموليّة والليبراليّة وقيمها, وما بعد الحداثة وطبيعة المجتمع الاستهلاكيّ ورأسماليّة الدولة الاحتكاريّة, والثقافة والمثقف, والمثقف العضويّ وغير ذلك ن قضايا تتعلق بتخلفنا ونهضتنا. فكلها تشير في الحقيقة إلى قضيّة أساسيّة هي: إن هناك واقعاً عربيّاً متخلفاً ومأزوماً حضارياً، وقد تقدمت عليه الكثير من دول العالم وحتى المتخلفة منها، ونحن للأسف لم نزل كـ (بول البعير) نرجع إلى الوراء، وبطريقة يندى لها الجبين، فواقعنا أكثر ما يقال عنه، أنه يعيش تحت مظلة أنظمة شموليّة استبداديّة، ذات توجهات مرجعيّة طائفيّة أو قبليّة أو عشائريّة مأزومة، جوعت بعض هذه الأنظمة شعوبها وأفقرتها، ودفعت الملايين منها إلى الهجرة وترك الأوطان، ليبقى فيها بعض السفلة والمجرمون وتجار الوطن والدم, والفقراء المعدمين الذين ليس لهم قدرة على ترك الوطن أو الدفاع عنه.
من هنا تأتي أهمية العمل على تغيير طبيعة الأنظمة السياسيّة القائمة، وبالتالي أصبحنا هنا بحاجة ملحة لثورة سياسيّة بعيدة عن العنف والعنف المضاد، فثورات الربيع العربيّ اثبت فشلها الذريع بسبب غياب الوعيّ الثوريّ لدى حملتها الاجتماعيين، وخاصة عندما استخدمت العنف ضد هذه الأنظمة المشبّعة بمعرفة كل أشكال العنف الناعم منه والقاسي، فمثل هذه الأنظمة بحاجة لحراك اجتماعيّ واعي لطبيعة النشاط السلميّ وبأن الحل يكمن في هذا النشاط، كي لا يترك مجالاً لقادة هذه الأنظمة أن يجعلوا من حراك المعارضة قوى إرهابيّة, دون أن ننكر ان هناك من كان إرهابياً بكل معنى الكلمة في هذه المعارضة كونه فسح في المجال واسعا لدخول القوى الأصوليّة التكفيريّة لفرض دولة الخلافة باسم الحاكمية كداعش والنصرة والإخوان. إن رفع شعارات الديمقراطيّة والعلمانيّة والحداثة بوجه هذه الأنظمة, سيجعلها ترضخ بالضرورة كونها مطالب حق، ولن تستطيع هذه الأنظمة اتهام دعاتها بالإرهاب أو الخروج عن القانون.
كاتب وباحث من سوريّة