تكرر احمرار عينيه كل يوم بسبب ضيق أصبح مزمنا كابسا على نفسيته. أضناه الانهمار اللاشعوري المتكرر لدموع الخيبة. يستسلم كل مرة لكآبة قاتلة ترقرق مآقيه رغما عنه. تتدافع سيول أجفانه المنتفخة فيزداد بريق هلع وجنتيه المبللتين. أصيب عبروق بوباء الفراغ القاتل، وبضجره من استسلام رفاقه لسم الفردانية المبيد. ازداد قلق مزاج ناس محيطه عن وضعية صحته النفسية والبدنية.
غابت صورته وأحاديث لقاءاته في وسائل الإعلام السمعية البصرية لبلاده. انشغل صديقه الفرنسي دانيال بغيابه غير المعتاد. لم يطق الانتظار، وعزم كل العزم على البحث عن معلوماته الشخصية أو عنوان سكناه أو هاتفه القار أو الخلوي أو أي وسيلة اتصال تسمعه صوته. عثر أخيرا على بريده الإلكتروني أسفل مقال نشره يوما في إحدى الجرائد الدولية.
تلألأت وجنتا دانيال فرحا وحبورا، فوجه إليه مباشرة رسالة أبدع في مضمونها بعبارات الشوق واللوم والقلق. في اليوم الموالي تلقى جواب الفاجعة. أخبره أخ شقيق أن عبروق غادر دار الفناء بعدما سئم من ساعات يومه المضنية. أنبأه بمعاناة سنوات حياته الأخيرة. كان كلما تفاقم خفوت بريق منظمات انتمائه الجمعوي والنقابي والسياسي، سِرُّ وجوده وفضاء تفجير طاقاته كل يوم، تفاقم لديه خفوت تشبثه بالحياة. كان ينهار مرات متكررة كل يوم، فيلوذ منهكا، فيتسجى بهدوء فوق أريكته المعتادة مشرئبا غيوم السماء من نافذة غرفة الجلوس. تنظف أخته منضدته التاريخية المزخرفة بفن الأرابيسك كلما نفذت قنينة نبيذه المفضل، فتناوله قنينة جديدة. تؤثثها كالمعتاد بصحون المكسرات النيئة والفشار ووجبات صحية خفيفة. بفعل النشوة المتزايدة، كان يهذي لوحده أو كلما مر أحد أمامه مرددا بنبرة مبتئسة يائسة عبارة “ما رسالة مناضل مثلي في هذا الزمن المعتوه؟ …. هذا جناه أبي عَلَيَّ وما جَنَيْت على أحد”. مات مناضلنا غارقا في يم كآبة اضطراب وجودي، ولم يجد زعيما في مقام تأبينه ومرافقة جثمانه وتشييعه إلى مثواه الأخير.