رداءة الكلام والممارسة السياسيين
هل السياسة أخلاق؟ هل السياسة مدرسة؟ هل السياسة تربية؟ هل تشترط شروط في السياسة؟ هل تشترط شروط في الحاكمين؟
أسئلة وغيرها يمكن أن تتكاثر أمام أعيننا ونحن نشاهد تغييرا سلبيا وخطيرا في المشهد السياسي الحزبي والرسمي للدولة المغربية، وأصبح بإمكاننا أن نقول مقولة جديدة “الحكام على دين كلام الشارع”.
ففي الزمن غير البعيد حتى بما في ذلك سنوات الجمر والرصاص كان الشعب يتكلم ويتعلم من الساسة كانوا من المواطنين أو ممن كان يطلق عليهم الأحزاب الإدارية أو المخزنية.. كلاما يمكن أن نقسمه إلى صنفين :
× الأول : الكلام في الوطنية والثورية والتغيير والإصلاح والعدالة والنضال والبناء الديمقراطي بالشعب ومع الشعب.
× الثاني : كلام في الوطنية الخاضعة للسلطات والمخزن والانضباط للإدارة و”منع ارتفاع العين على الحاجب” والمؤامرات ضد المخزن والرعية التابعة…
فتجد الفلاح يفهم ويعي كل ما حوله من صدق الكلام وحلاوته وصلابة الخطاب وتوقيته.. وكان حتى وإن صفق لما هو ضده فهو مكره على ذلك ويسعى إلى أن يبلور بأضعف الإيمان العدالة التي يحب لبلده.
فأن نعيد الاستماع أو قراءة كلمات وخطب المهدي بنبركة وعلال الفاسي وعبد الخالق الطوريس وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي وعمر بنجلون وشيخ الإسلام سيدي بلعربي العلوي وسيدي أبو بكر القادري وسي محمد بنسعيد أيت إيدر والحبيب الفرقاني والكتور عابد الجابر وسي محمد كسوس…
ستجد نفسك أمام مدارس فكرية وعلمية وأمام أعلام في أدب السياسة وآداب الممارسة وأدب التواصل.
ستجد نفسك تمتلئ تربية وأخلاقا ووطنية وتضحية ونزاهة وصدقا.
ستجد نفسك تحب وطنك وشعبك حتى النخاع.
لماذا سقت هذا المدخل الضروري؟
سقته لنعلم إلى أي مستوى جرتنا سياسات الدولة التي حاربت المناضلين والمجاهدين والمناضلين الشرفاء، وجندت كل الوسائل القمعية والتضليلية لإفساد الوعي العام وتمييعه بغرس قيم الانتهازية والوصولية والارتزاق والتبعية العمياء والتفرقة بين مكونات الشعب عن طريق إبراز أو تعميق التناقضات على حساب اللحمة الوطنية والعمل المشترك وتشجيع البدع السلبية في السياسة والدين والمذاهب والممارسات اليومية.
سنجد أن اتهام المناضلين والوطنيين بالتآمر ومعاداة المخزن وأن كل حركة نضالية مطلبة عادلة هي ضد الدولة وضد رموزها أيا كانوا، كان نهجا يهدف إلى تهريب الشعب في أفق إقصائه وتدجينه وتيئيسه وإبعاده عن الجادة.
سنجد أن سياسة تمييع المشهد السياسي بتفريخ العديد من الأحزاب التي انطلقت من لاشيء وجمعت وأدخلت المعترك السياسي لمجاهيل الحاضر والمستقبل وفازت وسيرت الأمة بين عشية وضحاها بما أطلق عليه الانتخابات.
فكلما فتحت الأبواب أمام الميوعة واقتصاد الريع ومورس القمع والضغط والترهيب على المناضلين والحركات التصحيحية، ويفتح الطريق أمام نشر الضلالات السياسية والتخندقات النفعية المصلحية الآنية الضيقة وتتحول الانتخابات بجميع أنواعها إلى أسواق سوداء وغير مشروعة أدانتها الدولة نفسها بعد أن أدانها ذووا الضمائر الحية الذين حوربوا ومازالوا يحاربون واجتهدت لتضع قوانين لمحاربة ما غضت الطرف عنه وتساهلت معه سابقا بعد أن تعقد الوضع واستفحل وارتفعت تكلفة المعالجات الجادة.
وهكذا عندما نتطلع إلى كلام الساسة نراه في واد ونرى الواقع في واد آخر… وعندما يتحدث الساسة رسميا إلى العامة عبر لغاتهم تراهم كلهم تقمصوا دور المعارض والرافض والناقد بمن فيهم الذين يحكمون، يمدحون قراراتهم ويسبون نتائجها ويتنكرون لها وينسبونها إلى أسباب لا تخصهم مع العلم أن القرارات بين الأمس واليوم التي صدرت عن الحكومات في مجالات رفع الأسعار والسياسة الضريبية والقمع وقطع الأرزاق واقتصاد الريع.. هي هي الجديد فيها هو قائلها أو الصادرة عنه ومطبقها وكأننا بالذي يحكم يقول أن خمر البارحة حرام وخمر اليوم حلال لأنني أنا أقول ذلك ولأنني أنا هو أنا ولأنني من أصدر القرار بحليتها وأنا أعلم منكم بأمور دنياكم.. دون أن يحدثنا عن العلة في التحريم التي لم تنتف لا بالقرارات السابقة ولا الحالية.
هذا المثال لم أقصد به الخمر بشكل خاص بل سقته لأسقطه على كل القرارات من مثل : قرار الاقتطاع الذي مورس في الستينات والسبعينات وما بعدها ضد المناضلين بسبب الإضرابات هو نفسه أيا كان الذي أصدره.
المتتبع العادي يلاحظ بأن بلادنا في سياستها الرسمية والبرلمانية بالغرفتين انفتحت على الفرجة السلبية وكلام الشارع المتداول والمرفوض من الضمير الجمعي، ومال الذين كان يجب عليهم أن يكونوا استمرارا للمدرسة الوطنية والنضالية المغذية للوعي الجماعي والنضج السياسي والمعرفة البناءة بمراكز القرار والتسيير باعتبار هم المعهودة لهم قانونيا ودستوريا أمر هذه الأمة… قلت مال هؤلاء إلى سياسات شعبوية تمييعية للذوق العام ومحبطة وسوقية وأحيانا تافهة لحد القرف.
فأي مجتمع سياسي سيبنى في زمن السباق المحموم نحو التطور والتقدم التكنولوجي والمعرفي والمجتمعي؟ وأي ثقافة سياسية نريد أن نعلم الجيل الحالي الذي سيقود غدا؟
أعتقد جازما من منطلق تربوي علمي أننا سننتج كارثة وترديا لا يمكن إلا أن يأتي على الأخضر واليابس ويبلقن المجتمع فكريا وقبليا ولغة وحضارة.. مجتمع ودولة متفككين وهشين لن تستطيعا لا ضمان تنمية مستدامة ولا تلاحما بين كل ساكنة المغرب ولنا في تاريخ العرب والتاريخ الكثير من الدروس…
فهل سينتبه الجميع إلى خطورة المسلك ويعودون لرشدهم أو سيركب كل واحد حمقه وجهله وعصبيته؟ ولسان حالهم المسكوت عنه “ولو طارت معزة” و”بعدي الطوفان”
ملاحظة : أرفض في هذا المقال المختصر جرد الكلام السوقي والتافه الذي يصدر من بعض أعضاء الحكومة أو الأغلبية أو حتى البعض بالمعارضة.
الإمضـــــــــــــــــــــاء
مصطفى المتوكل – تارودانت
12دجنبر 2012