الفلسفة الصوفيّة:
هي مجموع من المدارس الفكريّة الصوفيّة في الإسلام. وقد ارتبط الفكر الفلسفيّ الصوفيّ وتقاليده ارتباطاً وثيقاً بالإسلام السنيّ والشيعيّ, علماً أن المتصوّفة بأكثريتهم لا يهتمون بالاختلافات السياسيّة حول من يحق له حكم المسلمين. وللصوفيّة طرق مختلفة لكنها جميعا تعتمد على أسس فلسفيّة موحدة. والاختلاف الأساس بين الفرق هو في المسلك الذي يعتمده شيخ الطريقة في تحقيق الأهداف الصوفيّة والتي هي الوصول إلى المعرفة الحق بفناء ذاتيّة نفس الصوفيّ مع الله.(10).
مبادئ التصوف الأساسيّة:
إن المبدأ الرئيس للصوفيّة هو الاعتقاد, أو الايمان بأن تعاليم الإسلام القرآنيّة تدل على إمكانيّة الوصول إلى الله عن طريق تجربة شخصيّة ذاتيّة (روحانيّة) من دون الاعتماد على الفلسفة العقليّة, وهي تجربة تؤدي إلى المعرفة الحق المطلقة. وهذا يدل على أن الصوفيّ يعتقد بوجود ملكة شخصيّة تمكن الإنسان من توفير المعرفة بعيدا عن العقل المنطقيّ. ويمكن الوصول إلى هذه الحالة باتباع شعائر معينة، حيث نجد أن لكل طريقة شعائرها التي توصل إلى هذه الحالة، مثل ترديد الكلمات عند النقشبنديين أو الموسيقى عند المولويين .. وغير ذلك. ويؤمن الصوفيون أن التجربة الشخصيّة هي طريقة تصاعديّة سُلَميّة تنقل معرفة المريد من مرحلة المعرفة الماديّة إلى المعرفة النهائيّة التي يسمونها “اليقين” أو “الفناء بالله”. ومن أسس الشعائر الصوفيّة أن يتدرب المريد كي يتغلب على كل الشرور النفسيّة مثل الغضب والأنانيّة والجشع), ومن كل أنواع الحب, ما عدا حب الذات الإلهيّة. ومن أهم السلوكيات الصوفيّة تأتي التخليّة (أي تطهير النفس من رذائلها) والتحلية (أي ملء النفس بالأخلاق الفاضلة).(11).
مفاهيم صوفيّة:
الميتافيزيقيا:
تدور الأفكار الرئيسة للميتافيزيقيا الصوفيّة حول مفهوم التوحد مع الله. وتوجد فلسفتان تسودان حول هذا المفهوم المثير للجدل. الأولى تنص على وحدة الوجود, وبالتالي فإن الحقيقة الوحيدة في هذا الكون هو الله, وإن جميع الأشياء في الكون موجودة في الله. والمفهوم الثاني هو وحدة الشهود الذي يرى أن تجربة التوحد مع الله تتم في ذهن المؤمن, وأن الله ومخلوقاته مفصولين تماماً، ومع هذا، لا يكون هناك فروقات بينهما، بمعنى أخر أن “لا أحد إلا الله”.
اللطائف الستة:
يحدد معظم الصوفيين، وفقاً لآيات القرآن الكريم، على وجود ستة أعضاء للنفس الإنسانيّة تسمى “اللطائف الستة” وهي: النفس، القلب، السر، الروح، الروح الخافي، والأخفى. ويعتبر الصوفيون أن هذه الأعضاء تمثل النفس مثلما تمثل الأعضاء الحيويّة مثل (المعدة والرئة) للجسد.
الهيئات الخفيّة:
يعتقد الصوفيون بوجود هيئات خفيّة للإنسان تؤثر في إدراكه وأهوائه ومعرفته. وبشكل عام، يقسم الصوفيون هذه الهيئات إلى ثلاثة أنواع:
الروح: يؤمن الصوفيون بالروح القويّة. ويمكن تقوية الروح باتباع تعاليم شيخ الطريقة. وتقوية الروح بحسب القيم الإسلاميّة تؤدي للوصول إلى الله. فالموت عندهم هو ليس بالنهاية، بل بداية حياة جديدة مختلفة عما نعهده بهذه الحياة. فالموت هو انفصال مؤقت بين الجسد والروح. فالله دمج بين الروح والجسد ليجعلنا نختبر الحياة الفيزيائيّة التي نعرفها.
النسمة: يعتقد الصوفيون بوجود هيئة خفيّة تسمى النسمة تمثل الأجسام النجميّة وهي خفيّة مثل الروح، لكنها تختلف عنها إذ إنها تسمح للإدراك بالانتقال الجيوغرافي مع إبقاء الجسد الماديّ في مكانه.
الجسد الماديّ: يفرق الصوفيون بين الجسد المادي المرتبط بفيزياء عالمنا الحالي, وبين النفس التي تسمح بإدراك العالم الفيزيائيّ الماديّ من دون استعمال الأعضاء الحيوية للجسد. (12)
الحالات الروحية في التصوّف:
بالنسبة للفلسفة الصوفيّة، يقوم المريد بشعائر صوفيّة متخصصة لينتقل من إدراكيّة محسوسة إلى معرفيّة مجردة. وهناك مصطلحات محددة يستعملها الصوفيون لوصف المراحل التي يمر بها المريد للوصول إلى مبتغاه. من أهم هذه المصطلحات:
الحال: الحال في اصطلاح السالكين, هو ما يَرِدُ على القلب من طرب أو حزن أو بسط أو قبض … وفي اصطلاح التصوف هو ما يَرِدُ على القلب من غير تَعَمُلٍ ولا اجتلاب. ( 13).أو هو حالة إدراكيّة تنتج عن ممارسة الشعائر الروحيّة الصوفيّة. ولكل حال مقام متدرج بحسب الخبرة الروحانيّة التي يتوصل لها المريد من خلال سعيه الروحيّ.
المنزلة: وهي مستوى إدراكيّ يناله المريد من خلال ممارسته الشعائر الصوفيّة. وتتجلى هذه المرتبة في أن الله اختص الولي في الاطلاع على ما يقضي به ويريد، فهي مرتبة أشبه بمرتبة الأنبياء. وهذه القرابة بين الولاية والنبوة هي ما دعت الفكر الصوفيّ إلى طرح قضيّة الولاية الصوفيّة كإشكالية في علاقتها بالنبوة. إنها للمتصوف الغاية التي يسعى إليها من خلال سلوكه في طريق المقامات، فهي ثمرة السلوك ونهايته، بحيث إذا ما تمكن من بلوغها احتل مرتبة العارف بالحقائق الإلهيّة التي يستمدها من الله مباشرة. ( 14).
المقام: وهي درجة التحصيل الروحيّ للمريد, وتعبر عن مرحلة نومته الصوفيّة. وهناك اختلاف بين المقام والحال إذ إن المقام هو مجهود يقوم به المريد، بينما الحال هي هبة أو موهبة يتملكها المريد. والـمقام في الصوفيّة هي مرتبة، أو محطة، يصل إليها المريد خلال بحثه لإيصال نفسه إلى الله. … هناك اختلاف في عدد المراتب الصوفيّة, لكن هناك اتفاق على وجود سبع مراتب التي يتوافق عليها الجميع وهي: التوبة، الورع، الزهد، الفقر، الصبر، التوكل والرضا.(15).
كاتب وباحث من سوريّة