46 ربيعا بدون وردتك…
ألف قمر بدون هالتك..
نسأل أي عمر من العمريِّين قتلوا؟
عمر القائد النقابي
عمر المنظر الفكري
عمر الثائر الأيديولوجي
عمر الصحراوي، الذي يجعل وجود المناضل مرتبطا ارتباطا شَرْطيا بقضية المغرب الأولى..
أم قتلوا الكاتب الأول القادم للاتحاد الاشتراكي؟
لقد قتلوا أمة في رجل ولكن الذين خططوا كانوا يحرمون الاتحاد من الكاتب الأول الذي كان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد قد اقترحه على قيادة الخارج، في لقاء مع الفقيد عبد الرحمن اليوسفي بعد رفع الحظر الرهيب عن الاتحاد وبداية إعادة الروح إلى الحركة.
هذه المعلومة تعطي كل المعنى لاغتيال الجبناء..
بأي مقياس نقيس المسافة التي تفصلنا عن آخر يوم من حياة الشهيد عمر بن جلون فوق أرض الناس هاته؟
بساعات الزمن:
تفصلنا أربعة عقود وست سنوات عن رحيل عمر بن جلون،عن استشهاده
عن اغتياله
عن تغييبه
مرت مياه كثيرة تحت الجسر كان أهمها انتهاء مرحلة وبداية أخرى، وحلول عهد ملكي محل عهد ملكي آخر…
إبرام مصالحات جبرت كسورا عديدة في الذات والتراب والسلامة الثقافية والمعنوية للمغاربة…
عمر، أيضا، في الفارق الزمني بين استشهاده وعودته كل سنة، في مَرْكبات الخلود، هو الزمان الذي ربَّت على كتف الحاضنة الأيدولوجية للقتلة، وطبَّع وجودها في الحقل السياسي، بفضل ثورات الربيع المغدور..
عمر في المسافة ذاتها، انتقال اليسار من متاريس المجابهة إلى قُمرات التسيير، واتساع التاريخ حتى أصبح ثقبا أسود في المجرات يبتلع نفسه ويبتلع أضواءه..
بالمسافة الفكرية؟
عمر مسافة في عقلنا الجماعي يمكن أن ندرس في استحضاره ما الذي تهاوى والذي تسامى..
طبيعة المثقف، التي تغيرت وطبيعة الثقافة التي تراكبت وخروج المعنى من الكتاب إلى شاشات الحواسيب وقدرة الرأسمال الهجين على صناعة السياسة وانفلات الجدلية من عقالها وتخلل اليسار الكثير من أفكار كتاب «الرأسمال» للتفرغ لجمعه في البنوك!
عمر سيندهش لو كان، عندما يرى أن التاريخ يتطور من أسوأ نقطة في تحليله.. الدولة!
عمر بن جلون، الثبات في الفكرة وفي أدواتها وفي بنياتها التنظيمية، حتى والانهيارات تتوالى بفعل شدة القمع والتنكيل.. لم يغادر لا الفكرة ولا البنية…
كان عمر صامدا في الداخل، بالرغم من إغراءات الخارج.. وإيراداته.
بالرغم أيضا من أن الخارج كان حلبة تعميده بالنار في قيادة جمعية الطلبة المسلمين وفي غيرها..
عمر لم ينفصل أبدا عن العمود الفقري للحزب، حتى بالرغم من أناشيد حوريات الثورة والإعصار!..
كان الذين يتجاسرون على يساره ينعتونه بالمحافظ والإصلاحي ولربما بالمنبطح رحمه لله وقدس روحه.
في كل جدلية كان يرى مبررات التراكم لا مبررات التبديد…
مضت موجات سياسية وفكرية كثيرة، كان يفك ألغازها من زاوية المعالجة الوطنية لا غير.
مسافات تقاس بالأجيال أيضا:
الجيل الذي اعتقد بأننا جئنا إلى اليسار لكي نصبح شهداء لا وزراء، شعار الطلبة الاتحاديين بوجدة ذات ثمانينيات!
ليس في المشهد البعدي للرحيل ما يجعل الكسالى الفكريين يحتمون بما مضى من صواب.
صواب الشهداء لا يصلح حجة في تبرير الانتكاسات في غيابهم.
////
غالبا ما كانت تستهويني، إلى جانب الصورة الكبرى لعمر الشهيد، صورته في بساطته الإنسانية المغربية، في قصص يرويها رفاقه في المسيرة، تنضح بالصفاء الصوفي العميق:
عمر الذي لم يجد الثمن لشراء سيارة ولو بالتقسيط ، عمر الذي يقرأ القرآن عندما يشتد به التعذيب، ولا يجد منه سوى قل هو لله أحد، عمر الذي يتمثل جملة أطلسية ويتنهد بالقول: سعدات اللي ما عندو تنظيم ..
عمر الذي يغني فريد الأطرش ليلة مغادرته السجن..
عمر الذي يبكي عندما يخدعوه ويخبروه بوفاة الفقيه البصري بعد أحداث الثورة العابرة لأحداث مولاي بوعزة، بالرغم من قطيعته معه حول الكفاح المسلح..
هو ذا ما يبني روائية السيرة الثرية للشهيد ويجعل من بندها الإنساني بندا خالدا
////
في التزامن الدال، يحضر عمر في دورة المجلس الوطني للاتحاد، دورة عمر بنجلون بامتياز، في التحضير للمؤتمر القادم !
وهنا لا نحتاج الشهداء للأنين وإن كان مشروعا
ولا للحنين وإن كان ضرورة
بل نعود إليهم لنرى المسافة الفاصلة بعين المستقبل.
ولا المستقبل الذي يبرر الهوة بين أصل الفكرة وفرعها بل المستقبل الذي يجعل الثرى يبتسم في فم الشهيد ويحفظ للشعب المغربي أبناءه الطاهرين كنموذج في التسمية وكدليل للعنفوان..
عمر في النهاية قضية وطن لا تخضع لأي حساسية أيدولوجية ولا شرط تفضيلي في العلاقة مع النظام أو الدولة أو الحكم أو القصر… إلخ.
الإيمان الصوفي بعدالة القضية، يخرج من معتقل ليدخل آخر لا يتنكر للصحراء، يطل على قبر ثم يجر إلى آخر ولا يتهاون في عاطفته الوطنية، وينزع مشنقة وتنتظره أخرى، ولا يجادل مع الوطن ولا يتفاصل معه حول المقابل…
ياله كم كان صافيا مثل حبة رمل في فم محارب يقطع الصحراء عطشا ليتمرن على البقاء…
البقاء من أجل الصحراء أولا!!!
الكاتب : عبد الحميد جماهري : بتاريخ : 18/دجنبر/ 2021.
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي