في يوم من أقسى الأيام التي أحس فيها عبروق باستفحال أزمة القيم في بلاده. استولت عليه الكآبة المضنية. أنهكه الحذر اليومي لحماية نفسه وذويه. قرر القيام بجولة في الفيافي الصحراوية للترويح عن النفس والتأمل في أوضاع مجتمعه التي تزداد تدهورا وعتمة. ترك أسرته في فندق منتجع سياحي جنوب الصحراء.
مشى حتى توغل عشرات الكيلومترات غير عابئ بأهمية تذكر معالم مسالك رحلته. لم يخالجه قط وضع علامات لتسهيل العودة بسلام، وما أدراك ما العودة في بحار الرمال التي تتغير ملامحها بسرعة فائقة. وقف منهكا تحت أشعة الشمس الذهبية اللاسعة بحرارتها المفرطة. اشرأب أفق كل الجهات من حوله. تاهت نظراته بين التلال الرملية وزوابعها المهاجرة، التي تغير التضاريس الصحراوية في رمشة عين.
أدخل يده إلى جيبه. يا للمصيبة، لقد ضاعت مني ملهمتي. كرر التفتيش في كل جيوبه. أنزل حقيبته الظهرية، وأفرغ محتواها أرضا. اشتد ارتباكه وخوفه. اصفر محياه، اشتد قلقه، وتجمعت دموع الهلع في مآقيه. ردد متمتما: أين أنت يا موجهتي؟ لماذا تخليت عني؟ لماذا تركتني في أوقات الشدة أجابه المجهول؟
أنا الآن تائهُ صحراءٍ فقٙدت طراوة وخصوبة واحاتها. أنا عرضة للضياع بعد فقدانك بوصلتي. اشتد الضيق والأسى والتيه متجبرا على وجدانه.
همس لنفسه: اِستنهِض مروءتك الكامنة إلى أقصاها يا عبروق. مآل الاستسلام في خضم هذه المأساة العشوائية هو موت انتحار مناقض للموت الرباني الطبيعي.
تسلح بقوة العزيمة المعهودة فيه. توكل على الله وسلم أمره إليه. استرجع أنفاسه إلى درجة حفزت التركيز واليقظة للسيطرة على وجوده. استرجع طموح العثور على اليقين لوٙأْد الريبة والترهل.
خطى الخطوات الأولى بحدس ملاقاة طريق النجدة. استمر في قطع الكيلومترات وعبور التلال والهضاب. التقى في طريقه بالعديد من التائهين مثله. شكلوا قافلة، وحددوا التزامات الرفقة متشبثين بأمل العودة السالمة الميمونة.