الحديث عن تنزيل النموذج التنموي الجديد يمكن اعتباره اجتهاد نخبة معينة من المغاربة الذين تتحكم في كل واحد منهم خلفيته الفكريته والاجتماعية وموقعه ومركزه بالمشهد السياسي والاداري والثقافي ومستوى فهمه للتوجيهات المؤطرة لتأسيس اللجنة وقدراته الاجتهادية لاستشراف طموح الشعب وانتظاراته الحقيقية ،،
بطبيعة الحال عندما تفكر أية مؤسسة دستورية أو لجنة أو هيئة تحدثها الدولة فالغاية والمستهدف بالدرجة الأولى هو المكون المحوري والرئيسي للوطن المواطنين والمواطنات الذين بنوا عبر التاريخ المجتمع والثقافة وأسسوا للتعدد والتنوع ووحدوا أماكن عيشهم الممتدة على كل الأرض التي كانت تسمى ولازالت المغرب والتي تمتد إلى عمق الشرق وعمق الجنوب ، إنهم أحفاد من أسس نظم الحكم الأولى القبلية والمناطقية ثم الدولة العريقة ما قبل الإسلام وما بعده بكل صيغها وأسمائها التي عرفت بها جعلت مغربنا دولة حقيقية رائدة عالميا تواجه وتناضل من أجل حماية الوطن وبناء الامبراطورية المغربية أزمنة الامبراطوريات وزمن الدول في العصر الحديث بمقاومة كل اشكال الاستعمار والتسلط والتحكم الاجنبي الطامع في موقع المغرب الاستراتيجي وخيراته وثرواته وعطاءات شعبه ..
لهذا ومن نافلة القول بأن أي نموذج تنموي أو برنامج ومخطط حكومي يجب لزوما أن ينهض بمستوى العيش والمعرفة والتنمية والمشاركة المباشرة والفعلية في الشغل والعمل والإنتاج لتحقيق الازدهار للشعب بكل طبقاته وفئاته الشعبية بمساواة في حقوق العيش ترتكز عليها المؤسسات والجماعات والأفراد أفقيا وعموديا ومجاليا في جميع القطاعات باعتماد منهجية التوزيع العادل للثروات التي لاتضعف الثروة الوطنية ولاتنتج تغولا للثروات الخاصة وذلك بوضع حد لخلل الثراء الفاحش في مقابل الفقر المدقع بتمركز الثروة في يد فئة / طبقة صغيرة بالمجتمع مع تفشي الخصاص والهشاشة والفاقة بقاعدة هرم المجتمع من الطبقات الشعبية والكادحة ومعهم الطبقة الوسطى ، إن استمرار السياسات السابقة يعطل ويفشل بشكل قطعي كل النماذج التنموية التي يعلن عنها وقد يجعلها تبقى حبيسة الأوراق والنقاش العمومي والخاص ..
إن مداخل التنمية الرئيسية في أية تنمية تتطلب لزوما إصلاحا جذريا لأوضاع وأحوال طبقة الضعفاء والرقي بهم بتسوية والرقي بأحوالهم لما في ذلك من مصالح كبرى للدولة في الدورة الاقتصادية إنتاجا واستهلاكا وتنمية ، و بالعقلنة المشبعة بروح التضحية والعدالة ، وبتأهيل فكر البورجوازية الصناعية والفلاحية والريعية اقتداء بتضحيات الكادحين والكادحات ، وبموازاة مع ذلك تقوية وتغيير أحوال الطبقة الوسطى لتحتل المكانة الرائدة التي بها تتقوى وتتماسك طبقات وفئات المجتمع وتتقوى الدولة …
إن مناطق المغرب الجغرافية متنوعة في مناخها وخصوصياتها ونظم عيشها تعتبر قاعدة مرجعية للتخطيط والعمل البناء مع الاخذ بعين الاعتبار بأحوالها الراهنة لندرس بعمق كيف ولماذا استقر الناس مجاليا ؟ وكيف استثمروا الموارد الطبيعة في مناطقهم صحراوية كانت أو جبلية أو فلاحية أو شاطئية ؟ وكيف تفوقوا تاريخيا في أن يكونوا درعا قويا للوطن ؟ ، وكيف شكلوا منظومة تسيير وتدبير واستثمار تضامني في مجالات البيئة وتدبير الموارد المائية والرعي والفلاحة وتنظيم المجال الرعوي الغابوي المشترك وإرساء النظام القضائي لفك النزاعات وبناء الاتفاقيات ؟ ، وكيف تألقوا في مجال التربية والتعليم والتأطير الديني حيث كونت القبائل النائية أجيالا من الفقهاء والعلماء والأدباء لقرون خلت كان لهم دور رائد في بناء الدولة و نشر الإسلام وترسيمه في الثقافة الدينية للمغاربة بعيدا عن التزمت والتعقيد والتشدد والترهيب والتطرف ؟ …
إن المغرب تاريخيا بامتدادته الكبيرة جنوبا حتى موريتانيا ووسط إفريقيا وشرق أراضي المغرب حتى الشرق الأقصى ، وبامتداداته لعمق أوروبا وحتى لأمريكا منذ قرون يدعونا بقوة لنجعل هذه الريادة بمهامها وأدوارها التي سجلها التاريخ في مستوى يتجاوب ويتكامل مع الرقي بالشعب والاقتصاد والديموقراطية ونظام الحكم ومؤسساته ….
من هنا نؤكد على تماسك استقرار المغاربة والوحدة المغربية كان ولا يزال آلية للتوازن كما كانت ثرواتهم آلية ومفتاح لتنمية محلية ووطنية بين المناطق القبلية الكبرى بكل جغرافية المغرب ، إن حكم المغرب دبر من عواصم متعددة منها تارودانت ومراكش وفاس و مكناس و..والرباط ، وكان كل عهد بمثابة حكومات / أنظمة حكم تكاملت أهدافها وغاياتها وتغيرت وتبدلت أوضاع الناس معهم كما تطورت مناطق على حساب أخرى وتمكنت أخريات من رفع مستوى عيشها بالاعتماد على قدراتها وجهدها والتوفر على مناخ وتربة ومجال غني بثرواته إضافة إلى تحالفات وتعاون تجاري وأمني يتجنب عموما التصادم مع الدولة مما يضمن استمرار الاستقرار ، لان اختلال ذلك يؤدي إلى اضعاف سلطة الدولة …
إن الستين سنة التي مرت على استقلال المغرب أكثر من كافية للتجريب والبحث عن بدائل ونماذج ،لهذا فلتكن الجهات قاطرة للتنمية بارتباط مع عواصم ومراكز الأقاليم والجماعات بفعالية وتغيير يشعر بها من بقي في دواره وبالقرى والمدن و الكبرى والصغرى بالارتكاز على التشارك والتعاون والتكامل والتثمين من الدوار إلى القبيلة إلى الجماعة إلى الاقليم والجهة والدولة ومن كل مؤسسات الوطن نحو الجماعات الترابية جهات واقاليم وجماعات محلية ،
ان النموذج التنموي الجديد يجب أن يرتكز في بنائه على النهوض بالعوالم القروية التي هي أدرع الوطن الضامنة للتماسك والاندماج ترابيا ، – بتعليم قوي ومنتج لآثار إيجابية حضارية يشمل كل الشعب المغربي ، – بتنمية محلية مستدامة تكون فيها الدولة شريك مدعم ومساند وليست متحكمة ولا متملصة من مسؤولياتها ، – بجرد دقيق لكل الثروات المحلية تعلق الأمر بماهو موجود ومعروف وما لم يكتشف بعد ، – باقتصاد اجتماعي قوي بالعمل المشترك و دعم المناطق القروية والمدن الصغرى والمتوسطة …
إن الفقر و البطالة وقلة مناصب وفرص التشغيل وضعف قطاع الصحة بالجماعات محليا وإقليميا في ارتباط بالجهات تعلق الأمر بقلة الأطر الطبية والتمريضية والتقنية واليد العاملة والتجهيزات والمعدات ومحدودية التخصصات وغياب العديد منها محليا واقليميا وجهويا ، وعدم قدرة الغالبية العظمى من الشعب على الاستفادة من المتوفر للعلاج يجعلنا أمام مسؤوليات تقصيرية كبرى يجب وضع حد لها بضمان الحق في العلاج وتغطية كل نفقاته دون قيود أو شروط مسبقة من طرف أية مؤسسة ،ولنا الاستفادة من تجارب عمليات التلقيح المجانية التي عرفها ويعرفها المغرب التي كانت في متناول كل المعنيين به ..
إن القرارات والسياسات والقوانين التي تصادر وتؤثر سلبا على مستوى العيش وظروفه هي الحلقة الأساسية في التأزيم بمبرر التنظيم والتشريع والاختفاء وراء استمرارية المرفق العمومي بالسكوت عن القرارات التي عطلت وستعطل إرادة الدولة ومصالح الشعب ..
لقد حان الوقت لوطننا وشعبنا والمؤسسات لتنفيذ التغيير المنشود و الإصلاحات الضرورية والقطع مع سياسات انهكت شعبنا واقتصادنا وجعلتنا نكد ونجتهد من أجل الوصول لنموذج تنموي جديد حقيقي لضمان تحقيق نمو لكل الشعب و يلبي احتياجات الجميع بتوازن وتكافؤ كما يجعل الدولة قوية بعدالتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ..
تارودانت : الاثنين 11 أكتوبر 2021 .