سألني أحد الأصدقاء ما هو الفرق بين موقف الدين والفلسفة من حياة الإنسان ومصيره؟.
أقول” إن الدين يا صديقي موقف عقديّ, يحكم الإنسان وحياته بنص مقدس متعالٍ, لا يقبل الالغاء أو التعديل أو المراجعة. إضافة لذلك غالبا ما يترك هذا النص الإنسان ذاته في حيرة من أمره عند إنتاجه لخيراته الماديّة والروحيّة, وما يترتب عليها من علاقات اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة (روحيّة), بسبب المحكم والمتشابه في هذا النص, وخاصة الإسلامي منه على اعتبار الوعي الذي يحرك معظم تفكير الناس وتصرفاتهم بعد أن استقل هذا الوعي عن مكونات إنتاجه التاريخيّة, هو الوعي الديني, وبالتالي هذا ما يترك الإنسان يعيش في حالة من الحيرة في أمره انطلاقا من الموقف الجبري الوارد في هذا النص المقدس الذي يسلب الإنسان حريته وتفكيره المستقل, على اعتبار أن الإنسان ذاته مخلوق لله. والموقف القدري الذي يعطيه حريته في تقرير مصيره واستقلالية قراره وتفكيره وسلوكياته, انطلاقا من التأكيد على حرية إرادته الوارد في النص ذاته. والغالب حقيقة في هذين الموقفين, هو الموقف الجبري الذي يعتبر الإنسان وحياته كلها مخلوقةً لله, فالإنسان لا يملك من أمره شيئاً في تصرفه. وهذا الموقف ذاته الذي سلبه حريّة وإرادته, وأوقعه في الامتثال والاستسلام لقدره.
أما الفلسفة: فهي موقف عقلاني نقديّ, يجعل الإنسان في تفكيره وارتباطاته مع الطبيعة والمجتمع وكل نشاطه الحياتي حراً لا تتحكم فيه أيّة قوى من خارج تاريخه, أي لا تحكمه قوى من خارج واقعه المحيط به, بل هو محكوم بواقعه الذي يساهم في تكوينه أثناء إنتاجه لخيراته الماديّة والروحيّة, عبر مسيرة حياة التاريخيّة. فالواقع يؤثر في العقل, والعقل ذاته بعد تشكله ونضوجه يؤثر في الواقع من حيث إعادة إنتاجه, أو تطويره وتحديثه, أو حتى عرقلة سيرورته وصيرورته وفقاً لحاجات الإنسان الماديّة والمعنويّة.
الفلسفة هي الموقف القدريّ في الفهم المعتزليّ, أو الماديّ في الفهم الماديّ للتاريخ, الذي يمنح الإنسان حريته في اختيار حياته وصناعتها, وبالتالي التفكير بحرية في شؤنها ومصيرها…
إن الفلسفة موقف شموليّ من الحياة. ومواضيع نشاطها هي الطبيعة والكون وحياة الإنسان بكل أشكالها الماديّة والفكريّة معا, من حيث بنائها وتفسير ظواهرها وتجلياتها, ورسم الخطط لإعادة إنتاجها وتطويرها.
د . عدنان عويد كاتب وباحث من سوريّة