عاد حسون هذا اليوم، واحد وثلاثين غشت 2021، من عمله، كمسؤول إقليمي في مدينة مجال تحقيق أمجاده التكوينية، مزهوا وفرحا بمساهمته اليومية في التقدم في إنجاز رقمنة السجل الاجتماعي لبلاده، ومفتخرا بدعم فريقه والشرفاء من الفاعلين المحليين. فرحته تعالت هذا اليوم بمستوى عال، سما بوجوده الإداري درجات معنوية ملموسة، درجات جعلته يشعر بإيمان قوي أن مصلحة المرتفقين في وطنه لا تبالي بعراقيل جيوب المقاومة وتراكم، بدعم التكنولوجيا والرقمنة، مقومات التملص النهائي من شراسة براثن رواد الفساد والرشوة والزبونية واختلاق المخالفات والمخلفات. إنهم رواد أعداء ذرية آدم، صنعها القدر ومكنها من الاعتداء على مصادر عيش الأسر، منقضين بذلك تعسفا على مداخيل الفقراء والمستضعفين.
دق جرس منزله الذي تكبد المعاناة من أجل بنائه، وهو المهندس المحاط يوميا بتغريرات الاغتناء على حساب جمالية البنايات وإتقان الطرقات والمسالك والمساحات الخضراء. استقبله ابنه سامي فرحا بلعبة صنعها من ورق، معبرا عن هواجسه وتراكماته التربوية والثقافية التي عاش في خضمها لمدة تفوق ثمانية أعوام. لقد صنع قوس أسهم ورقي. ابتهج حسون لهذا الإنجاز، واعتبره إبداع تفكير طفولي. صعدا سويا متعانقان أدراج السلم المؤدي إلى الطابق الأول.
استلقى حسون على أريكة أمام التلفزيون مغطى بشراشف بيضاء، وعينه اليمنى تتابع البرنامج التلفزيوني الإخباري، واليسرى لا تتابع إلا حركات ابنه وما آلت إليه أنشطته اليومية. انتصب سامي مركزا بقوسه أمام شرير رسومه المتحركة المفضلة. لقد رسمه بعناية فائقة، ولونه بألوان لائقة، وألصقه على أحد جدار غرفته وفضائه الخاص. رفع القوس، بعدما أحكم تنصيب السهم، وأطلق التصويبة لتصيب ما يعتبره عدوا للإنسانية في مكمن حياته.
لقد صوب سهمه باحثا عن النقطة القاتلة للشجع والشر المعادي للكينونة البشرية، وأصاب الهدف منتشيا وقائلا بصراخ غير مألوف: “أبتي، نحن الأطفال لا نحب الأشرار، ونطمح في العيش في بيئة حب تنتصر لحق الطفولة في تنشئة علمية، لا يدخر الكبار جهدا في تحقيقها وترسيخها على أرض الواقع. أرجوك أبي حذر الآباء من أصدقائه من ذنوب تخبئها تفاهات العيش اليومي. قل لهم أن الأطفال مثلي لا يطمحون إلى البروز والثروة في سياق عدم تساوي الفرص واللامساواة في بلادنا. قل لهم كذلك أن ذهننا ومخيلتنا، نحن أطفال الجنة، وطن فسيح لا أكثر ولا أقل، فلا تفسدوه”.
ترقرقت مآقي حسون، واندرفت الدموع على خديه. أجاب ابنه: “سأفعل ذلك بإيمان واحتساب وإصرار”، ثم خاطب نفسه بزهو قائلا: “إنها مسؤولية جيل العولمة وما بعد الحداثة”.