في نهاية القرن التاسع عشر، نزل العمالق اﻠﺷﱡقر بترسانتهم المعرفية في ضوء النهار في أقطار الأرض العالية، وشخصوا الآثار، ودونوا حقائق الحفريات الترابية والثقافية والتراثية. استعانوا مرارا بالأهالي الأبرياء، وانتشلت مركباتهم الضخمة من أوحال الأدغال المجهولة، التي تنتشر على المجال الترابي الأبرك والأوسع والأغنى كونيا. طمست هوية أهل المنطقة، وأضاعت ويلات الانحطاط سجلات الأمجاد.
توالت الزيارات والكشوفات بانتظام مدروس. عمقوا الحفر، وغاصوا في الأعماق بسواعد محلية، واستخرجوا المعادن النفيسة، وخصبوا الأراضي، واستخلصوا الاستنتاجات واحتكروا الأرباح. يغمر الأهالي فرح وابتهاج السذاجة. تلذذ الوافدون أطعمة الكرم العربي، وأباريق الشاي والقهوة المعطرة، ورغيف النساء المطلي بالزبدة والعسل. خططوا ودبروا، وتفاعلوا في فضاءات براءة أهل الدار. اطمأن رؤساء القبائل لدفئ المعاشرة، وكأنها حماية رسمية، لتتوافد الفيالق العسكرية المدججة بالعتاد الحربي.
مرت الأيام، واشتد قنوط وذهول رجال ونساء أقطار الأرض العالية، وتجمدت لغة تواصلهم، وانفصلت عن تاريخ أمجادها. انبجست الدموع من العيون. اشتدت الحيرة والحسرة، وتوانى الزعماء في التفكير والحركة. بعيون شاخصة إلى العمالق وبدلاتهم الخارقة خاكية اللون وآلاتهم المتطورة الغريبة، اصطف الأهالي بحواشي الطرقات والممرات يخالجهم إحساس مزيج إعجاب وحقد دفين.
توﺟﱠمت الأفواه، صرخت أرواح الأوطان، لتثور الأصابع والسواعد هنا وهناك. كثفت النخب المفاوضات مع الدخلاء. تم استعجال خروج العمالق الشقر، وتنادﱠت الجماعات، واستفحل الداء الوبيل. تعددت الانقلابات، فتوجست النفوس إذلالا، وزامن الأذى بصائر الأجيال المتعاقبة، وطالت واشتدت مزامنته، وتراكمت الكتابات والأطروحات في موضوع النهضة المؤجلة.