إن السلفيّة بأبسط صورها في الخطاب الديني بشكل عام, تشكل موقفاً فكريّاً وسلوكيّاً من الحياة, يقوم على اعتبار الماضي المنطلق الوجودي والمعرفي لكل ما هو تالٍ, وإن الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف. وهذا الموقف ذاته نجده في الخطاب السلفي الإسلامي موضوع بحثنا هنا. حيث يُعتبر الخطاب الإسلامي بكل ما يتضمنه من قضايا ماديّة وفكريّة وقيميّة حدثت في القرون الهجريّة الثلاثة الأولى, هو منطلق البداية والنهاية لمنظومة حياة الإنسان عموماً. أو بتعبير آخر إن تلك المرحلة التاريخيّة التي عاشها الرسول والصحابة والتابعون وتابعو التابعين بكل قيمها الماديّة والفكريّة والأخلاقيّة, هي المنطلق الوجودي والمعرفي لكل ما جاء فيما بعد داخل حياة المسلمين. وبالتالي فكل جديد لا يتفق مع هذا الوجود, هو بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
وإذا ما نظرنا إلى سمات وخصائص الفكر السلفي في تاريخنا المعاصر, نجد أن هذا التيار:
1- لم يزل له حضوره الفاعل, من خلال اعتماده على الماضي منطلقاً وجوديّاً ومعرفيّاً.
2- اعتبار الماضي النبع الصافي ممثلاً ف بأصوله التشريعيّه, وهي القرآن والحديث والإجماع والقياس.
3- وأن كل ما يبديه الإنسان عبر تاريخه هو ليس أكثر من تفسير لما هو موجود في هذا النص المقدس. لذلك فالكشوف العلميّة والقانونيّة وكل الأشكال الأدبيّة والفنيّة هي ليست أكثر من تجلي لما هو موجود أصلاً في هذا النص المقدس.
4- أن هذا التيار لا ينظر إلى طبيعة العلاقات القائمة في المجتمع وفق منظور مُسْتَغَلْ ومُسْتَغَلْ, بل وفق منظور ديني عقيدي, (كافر ومؤمن وزنديق.. ).
5- ينظر أصحاب هذا التيار بريبة لأصحاب الديانات الأخرى بما فيها المسيحيّة على أنهم كفار وليسوا مواطنين.
6- هم يحتقرون المرأة ويعتبرونها ضلعاً ناقصاً وكشاردة الإبل وصوتها عورة, وبالتالي مكانها المنزل وتربية الأولاد وخدمة حياة الرجل وشهواته الجنسية.
7- هم يعتبرون العمل في هذه الحياة لكسب الآخرة وليس لتنمية المجتمع وتقدمه. يضاف إلى ذلك أن هذا التيار يرفض كل الأيديولوجيات الوضعيّة.
8- ينظرون إلى الفكر الوضعي بعمومه اليساري منه والقومي والليبرالي, فكراً تكفيريّاً يراد به تقسيم المسلمين والإساءة لعقيدتهم.
9- هذا في الوقت الذي ظلت فيه السياسة تشكل أحد التوجهات الخفيّة والظاهرة لهذا التيار. فالحاكميّة هي المصدر الوحيد للتشريع, وهي السبيل لوحدة المسلمين.
10- لم يزل دعاة هذا التيار السلفي يتمسكون بسلوكيات السلف, (الرسول والصحابة والتابعون وتابعو التابعين..), من حيث اللباس والمسواك وتربية الدقون وحف الشوارب, والقطع القيمي والأخلاقي في مسائل الضحك والعطاس وغير ذلك, وخاصة الوهابية من هذا التيار.
أما أهم وسائل الترويج لمشروعهم السلفي والتسويق له, فيأتي عبر الدروس والخطب الموجهة عبر مكبرات الصوت وأشرطة التسجيل ودروس الجوامع وشاشات التلفاز التي أوجدها بعض الحكام لدعاة هذا الفكر.
إن السلفيّة في نهاية المطاف, قوة فكريّة مشحونة بحيويّة مذهلة من الرؤى والأفكار ذات الطابع اليقيني الامتثالي الساذج, القادرة على صهر ضمائر وعواطف المريدين بعد أن فشلت كل المشاريع الأيديولوجيّة الأخرى في كسبهم إلى جانبها. ومن هنا استطاعت أن تسود أكثر من 1400 عاماً وهي تمارس حجرها على العقل والإرادة الإنسانيّة, حتى تحولت مفاهيم السلفيّة ورموزها إلى ثقافة شفهيّة تغلغلت في كل مسامات حياة الفرد والمجتمع الإسلامي, والأخطر من ذلك أنها تحولت بفعل دخولها السياسة إلى قوة تدميريّة رحنا نحصد نتائجها من خلال ممارسات القاعدة وكل فصائلها, وفي مقدمتها داعش والنصرة وكل من التقى معهما من الفصائل الإسلاميّة الداعية إلى إقامة الخلافة الإسلاميّة, تحت قوة السيف.
كاتب وباحث من سوريّة