يحب الجنرال في دول الجوار أن ينام على إيقاع طبول الحرب،
ويُمنِّي نفسه بكوابيسَ طازجة بدم المعارك.
ولا يستيقظ الجنرالُ ما لم يضمن لكابوسه امتدادا في غده..
ويحب أن يسمع »المارش «العسكري« في الفجر،
و أن يسمع صرخات الاستنفار بمحاذاة نافذته….قبل صياح الديك!
عندما يعجز الجنرال عن الحرب، يوحي إلى دُماه بأن تقصف الجبهات كلها، والجبهة الغربية أكثر..
برصاص من ورق
وكاتيوشا من صراخ
ومدافع تطلق كراتها…. من الحنجرة!
يحب من يقول له إن الأعداء يملأون الأفق والحدود وحيثما توجد تمثيلية ديبلوماسية لبلاده،فيُشْرع خارطة العالم ويعدد حروبه:
هنا حرب الهلوسات
وهناك حرب التاريخ،وفي العاصمة الأخرى خنادق حول الصوامع
وحول الكسكس..
ويحب قاموسه المنقّى بحرص منظف البنادق:
تقرير المصير،
وتصفية الاستعمار، وينسى أنه ولد بفعل تخصيب الجنرالات الآخرين، في حربه الوطنية..
وأن ما يعتبره امتدادا لأمنه ولجيشه ولحروبه،هو جسد مقتطع من جسد الجيران..بلا حرب تذكر، ذكرى السلام الذي آمنوا به لأجله ومن أجل شعبه!
يحلم الجنرال أن يجمع الشعب في زاوية الرُّهاب الجماعي، فيجتهد في الترويع:يوقظ الخبراء من تقاعدهم، ثم يملي عليهم مخاوفه حتى تتولاها الذات الجماعية، ويتعمق الشعور بوجود الأعداء على أسوار البلاد.
يوقظهم من كسلهم القديم إلى حيوية قديمة!!
ويوقظهم ليروا وجودنا على أبوابه، نرعى الطائرات والدبابات ونرعى الحروب السرية وحبوب الهلوسات!
خذ هذا مثلا : رجل اسمه نور الدين جودي، وهو ضابط في جيش التحرير الوطني سابقا ،عمل ديبلوماسيا في جنوب إفريقيا وأنغولا وهولندا..
فهو يرى بعين الجنرال ما لا يراه العالم كله، ويسمع بأذن الجنرال، ويحلل بعقل الجنرال المتوقف عند الفصل الأول من رهاب الطفولة إنه يرى :
»محاصرة محكمة من طرف بلدان مجاورة معادية، حيث تأوي طوعا أم لا قواعد نشاطات أو عناصر استفزازية ضد إقليمنا «…
ولا يرى في الخارطة الأخرى قواده وعناصره،
وهو يرى »طائرات بدون طيار ومعدات حربية إلكترونية«..
وهو يرى »قاعدة نشاط« ضد بلاده،
لنا ما نفعله غير الحرب، أيها الجنرال
وهو يشم في الهواء رصاصا مذابا من القنب الهندي ومن الحبوب المهلوسة، مخصصة جينيا لأبنائه..
وبالرغم من كل الأشباح والطبول وحفلات الشواء البشري التي يبشر بها
لا أحد يصدقه.
ولا أحد يصدق الجنرال في بلاده.
لا أحد امتنع عن الخروج إلى شوارعه، بدعوى وجود عدو غربي على أبواب المستقبل ، يتسلل مع الهواء الحر ليمنع البلاد من نفسها!..
لا أحد يصدقك هاهنا أيها الجنرال .
فنحن لنا ما نفعله غير الحرب..
لنا مستقبل نربيه، بالتباس المشاعر،بين تفاؤل الإرادة وتشاؤم الفكر
كما يليق بكل المحاربين الحقيقيين من أجل مكان تحت الشمس لأبنائهم وبناتهم..
وبالتباس في العواطف، بين حنو الأم على كبد تفر إلى أفقها
وبين خوفها من عنف المجهول في عالم متلاطم .
لنا ما نفعله غير الحرب : الحرب على الجائحة وتلقيح 30 مليونا في أقل من سنة،حتى نتفرغ لوجوهنا بلا كمامات..
ونتفرغ إلى عناقنا، بما يليق بالحنان والصداقة والحب والعائلات..
لنا عشرون مليونا ينتظرون تغطية اجتماعية،
وسبعة آخرون ينتظرون أن نوصلهم إلى المدرسة،
بيد من حنان ويد من حليب
وبيد من طباشيرلا تراه عينك المليئة بالغبار في حروب الوهم الكبير….
لنا ما نريد من الحرب غير الحرب:
تكتيكها في الانتصارعلى الفقر
واستراتيجيتها في التغلب على الهدر المدرسي،
و جبهاتها في الحرب على الفساد
وعلى الجهالة..
لنا جيش من العاطلين سندخل بهم حرب العدالة، والشغل، وجبهات الاقتصاد المهيكل..
لنا ما نفعله غير إعداد التوابيت ، والفزاعات،
وغير المتاريس التي نحشر فيها شعبا مرعوبا من نفسه..
أيها الجنرال، دقق النظر، من أعلى الدبابة: إنك تسير وحدك، وسط حقل من الغربان والفزاعات والجثث.. والأفكار المقيتة!
انظر يمينا
وانظر شمالا اذ أحببت، لكن لا تنظر إلينا، فلن نهيئ أنفسنا كي نكون أعداء لك.
تنقذ بنا ما تبقى من وجودك..
نحن عقدنا صداقة مع الغد.
ونحن أصْدِقاءُ الحَيَاة،
ولا تُخِيفُنا القُصَاصَات،
ولاحربُ الجِيلِ الرّابِع والثّالِث والثّانِي والأَوّل..
لنا ما نفعله أيها الجنرال: لنا قواعد لبناء اقتصاد قوي وصداقة مع الشعوب،
لنا مسافة طويلة من البحث العلمي لم نقطعها بعد…،
ولنا السلام ، نزرع فيه حب بلادنا
وحب العلم
ولنا جيشنا
نستودعه هذا السلام
لنشق طريقنا..
لنا أمامنا..
ولا وراءنا،
ولا نريد أن ننتظر، نحن مسرعون نحو غدِنا، ولَنْ نُضَيّع الوَقْتَ الفَارِقَ معك
(*) عن جريدة الاتحاد الاشتراكي : عبد الحميد جماهري
الاثنين 22 فبراير 2021 .