من ألطاف الله تعالى قوله : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) سورة البقرة

لاءات هذه الآية تشكل مدخلا لموضوعات الساعة بوطننا والعالم : (لايكلف الله نفسا إلا وسعها ) و(لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) و (لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) و(لا تحملنا مالاطاقة لنا به )…

وتنزيلها في الواقع سياسيا يتطلب من الدول والحكومات والمؤسسات والمجتمع المدني :  –  أن لايكلفوا الناس مالا طاقة لهم به  – وأن لايؤاخذوا الناس على النسيان والخطأ  – و أن لايحملوا عليهم عهودا ومواثيق والتزامات وسلوكات لاقبل لهم  بها استجابة  وتنفيذا …   

فيفترض في كل أمورنا أن تكون بين (لا) و(نعم)  بدائل تجمع بين أقصى كل من  الأولى والثانية لننتج  أجوبة وقرارات وفق المصلحة العامة المشتركة والراجحة التي تبنى عليها خيارات أفضل تتفرع عنها وتترتب عليها نتائج إيجابية بأفق استراتيجي حكيم يمتد لأجيال وقرون  ستبني وتطور حضارات وعلوم وتحقق انتصارات من أجل الوطن والإنسانية ..

أما  التعصب و الجمود المؤسساتي والمدني والفردي والجماعي على (نعم) أو (لا )  المرتكز على خط  إقصاء الآخرين   فلا يؤسس لحلول عملية تراكمية  ، إنه يتسبب في صراعات وتطاحنات عدمية  متخلفة مفسدة ومضيعة لكرامة الإنسان والجهد والزمن والثروات  تمتد آثارها لتنعكس سلبا على الإستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية وعلى العدالة وقد تنتج عنها زلازل وهزات  وارتدادات لموجات ” تسونامي ” الناجمة عنها  تمتد آثارها  لعقود وقرون ،، والأمثلة كثيرة خاصة في العالم الإسلامي   منها التي وقعت في زمن الخلفاء الأربعة ودولة بني أمية و… بقيت تداعياتها  الغريبة المؤلمة والمفسدة إلى يومنا هذا ، وهنا نستحضر أيضا من الجزيرة العربية قبل الإسلام  حرب داحس والغبراء التي نشبت بسبب رهان فاشل .. وحرب البسوس التي دامت أربعين سنة بسبب ناقة ؟؟.. فشكل هذا الإرث الفاسد  عوائق   كبلت  بالتخلف  أجيالا متلاحقة  من شعوب وحكومات ، فتعطلت لغة الكلام والتواصل والحوار العقلاني كما تكلست مهمات العقل فأصبح  مؤمنا بالرداءة التي تصنف تعسفا بالتجديد والانفتاح والتحرر وتنعث زورا بالديموقراطية   …

إن بناء أي قرار لايكون بالأهواء والرغبات وإرضاء أية جهة أو فئة  وللتهدئة أوالتغطية على  أزمة اقتصادية / اجتماعية  أو حقوقية  حتى لا تكون  النتائج متلاشية ومتجاوزة  فور حصولها وإعلانها  ، أي أن عمرها الافتراضي وهمي  لا يحد من آثار فقر أو انتشار فكر ظلامي أو تدهور مستوى قطاعات اجتماعية أو اختلال في المالية والاقتصاد  أو تردي منظومة التعليم وانتشار الأمية بكل أنواعها ..

لهذا يقال بان السياسة هي فن الممكن والواقعية  ، ويقال تحقق الشرع  ومقاصده مرتبط  بتوفر المصلحة العامة والخيرية ،، وكلاهما  – أي السياسة و الشرع – لا إكراه فيهما ، فمن جهة الله لايكره الناس على الإيمان به أو اتباع أية رسالة سماوية حيث قال (فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر) سورة الكهف  ،، والسياسة السليمة لاتكره الناس على الإنحياز لحزب دون آخر، أو قرار عوض آخر بل يدبر الأمر كله  ديموقراطيا بترجيح لرأي الأغلبية التي تكتسب حكمتها إن انفتحت على الآراء المخالفة لها  ذلك لان الرأي في السياسة يحتمل الصواب والخطأ ، ولايجوز عقلا وشرعا التعصب له بمبرر أن الأغلبية تريد ذلك ، وحتى لايصدق على الدولة والشعوب ذلك الوصف  القدحي الذي تجسد في العديد من الدول بأن يتم الاختيار باسم الديموقراطية  من لايؤمن بها فعليا ولا بحقوق الناس وكرامتهم ليسير ويحكم  ترابيا ووطنيا ،، بل يستعملها مطية للاهواء والريع ..

 إن أي بناء لا ينشأ ولا يكتمل  بأوامر وسياسات وقرارات تركز على توسيع مجال الممنوعات والنواهي والمحرمات بزيادة ( لا) قبل كل فعل أوقول أو فكرة لاترضي البعض ..  ف(لا)  النافية شيئ ،، و(لا) الناهية شيئ آخر وبينهما احتمال تحقق الصدق والكذب وتداخلهما ،  

فلا كان من لا يحسن  في التسيير  والعمل  ولا في التواصل ،ولا أنجح الله  سياسات التجهيل والتفقير والظلم ،

إن  ” لا” و ” مع ”  يجب أن يتم بناؤهما  بوعي فردي وجماعي ومؤسساتي  إيجابي موضوعي ومنطقي ، وليس بالتبعية الجاهلة والتقليد الأعمى   لأي طرف يعتمد واحدة منهما لاعتبارات ضيقة مصلحية خاصة  ..

فحذار أن يتم تضليل الناس بلا ونعم وما بينهما ، فزمن الأحياء الضائع لايمكن استرجاعه لكن يمكننا تجنب تبديده وتدارك التأخر  بالعمل والمزيد من العمل الجاد .

قال ايمانويل كانط  : (إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر ، رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن ورجل الإقتصاد يقول لا تفكر بل إدفع ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ  ، ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف.)

وقال ارسطو : (علمتني الفلسفة أن أفعل دون أوامر ما يفعله الآخرون خوفا من القانون.)

ونختم بحديث شريف ، قَالَ رسولُ اللهِ صلَّي اللهُ عليه وسلَّم:  (قارِبُوا وسَدِّدوا، واعلَموا أنَّه لنْ يَنْجوَ أحدٌ منكم بعَملِهِ)  قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: (ولا أنا، إلَّا أنْ يَتغَمَّدني اللهُ برحمةٍ منه وفضلٍ). رواه مسلم.

تارودانت : الأحد 27 دجنبر 2020.

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…