نعم شكرا جارنا النظام الجزائري، لأنه يقدم لنا منذ سنوات، هدية تاريخية لا يدرك هو قيمتها أبدا، بل وأنه يؤدي عليها فوق ذلك ثمنا غاليا من مال شعبه وأبنائه وحقهم في السلم والأمن والتنمية المستحقة (وبملايير الدولارات). لأن من نعم الله على المرء أحيانا، أن يهبه جارا صعبا، مستفزا وظالما. إذ قليلا ما ننتبه في قراءتنا لواقعنا المغربي، أن المغرب المستقل ما بعد 1975 ليس هو المغرب ما قبل 1975 (وحده المفكر المغربي عبد الله العروي الذي انتبه إلى ذلك بفطنته المعهودة في ثنايا كتابه القيم “المغرب والحسن الثاني” الصادر باللغة الفرنسية).
إن إصرار النخبة الحاكمة في الجزائر على جعل الطريق الوحيدة لحلم تحويل بلادها إلى قوة إقليمية بكل شمال إفريقيا، هي في إنهاك المغرب ومحاولة تطويقه وإضعافه وتدجينه (وحتى محاولة تجفيف وتبخيس رمزياته التاريخية الثقافية والحضارية)، قد منحنا في جهتنا المغربية فرصة تاريخية لأن نظل دوما متوثبين، منتبهين و “جامعين طرافنا”، و “دايرين نفس” (النيف). لأنه تصوروا معي حالنا بدون جار له نخبة مسيرة مماثلة، كيف سيكون؟. لن تكون الصحراء بذات المستوى التنموي الهائل الذي هي عليه منذ 1975، حيث العيون والداخلة (كمثال فقط) أفضل بكثير خدماتيا من عواصم نصف الدول الإفريقية، وأفضل من 90 بالمئة من خدمات المدن الجزائرية نفسها، المأسوف على حال إخوتنا وأشقائنا الجزائريين بها. لن يكون الشمال المغربي كله بالحال التي صار عليها على مستوى بنيته التحتية وفرص التنمية الوازنة به على الضفة المتوسطية. ولن يكون ولن يكون ولن يكون الكثير من منجزات المغرب ما بعد 1975، بكل ما يكبلها من أعطاب فساد متراكبة نعرفها نحن بيننا ونملك جرأة انتقادها داخل أرضنا وليس خارجها، وآلاف منا أدوا الثمن على جرأة ذلك الموقف.
أكثر من ذلك، لقد رسخ ذلك بشكل متجدد معنى “اللحمة الوطنية” بيننا، بكل ما استتبعها من توافقات سياسية وتدافع جدي ومسؤول (ومؤلم في مرات كثيرة)، أنضجت الظروف لتعزيز دولة المؤسسات والخيار الديمقراطي ومنظومة حقوق الإنسان ومشروع تنموي له رؤية اقتصادية تحاول التصالح مع القليل من الممكنات التي في اليد داخليا وخارجيا. لأننا أعدنا الوفاء لروح “ثورة الملك والشعب” التي أنضجها جيل الآباء ضد التحدي الخارجي الآخر الذي شكله الإستعمار. وصارت “العيون عينيا” شعارا وطنيا وليس مجرد أغنية.
نعم، علينا شكر الله أن منحنا نخبة جارة مماثلة مثل التي هي النظام الجزائري، لأنها كانت السبب في أن يظل وعينا متقدا (في الدولة وفي المجتمع)، وأن تتعزز لحمتنا الداخلية، وأن نصر في حماية الدار وفي السعي إلى تنظيف الداخل بها وفي جعلنا أصلب في “النيف”.
شكرا لك أيها النظام الجزائري الجار، لن نوفيك حقك أبدا، في أنك من حيث لم تحتسب قد منحتنا أن نبقى ذات “الأمة المغربية” التي كانت في التاريخ والتي لا تزال والتي ستبقى. لقد منحتنا الهدية الغالية أن نبقى دائما “جامعين طرافنا”. ونعتذر أن كلفناك غاليا على ذلك.