ما لا يريد فهمه البعض في المشهد السياسي المغربي، هو أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في كثير من المناطق المغربية عموما، ومنها جهات الصحراء المغربية من إقليم سيدي إفني حتى جهة الداخلة ، ليس فقط اختيارا أيديولوجيا أو انتماء حزبيا، أو مجرد ارتباط بأشخاص لهم وزنهم الرمزي في هذه المجتمعات المحلية .
فإذا كانت نشأة فروع الأحزاب السياسية في الجنوب المغربي مرتبطة بالتطورات الحاصلة في النسيج العام للمجتمع المغربي أثناء اختراق مفاهيم التنظيم الحديث، و أنساق التأطير الجماعي لمختلف الفئات الاجتماعية المستقرة بهذه المجالات الجغرافية، من تكوين للجمعيات المدنية و تمثيليات حزبية و نقابية.. فإن أول ملاحظة ظاهرة، ولا تحتاج إلى أدنى اختلاف في الرأي، سنجد أنفسنا أمامها و دون أي تعصب لأي تيار فكري، أو انتماء حزبي، أو عنصرية إثنية، هي أن للجنوب المغربي خصائص تاريخية لزمته ورافقته طيلة قرون، تعود لظروف تاريخية جغرافية و لوجسيتيكية مميزاته و طبيعة علاقته مع المؤسسات الرسمية للدولة المغربية و تنظيماتها الموازية من خلال حقل « إمارة المؤمنين « عبر الدعاء للملوك الشرعيين للدولة المغربية في صلوات الجمعة و عقب كل صلاة ، و في صلوات الأعياد الدينية، و في الأسواق الأسبوعية التي كانت ملتقى القبائل و ذخيرتها الاجتماعية المشتركة، و في المناسبات الاجتماعية الخاصة و العامة؛ و يتربع على رأس هذا السلوك الاجتماعي و الطقوسي مراسم حضور ممثلي هذه المجموعات البشرية في مراسم البيعة المقدمة لأمير المؤمنين ملك البلاد، لذلك وجدنا محكمة العدل ب»لاهاي» في إطار التنازع الدولي حول قضية الوحدة الترابية، تعتمد بشكل كبير على هذه الخصوصية.
من جهة أخرى، يجب أن نؤكد على أن مفهوم الخصوصية و خصائص المتخيل الاجتماعي و السياسي و الاثني ليس مفهوما مغربيا أو محليا، بل هو نظرية عامة حاضرة عند كل الشعوب و الحضارات و الثقافات ،و حديثنا عنها هنا لا يعني نهائيا دفاعنا عن أي رأي يميل إلى العنصرية، أو التمييز العرقي او الجغرافي، أو التفوق الجيني، أو دفاعا عن الريع، أو تفضيل منطقة على أخرى ، فالمغرب – في رأينا- واحد، و المغاربة سواسية أمام القانون و الدستور ،من أقصاه إلى أقصاه شرق المملكة و غربها و جنوبها و شمالها، و بكل فئاته .
و هناك في مجال التنظيمات الحزبية و المدنية خصوصية أخرى، جعلت ارتباط ساكنة المنطقة بحزب القوات الشعبية ارتباطا تاريخيا و ميدانيا و شعبيا، منذ تنظيمات حزب الاستقلال مع رواد التأسيس و حرب التحرير و الاستقلال المهدي بنبركة و الفقيه البصري و عبد الرحمان اليوسفي و عبد الرحيم بوعبيد وطنيا و رواد الحزب في جهات الصحراء المغربية التيار الباعمراني التاريخي في الحزب : حماد الدرهم و أحمد زكريا السكال و عمر الساحلي، ابراهيم كريم، محمد بكا، محمد شوقي، و من بعدها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وصولا إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الوريث الشرعي لكل هذا التاريخ الوطني عموما و الذي تسلم مشعله جيل الشباب و في مقدمتهم حسن الدرهم و عبد الوهاب بلفقيه و طارق القباج ، و مصطفى المتوكل، و جواد فراجي/ ليمام دجيمي، ومحمد لحبيب أنازوم، و محمود عبا و النفاوي مبارك، و الحسن عليوى، و دحمان الدرهم، و الهديلي مبارك، و البوجرفاوي حسن، و رقية الدرهم و لطيفة الوحداني، و سليمان الدرهم و السكال سليمان …..
كان ارتباط القيادات المركزية بقضية الصحراء المغربية أكثر رمزية و جرأة في تجربة الاتحاد الاشتراكي و دليلنا أن السي عبد الرحيم بوعبيد و أعضاء المكتب السياسي للحزب من فرط ارتباطهم التاريخي و المبدئي بالصحراء المغربية رفضوا حتى مجرد إجراء استفتاء حول الموضوع مما جعلهم يتعرضون للاعتقال من طرف المرحوم الحسن الثاني في بداية الثمانينيات ! هذا كان أيام السياسة، أما أيام عهد حمل السلاح أثناء الاستعمار الإسباني للمنطقة و هنا سيتوضح للجميع لماذا بالضبط هذه العلاقة التاريخية مع حزب الاتحاد الاشتراكي، ببساطة لأن كل تيار المقاومة في الجنوب المغربي و خصوصا التيار الباعمراني كان على علاقة مباشرة مع قيادات المقاومة و جيش التحرير ( المهدي بنبركة، اليوسفي، الفقيه البصري ….) و ظلت العلاقة قائمة تاريخيا و شعبيا و حزبيا : – التنسيق من أجل تحرير الوطن من نير الاستعمار.
– التنسيق من أجل بناء المؤسسات.
كان بسيطا جدا كي يفهم من كل ما سبق، أن هذا الحزب كان مع هذه المناطق في أيامها الصعبة و مدها بالتنسيق و السلاح و المال و الرجال و سوق إعلاميا و دوليا قضاياها عبر العالم و عبر الوطن ،من أجل إخراج الاستعمار الأجنبي المباشر منها و الدفاع عنها و عن حريتها و حرية أهلها.
كان معها دوما في الوقت الذي كان فيه أزلام أوفقير و إدريس البصري و نخب حزبية و مركزية أخرى يترفعون عن أهل الصحراء و لا يعرفون حتى أين تقع في الخريطة، في الوقت الذي حتى حينما جاءت وفود- من الجنوب، وفود آيت باعمران وفود مجموعة بيزكارن و مجموعة الطانطان ، وفود العيون..لتطالب بإخراج الاستعمار الذي كان يستقبلها و الذي كان يتدخل مرارا لها لملاقاة محمد الخامس و الحسن الثاني كان حزب الاتحاد الاشتراكي….
الحزب، الذي كان يترشح معه تيار الجنوب و من أغلب القبائل الصحراوية كان هو حزب الاتحاد الاشتراكي .
ئاسة بلديات و غرف : اكادير/ إفني / كلميم/ العيون المرسى / الداخلة/ …. و مقاعد البرلمان من اكادير إلى الداخلة كانت للاتحاد الاشتراكي …..
جيلا بعد جيل و إلى اليوم، ما زال هذا الوفاء مستمرا… لكن اللعب غير القانوني و غير النظيف مازال مستمرا من البعض كي يحجم من رمزية و تواجد حزب القوات الشعبية في الصحراء المغربية .
الكاتب : محمد الوحداني – نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ : 02/دجنبر /2020