شرعية رئيس الحكومة
لا شك أن النقاش القائم حول شرعية الصناديق ؛ أو الشرعية الانتخابية والشرعية المؤقتة أو المشروطة أو الجزئية ؛ وكل المفاهيم الجنيسة المتناسلة؛ يستوقف الكثيرين ؛ ويجد هذا النقاش بهاراته في أزمة الأغلبية ؛وتباين وجهات النظر بشأن المنطلقات والتي تمثل مسألة الشرعية ؛نقطتها الخلافية ؛ إذن لنتساءل عن الشرعية التي يشهرها الأستاذ بنكيران في وجه معارضيه أولا وفي وجه ماأطلق عليه الدولة العميقة ثانيا وبشكل خافت في وجه أغلبيته نفسها ؛ فهل يستقيم أن نجزئ مفهوم الشرعية أو نحدده أو نقتطع منه بشروط . لنطرح ماالتقطناه من داخل هذا النقاش. ..!
يؤكد السيد رئيس الحكومة أنه منتخب من الشعب ؛ وأن مليونا وستين ألف مغربي اختاروه دوناً عن غيره وزفوه إلى صدارة الاستشارة الشعبية ؛ وأنه حمل على أكتاف حصيلة انتخابية غير مسبوقة ؛ جرفت الحصة الأعلى من المقاعد الانتخابية ؛ وبالتالي نصبته زعيما شعبياً؛ القراءة الأولية لهذا الطرح ستذهب لا محالة إلى صوابيته في إطار القواعد السارية المفعول حالياً؛ إذا اعتبرنا أن حزب العدالة والتنمية حصل على أكبر عدد من الأصوات المعبر عنها في انتخابات قيل أنها شفافة ونزيهة ؛و في سياق استثنائي اقليميا وعربيا ؛عكرت صفوه متلازمات أعطاب الشرعية السياسية والمتمثلة في نسب المشاركة المتواضعة والغير متناسبة جغرافياً؛ بين عزوف المدن وإقبال القرى ؛ إضافة إلى نسب التسجيل في اللوائح الانتخابية ومدى دلالتها في بناء الشرعية بالصناديق ؛ فالسؤال الذي يطرح بقوة اليوم ؛ إذا كانت المليون والستون ألف التي تتبرج بها الهيأة السياسية المحترمة لا تمنحها شرعية اعتباراً للنسب السلبية للتسجيل في اللوائح الانتخابية ونسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية ؛ فإن العملية الانتخابية أو الاستشارة الشعبية برمتهاإذن لا تملك شرعية وبالتالي كل المترتب عن نتائجها من مجلس نواب وحكومة لا يعتبر شرعيا ؟؟، أعتقد أن الدفع بضآلة الأصوات المحصل عليها بالنسبة للعتبة الشعبية المنشودة ليس بناءاً؛ لأنه يخلخل ثوابت العملية وينعكس بالتالي على المنظومة في شموليتها ؛ إذا ما استسلمنا للتفكير في مدى تعبير العملية السياسية فعلياً عن إرادة الشعب وبالتالي شرعية المؤسسات التي تنبني عليها الدولة واستقرارها ومفاتيح الإصلاح فيها والتي تتأثر أيضاً بكل تمظهرات العزوف عن المشاركة في الاستشارات الشعبية
وفي المقابل ؛ الحديث عن الشرعية الشعبية كما يوظفها الأستاذ بنكيران لممارسة السلط يضعف موقفه أكثر مما يقويه ؛ لأنه يدفع بشرعية تصدر نتائج الانتخابات ويغفل أن تصدر الإنتخابات وحد ه يضمن دستورياً التكليف بتشكيل الحكومة والذي لن يتم إلا في إطار أغلبية ؛ و هنا يتعلق الأمر بشرعية مشروطة بالقدرة على تشكيل ائتلاف وأغلبية مطلقة من أجل التنصيب البرلماني ؛ إضافة لكونها -أي الشرعية -مؤقتة لأنها غير ذات مضمون بدون أغلبية قائمة ؛ وهنا أعتقد أن السيد رئيس الحكومة أخلف موعد استدامة شرعيته ؛ حين لم يحافظ على أسرته في الأغلبية ؛ وعوض أن يدفع بشرعية الأغلبية انساق وراء موقعه بصيغة الأنا المفرد داخل الحكومة ؛ مما جعل للدفوعات المتعلقة بعدم توفر الأستاذ بنكيران على الشرعية العددية صدى ومنطقاً .
لا شك أن كل هذه الدينامية التي تعتمل داخل المشهد السياسي ؛ ستطبع بشكل عميق ورش تفعيل المقتضيات الدستورية والمتعلقة بروح التوازن بين المؤسسات ؛خصوصاً حين تطفو خطابات لا تقبل بالدفع بالشرعية وأخواتها لرئيس الحكومة كمسؤولية مدسترة ؛ وتعتبرها معجما ملكياً مرتبطا بالعراقة والتاريخ والبيعة ؛ وتجعل من الحديث عن الشرعية وثقة الشعب مفردات لا يستقيم أن تصاغ إلا في قواميس الملكية وبشكل حصري ؛ وهنا يتجسم بضخامة حجم الغموض الذي يرزح تحت ثقله الرأي العام والفاعلون فيه ؛ حين يتحدثون عن دولة الحق والقانون التي ينظمها الدستور ؛ دون أن يؤمنوا فعلياً أننا يجب أن ننطلق في زمن الشرعية الدستورية والقانونية ؛ مفارقة ترسم دون شك معالم الإكراهات التي تتربص بالإصلاح في منظومات لم تحسم في تحولاتها ولم تقطع بعد في انتمائها الفعلي إلى الأدوات الديمقراطية ؛ لم تتوحد حول قدسية التعاقد الدستوري ؛ ولا تزال ترزح تحت وقع استبطانها لمقومات التعايش في إطار التحكم المرغوب واستعدادها التلقائي للرجوع إلى نقطة البداية
عن موقع جريدة الاتحاد الاشتراكي