إن انتشار فيروس كورونا المستجد ووبائه الكوفيد 19 في جميع مجتمعات العالم كان حدثا زاخرا بالدروس والعبر. فموازاة مع ما أحدثه من تحسيس بالأهمية البالغة للوقاية والنظافة في حياة الإنسان، كشرط أساسي لتحسين شروط العيش المشترك، أبان بالواضح عن حدة الهشاشة في بلدان الجنوب في مجال التغطية الصحية والاجتماعية. وعليه، أعتبر هذا المقال بمثابة أرضية موجزة لفتح النقاش بين منخرطي صناديق التأمين في هذين المجالين الهامين آملا من وراء ذلك أن يتحقق ببلادنا نوع من التوازن والاستحقاق في التدبير وتطوير أساليب التواصل والتكفل والعناية اللائقة بالمواطنين.
في هذا الشأن كان المغرب سباقا في دستوره الجديد إلى جعل أسمى تشريع في البلاد يخصص فقرة هامة شكلت أهم مواد مضمونه: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي المنظم من لدن الدولة” (المادة 31 من الدستور المغربي لسنة 2011). كما شكل الخطاب الملكي يوم 30 يوليوز 2004 (بداية العهد الجديد) إنذارا مبكرا استباقيا، وناقوس خطر عم رنينه كل بقاع التراب الوطني: “……..كما يجب تفعيل وتوسيع الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ومكافحة كل أشكال الفقر والإقصاء، وترسيخ التضامن بين الأجيال باتخاذ التدابير اللازمة والمستعجلة لإنقاذ مستقبل أنظمة التقاعد، قبل فوات الأوان…..”. وملك البلاد يثابر بكل ما لديه من قوة لضمان العناية الصحية والاجتماعية لكل أفراد المجتمع المغربي، مخصصا أجزاء هامة من الخطابات المولوية طوال السنوات الأخيرة لهذا المجال، يبقى من واجب المنخرطين في مختلف المؤسسات المختصة التعبير عن الحماس والإرادة اللازمين لعقلنة تدبير القطاع في شموليته.
ما يثير الانتباه في هذا الشأن هو كون نباهة وإرادة الدولة ووعيها بالتحديات المستقبلية لا توازيها نجاعة في بلورة وتنفيذ السياسات والبرامج في هذا المجال. إن التتبع عن كتب في الآونة الأخيرة لإجراء انتخاب المندوبين بالنسبة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) أبرز أن ما تصبوا إليه الدولة لا يمكن إنجازه بالقوة والنجاعة المطلوبة إلا من خلال السعي الجماعي لخلق منظمة جمعوية حقوقية على المستوى الوطني في مجال التغطية الصحية والاجتماعية، وتعميم فروعها على مختلف الجماعات الترابية (مكاتب الفروع المحلية والإقليمية والجهوية)، جمعية تلعب دور التحسيس والدفاع على حقوق المنخرطين في كل الصناديق المحدثة والمبرمجة، وأدوارا تشاركية ورقابية للرفع من نجاعة بلورة وتفعيل البرامج والسياسات في هذا المجال.
فإذا كان القانون قد نص على إحداث خمس أنظمة للتأمين الإجباري الأساسي، يتم تحديد كل واحد منها بقواعد مشتركة وقواعد خاصة، ونص إضافة إلى ذلك على حماية وتعزيز الحقوق المكتسبة للساكنة المستفيدة من التغطية الصحية، فإن تعزيز المنع المطلق لكل تمييز إزاء الخاضعين لكل نظام من أنظمة التغطية الصحية الأساسية، يتطلب خلق إطار جديد يضمن توسيع مشاركة كل المعنيين بهذه الخدمات الجوهرية في حياة الشعوب والأمم.
إن ما عرفته الانتخابات السابقة وطنيا لاختيار مندوبي الصندوق السالف الذكر، وبإقليم سيدي سليمان كنموذج، يعتبر اليوم مبررا كافيا للتفكير في مؤسسة مدنية جديدة لخلق التوازن ما بين الحقوق والواجبات بالنسبة للمنخرطين. لقد سجل هؤلاء عدة ملاحظات، كانت سببا في تقليص نسبة المشاركة الانتخابية، والتي نذكر منها ثلاثة فقط:
- ضعف أو غياب الإشهار لفترة الترشيح،
- تخصيص مكتب وحيد بمندوبية التشغيل بالإقليم بجماعاته وإداراته،
- عدم تحيين لوائح المنخرطين بحيث وجد كل المنتقلين إلى إدارات إقليم سيدي سليمان أنفسهم ضمن لوائح الإقليم الذي انتقلوا منه، ليواجههم رئيس مكتب الاقتراع الوحيد بضرورة الإدلاء بوثيقة رسمية تثبت أنهم يزاولون مهامهم بالإقليم، الشيء الذي دفع العديد منهم إلى عدم المشاركة بسبب عناء التنقل وبعدهم عن المكتب.
وباستحضار رهانات الدولة، وما تعيشه الصناديق الموجودة من مشاكل تقنية وتطبيقية وتدبيرية، يبقى تأسيس جمعية حقوقية تمثل كل القطاعات التعاضدية والفئات المجتمعية المنخرطة في كل الصناديق المعنية أو التي ستنخرط مستقبلا في الصناديق المبرمجة ذا أهمية بالغة. إنها الشريك الضروري الذي يجب أن يساهم في تخليق وشفافية التدبير والرفع من مردودية ونجاعة الخدمات المقدمة، وبالتالي تحويل ثقة المنخرطين في تدبير مؤسساته الساهرة على صحته وحياته وطمأنينته إلى رافعة تمكن الدولة من ربح الوقت والرفع من جودة الخدمات بأقل التكاليف.
إنها الإطار الذي يجب أن يشارك بقوة في تيسير برمجة وتنفيذ السياسات في هذا المجال لتحقيق الأهداف المرجوة، وبالتالي تسريع إحداث الأنظمة المتبقية مع تحديد قواعدها المشتركة والخاصة. إنه الفضاء الذي يجب تحويله إلى إطار رسمي حاضن لكل الخاضعين والمستفيدين، فضاء يجب أن يعبر عن الفعالية المطلوبة في تنشيط عدة مجالات حيوية، منها توسيع سلة العلاجات والخدمات المضمونة، وتحسين شروط وكيفيات التكفل، والمشاركة بالاقتراحات السديدة لتجويد كيفيات إبرام الاتفاقيات، ولعب دور المراقبة التدبيرية والطبية والتقنية، وتقديم المساعدة الدائمة في مجال تحديث القواعد المشتركة والخاصة بتدبير الحقوق والتسجيل والانخراط، والإسهام في عقلنة التنظيم المالي والموارد من خلال تمكينها قانونيا (الجمعية) من دور تمثيلي مؤسساتي يضمن لها حضورا وازنا في تحديد قواعد تنظيم هيئات الشفافية التي تجعل من نظام المساعدة الطبية والاستثمار في خلق المصحات الترابية وحماية المواطنين من التشرد والضياع ركن من أركان قوة الدولة وازدهارها في إطار الاستمرارية والاستقرار.