يقول عمر بين الخطاب : (إِنَّمَا مَثَلُ الْعَرَبِ مِثْلُ جَمَلٍ أَنِفٍ اتَّبَعَ قَائِدَهُ فَلْيَنْظُرْ قَائِدُهُ حَيْثُ يَقُودُ. وأﻤّﺎ أﻨﺎ ﻓَوَرَبُ اﻟْﮐَﻌْﺒَﺔِ ﻷَﺤْﻤِﻟِﻨّﻬمْ ﻋﻟﯽ اﻟْطَرِﻴقِ..).(1). ويقصد عمر بالطريق هنا دفع الناس إلى التفكير من داخلهم. أي أن يكون لهم رأي حر يعرفون من خلاله كيف يبنون حياتهم ومستقبلهم.
إن هذه المقولة في جوهرها السلبي, أي في قسمها الأول الذي وصف به عمر العرب (كجمل أنف يتبع صاحبه حيث يقوده) استغل جوهرها الخلفاء والمسلمون, وكل من جاء بعدهم وسار على نهجهم السياسي, أو مثل سلطتهم تاريخيا من الحكام المستبدين, الذين اشتغلوا عليها كل حسب ظروفه التاريخية وإمكاناته المادية والمعنوية, حيث وجدوا في هذا البعد النفسي والسلوكي والقيمي عند شعوبهم أو رعاياهم وسيلة للهيمنة عليهم واستمرار وجودهم عبرهم.
من هنا جاء اضطهاد كل من يفكر من داخله من قبل السلطات المستبدة, أي كل من يبدي رأيه وقناعتاه من أجل مصلحة الفرد والمجتمع والدولة.
أن نقد مساوئ الحكم, بغض النظر عن المنهج – مادياً كان أو مثالياً – الذي يتبعه من يفكر من داخله, قد وجد سوط أو سيف السلطان مسلطاً عليه, لذلك كثيراً ما قُتل أو أقصي أو شُرد من الفلاسفة والمتصوفة والمفكرين, أو حرقت كتب الكثير منهم, أو منع نشرها وتداولها في هذه الدولة أو تلك, منذ تشكل الخلافة المستبدة في حكمها حتى تاريخنا المعاصر. والسب هو محاولتهم الخروج عن فقه الحاكم بأمر الله الذي تحولت أقواله إلى نص مقدس لا يأتيها الباطل من تحتها أو بين يديها.
نعم هذا هو مصير من يخرج على نص الخارج دينياً كان أو أم وضعياً, محاولاُ تشغيل عقله بحثاً عن حقيقة وجوده ووجود مجتمعه المفوّت حضاريا. وبالتالي كل من يفكر في خلاصه وخلاص مجتمعه من نسق النص المغلق وسلطته السياسية أو الدينية.
وهذا ما جعل أدونيس يقول في هذا الاتجاه: (كيف يحلل علم النفس الفرد العربي نفسياً, وهو لا ذات له؟. فذاته لا ينظر إليها هنا إلا بوصفها موضوعاً). أي شيئاً عارضاً فقد مواطنيته ومقومات شخصيته, وأصبح قابلاً للاستهلاك مثله مثل أية سلعة في اقتصاد السوق.
دعونا نعود مرة أخرى لنستلهم مقولة أخر لعمر بن الخطاب وهي : (الحمد لله لقد أخطأ عمر وأصابت امرأة)…هنا يبين لنا الحاكم العادل أن الرأي الآخر ليس كله خطأ حتى ولو كان من امرأة لا تقبل شهادتها لوحدها كما يقر الدين. (2).
إن نقد سياسة الحاكم إذا اخطأ, أو إبداء الرأي من قبل المختلف أو حتى الموالي لهذه السياسة بغية تصحيح السياسات الخاطئة في انظمة حكمنا المعاصرة, هو من حيث المنطق والقانون فضيلة تفرضها مصالح الدولة والمجتمع, أما الحكام الذين يرفضون الرأي الآخر ويعتقدون بأنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة, فهم أعداء الحقيقة, ولا يهمهم لا دولة ولا مجتمع, بقدر ما يهمهم مصالحهم وشهوة السلطة لديهم.
كاتب وباحث من سورية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- (عن موقع إسلام ويب.. مقالة بعنوان: (مُثُل عليا في السلوك الإداري).
2- أنا لست من المؤمنين بموقف الدين من شهادة المرأة. فهذا الموقف قد ينطبق على المرأة الجاهلة التي عاشت بداية ظهور الدعوة. أما اليوم فالمرأة أثبت وجودها وقوة ذكائها في كل مجالات العلوم العلمية والإنسانية.