كل الذي أعرفه عن نفسي كمسلم, أنني مسلم, الله ربي, ومحمد نبيي والقرآن الدليل المعرفي لتوجهي نحو العدالة والمحبة والمساواة ومواجهة الظلم وحب المعرفة. وبناءً على ذلك, لم أعرف لا في عقيدتي الدينية أو السياسية إلا أن الدين لله والوطن للجميع.
تابعت مسيرة إحياء ذكرى عاشوراء عن مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب. وكل الذي عرفته عن الحسين كدارس للتاريخ, أن الحسين في مقاومته ليزيد بن معاوية رغم تخلي الكثير من أصحابه عنه في معركته العادلة, أنه سجل موقفا, بل مواقف في مواجهة القوى الظالمة, تمثلت في الشجاعة والتحدي للظلم والدفاع عن الحق وإثبات الذات ورفض الذل والمهانة. وهذه القيم النبيلة هي قيم يشتق منها قيم أخرى كثيرة مثل العدالة والمحبة والمساوة .. الخ. وبالتالي كل هذه المواقف تشكل عودة إلى قيم الدين الذي يؤمن به الحسين, وهي قيم ثورة بحد ذاتها من أجل رقي الإنسان.
هكذا عرفت الحسين ومواقفه, بل ثورته الفكريو والسلوكية. وعلى هذا الأساس يجب أن تقام ذكرى إحياء هذه الثورة الإنسانية, وإحياء هذه الذكرى يتم عبر محاضرات وندوات يسخر فيها فكر المفكرين من رجال دين أو علمانيين يهتمون بالإنسان وقيمه النبيلة, لتربية جيل بل أجيال متتالية على قيم الدين الحنيف, وقيم الحسين من أجل بناء عمارة الإنسان المؤمن بقضيته وعدالة مواقفه ضد الفقر والجوع الظلم والاستبداد والقهر .
لقد تابعت مسيرة ذكرى الحسين في هذا العام, فلفت انتباهي تلك الطقوس والنشاطات الرمزية التي تفتقد إلى قيم الشهيد الحسين المتأتي عليها أعلاه, وذلك بتركيزها على الشكل دون المضمون, فالحسين لم يطلب منا أن نتحول إلى مازوشيين نعذب أنفسنا بضرب رؤوسنا بالسيوف إلى درجة الوصول لحافة الموت, ولم يطلب منا أن نستخدم السلاح الحديث لعطب أجسادنا أو قتل أنفسنا, ولم يطلب منا أن نحضر (الجن) كي يحتفلوا معنا في إحياء هذه الذكرى, ولم يطلب منا أن نزحف على بطوننا ونلعق الشوارع بألسنتنا كي ننطفها من الكورونا, ولم يطلب منا أن نضع الوحول على رؤوسنا, أو نندب على صدورنا ونضرب بالسلاسل على ظهورنا تكفيراً عن خطلينا لخيانتنا الحسين.. نعم كل ما يجري اليوم من طقوس في إحياء هذه الذكرى, لا يمت برأي الى قيم الدين الإسلامي, ولا إلى قيم الحسين النبيلة. فهذه ليست أكثر من طقوس جاهلة في مضمونها, ولكن بثوب معاصر, يريد منها بعض الوثوقين السلفيين, أو الذين في قلوبهم زيغ مسح جوهر هذه الذكرى الحقيقي من عقول محبيه, ودفعهم نحو طقوس ستحول هؤلاء المحبين المؤيدين لهذه الطقوس إلى أدوات أو روبورتات تخدم أهداف غير مشروعة من الناحية الدينية والسياسية.
مقارنة مع مارسته داعش في المناطق التي سيطرت عليها باسم دولتها الإسلامية المزعومة, التي عاش قسم كبير من شعبينا في سورية والعراق مباشرة أو بشكل غير مباشر ممارساتها, فقد لمسنا أيضاً كيف اهتم القائمون على هذه الدولة أو التنظيم بشكل الدين على حساب المضمون. فأهملوا قيم الدين الحقيقية ومقاصده, القائمة على العدل والمساواة, واحترام الآخر وبناء عمارة الفرد والدولة والمجتمع بناءً يتفق وقيم الدين الحنيف, ليذهبوا إلى محاسبة الناس على إطلاق اللحى, وحف الشارب, وارتداء الكلابيات القصيرة واللباس الأفغاني, وارتداء الدرع للمرأة وتغطية كل جسدها واعتبار صوتها عورة, وقصر عملها على واجبات بيتها وخدمة زوجها وتربية أولادها, وقتل كل مختلف أو تعزيره, وفرض الجزية على الأخوة المسيحيين, وتدمير أثار البلاد ومتاحفها على اعتبار تماثيلها تمثل الجاهلية وغير ذلك من قشور.
هكذا إذا عرفت داعش الدين.. عرفته بصيغته القروسطية التي عاشها الرسول والسلف الصالح في القرون الهجرية الثلاثة الأولى في الشكل.. ومن هنا جاء كفر المسلمين الذين عاشوا تجربة داعش بالدين نفسه, أما من ظل متمسكاً بفهم داعش للدين من ذوي العقلية السلفية, على أنه العودة إلى الماضي وليس الانطلاق نحو المستقبل, وعيش قضايا العصر ومشاكله والبحث عن حلول لها من صلب الدين وقيمه الفكرية. فقد ظل حبيس أفكاره المتهالكة, وستكون نهايته لا محال قتل نفسه بأفكاره الوثوقية.
من هنا نقول: لا فرق في الممارسة إذا بين داعش ومن يقوم بإحياء ذكرى عاشوراء اليوم, فكلاهما يمارس دينه عن طريق الشكل وليس الجوهر, فلا داعش قبضت الدين الحقيقي وبالتالي الواقع المعيوش, فكانت النتيجة انهيار تنظيمها, ولا الذين يتمسكون ويمارسون اليوم أو غداً ذكرى إحياء عاشوراء بهذه الطريقة المازوشية (تعذيب النفس), سيستطيعون إحياء ذكرى قيم الحسين في عاشوراء, والنتيجة ضياء الدين وقيم الحسين في عالم القشور والأسطورة والوهم واللامعقول.
د.عدنان عويد كاتب وباحث من سورية