ان الشريعة الاسلامية التي جاء بها خاتم الرسل (ص) تمتاز بأنها عامة غير محددة بزمان او مكان و كانت تهدف الى رقي الانسان و اسعاده و مراعاة مصالحه و تكريمه و ضمان حريته . و بإنسانية هذه الشريعة اصبحت عالمية و جديرة بالخلود و البقاء و الصلاحية و جاءت كذلك منسجمة مع الفطرة و هي شريعة نظرية سلطانها العقل و طريقها العلم و دليلها الواقع و يتعلق الامر باليسر و رفع الحرج في تكاليفها و احكامها و الدعوة الى تجنب الغلو و التطرف . و اجمعت ايضا بين العزائم و الرخص . اما بالنسبة لواقعيتها فتتجلى في عدة مظاهر منها الاعتماد في التشريع على القران و السنة و حتى العصور التي طبقت فيها ترجمت فيها الى سلوك عملي هو عصر النبي (ص) و خلفائه الراشدين المهديين و صحابته لقوله (ص) (( خير القرون ، القرن الذي فيه انا و اصحابي و الذين يلونهم و الذين يلونهم و هم التابعون و من تبعهم بإحسان الى يوم الدين )) و تجلت واقعيتها ايضا في شمول تشريعاتها لجميع مجالات الحياة الانسانية و وضعت لها احكاما بدءا من الحمل و الوضع و احكاما للاجهاظ و الحضانة و النفقة و احكاما في شبابه و كهولته و شيخوخته و احكاما له بعد وفاته مراعية في ذلك كله العمل الذي يقوم به الانسان من تجارة و صناعة و حكم و نظمها التي نزلت لجميع الاجيال و الاعصار و الامصار و باعتبارها رسالة عالمية ممتدة الى يوم الدين و انها تجمع بين الانسانية و المادية و الروحية و الوجدانية و السلوكية . هذا و بالإضافة الى واقعيتها فإنها جاءت كذلك متسمة بروح الاعتدال و الوسطية مصداقا لقوله تعالى ” و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول (ص) عليكم شهيدا ” و يقصد بكون الامة الاسلامية شهداء على الناس ان مقاييسها هي المقاييس الصحيحة و سننها هي السنن القويمة . اما ما يميزها كذلك هي و الرسول (ص) الرحمة لقوله تعالى ” و ما ارسلناك إلا رحمة للعالمين ” ان الشريعة الاسلامية لم تدع شيئا من الحياة الدنيا إلا وضعت له النظام الاوحد الذي لا نظام سواه من شأنه اخراج المكلفين عن دواعي اهوائهم لقوله تعالى ” كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد و يكفي في هذا الاطار الى الوضع الذي كان فيه الناس ايام الجاهلية و الوضع الذي كانوا عليه بمجيء الاسلام . و هكذا فانه بامتياز الشريعة الاسلامية بالتوازن و الوسطية جاءت جامعة بين الثابت و المرونة يقصد بها التطور فليست كالشرائع السماوية السابقة عليها التي تتسم بالثبات الدائم كما انها ليست كالقوانين الوضعية التي تتسم بالمرونة الدائمة .
اما الثبات في احكام الشريعة هي غير قابلة للتطور و التجديد و هو ما يطلق عليه من طرف علماء الاصول القاعدة القائلة لا اجتهاد مع وجود النص و يتعلق الامر بأصول الدين الاسلامي كأركان الاسلام و اركان الايمان و الاحسان في حين ان الاجتهاد يجوز في الفروع و الجزئيات دون الخروج عن الاصول الثابتة في الكتاب و السنة ، و من العلماء من اضاف الى هذه الاصول من حيث قضائها كالأمانة و الصدق و الوفاء بالعهد و الصبر و غيرها و بصفة عامة جميع القواعد التي اتت بها الشريعة . اما الفروع فقد ادن الله للبشر بدائرة الاجتهاد و الاستنباط و التقويم كالقياس و الاستصحاب و الاستصلاح . و يبدو ان الرسول (ص) اول من قام بالاجتهاد في المسائل المحدثة التي لم يرد في شأنها النص و تتجلى مشروعية الاجتهاد ايضا هو ما جاء عن عمر ابن العاص قوله (ص) ” اذا حكم احدكم فاجتهد تم اخطأ فله اجر و اذا اصاب فله اجران ” و كذلك قوله (ص) حينما اراد ان يبعثه معاد بن جبل الى اليمن كيف نقضي اذا لم يتوفر نص من الكتاب او السنة اجابه معاد بن جبل اجتهد و ضرب الرسول (ص) على صدره . و بناءا على ما ذكر فان الشريعة الاسلامية او الدين الاسلامي قلا يتسمان بالجمود خلافا كما يقوله البعض بل ان التاريخ الاسلامي يعرف تطورا منذ عهد الرسول (ص) و يمتد هذا التطور الى العصر الحالي الا ان ما الت اليه الاوضاع في الدول الاسلامية من انعدام الامن و الاستقرار هو عدم التمسك بالشريعة و هو ما اشار اليه الالباني في كتابه التصفية و التربية ، و يعني بالتصفية هو تصفية الاسلام من العقائد المخالفة له و تصفية كتب السنة من احاديث ضعيفة و الموضوعة و تصفية كتب التفسير من الاسرائيليات الهدامة و تصفية كتب الفقه مما فيها من احكام لايزال كثير من علماء الاسلام يتبنونه تم تصفية كتب الاخلاق و السلوك ” هذا و مما لاجدال فيه انه لا يجوز الاجتهاد إلا من كان مؤهلا و يتعلق الامر بالراسخين في العلم و عالما للكتاب و السنة و العلوم الشرعية و مواضيع اتفاق العلماء و اختلافهم ، و هم المشهود لهم بالكفاءة و التقوى .
هذا و انطلاقا مما سبق ذكره ان الاسلام قد جمع بين الثابت و المرونة ، غير ان هذا النوع من الثابت يحمل في طياته المرونة في التطبيق . و على سبيل المثال فان قاعدة الشورى لا تتغير و لكنها في التطبيق تختلف من عصر الى عصر و كذلك مبدأ الرضائية في العقود الذي هو من اهم المبادئ الاساسية في التشريع الاسلامي ، اما احكام القران الكريم في مجال المعاملات و ما يلحق بها بالكليان دون الجزئيات و التفاصيل من اهم الدلائل على مرونة الشريعة و قد نص الدكتور مصطفى السباعي على مرونة الاسلام في النواحي الثلاث كما يلي :
المرونة في مصادر التشريع كالقياس و الاستحسان و الاستصحاب تم اعترافها بسنة التطور في الحياة و ما تقتضيه من التطور دون ان يحول دون تحقيق مصالح الناس المشروعة التي تتجدد و تتطور في كل عصر و ان لا يمنع الناس ايضا من الاستفادة من تمار الحضارة التي يعيشون في ظلها و ان لا يقف في وجه الدولة و هي تضع القوانين و النظم التي يحتاج اليها الشعب لأمنه و رفاهيته و جعل من اجتهاد العقل اساسا في القضاء و المجلس العلمي الاعلى الذي يرأسه جلالة الملك و هو الجهة التي تختص بالفتاوى دون سواه في القضايا المعروضة عليه و التي ليس فيها نص في الكتاب و السنة . اذن فالاجتهاد اصبح الزاما عندما لم يوجد نص في القران او الحديث لمسايرة ما يحدث في القضايا المحدثة و المستجدة .