“الله أكبر، الله أكبر، أخونا وصديقنا، إن اليوم أصدقائك ومصاحبيك في نضالك الكبير في هذه الظروف الاستثنائية لنترحم عليك، وأنت ترحل عنا، لنترحم عليك ولنقدم التعازي لزوجتك الكريمة التي صاحبتك في السراء والضراء، وخاص في الظروف الأخيرة التي صاحبتك في مرضك لنعزي كذلك الأبناء وكل أفراد العائلة.
رحلت عنا بضعة أسابيع بعد رحيل صديقك الكبير عبد الرحمان اليوسفي رحمة الله عليه، الله تعالى اختاركم بجواره في نفس هذه الظروف الاستثنائية، ولعل ذلك لأنكم أنتما كنتما استثناء كبير، علاقة بينكم علاقة كانت احترام من طرفك وأصبحت علاقة صداقة وعلاقة وفاء وعلاقة ثقة متبادلة كل ذلك بطبيعة الحال وقبل كل شيء بفضل خصالك الشخصية، هدوئك الذي يعترف به الجميع، صمتك الذي فيه دائما رسالة يفهمها الجميع، تواضعك ورزانتك، وفوق كل ذلك وطنيتك وحبك لهذه البلاد وللمغاربة ومع كل ذلك الذين عرفوك يصفوك أولا وقبل كل شيء بالرجل الصامت الشجاع.
في نهاية الخمسينات وأنت تلميذ انخرطت في الحركة الوطنية بل ولدت في أحضانها منذ البداية اخترت التوجه الديمقراطي في إطار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان مرجعك في ذلك الوقت هو الشهيد المهدي بنبركة، وكنت منذ ذلك الوقت وبالضبط سنة 57-58 حاضرا في كل الأعمال النضالية، ومنذ البداية عرفت بنضالك وعرفت بمناضل صلب بمناضل واثق في اختياراته.
في بداية الستينات في الحركة الطلابية كان هناك مؤتمر أزرو و-مؤتمر أزرو هو منعرج أساسي في تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وصول جيل جديد لقيادة المنظمة الطلابية وكنت على رأس ذلك الجيل وتحملت المسؤولية أولا وقبل كل شيء لأول مرة كرئيس للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعشت عدة مواعيد سياسية ومعارك تاريخية كرئيس للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومساهم في المناقشات المرتبطة حول دستور 62 ومشارك مساند للانتخابات لسنة 1963 لجانب المهدي بنبركة الذي هو مرجعك، عقد الستينات هو العقد الذهبي للحركة الطلابية المغربية وللاتحاد الوطني لطلبة المغرب ووسط هذا العقد كنت حاضرا بتحركاتك كل تحركاتك لها صدى كبير في البداية في الجامعة وفي المجتمع وحتى في الخارج، في الستينات في عقد الستينات كنت نجم بدون منازع للطلبة المغاربة ما زلت أتذكر أنه رغم خروجك لأول مرة من اللجنة التنفيذية لسنة 1963 وسنة 63 سنة صعبة رجعت لتحمل المسؤولية في غياب الرئيس في ذلك الوقت مازلت أتذكر اهتماماتك الرائدة لقضايا التعليم. وأعتقد أن محمد الحلوي كان أول من اهتم بقضية التعليم والذين حضروا في مناظرة المعمورة لسنة 1964 يشهدون على الدور الأساسي الرائد الذي قمت به باسم الحركة الطلابية، بعد مناظرة المعمورة.. أشهد كذلك بدورك الرائد المغاربي في مؤتمر تونس وهو آخر مؤتمر لكونفدرالية طلبة المغرب العربي وهو آخر شيء قمنا به وأنت على رأسنا في ذلك الوقت لصالح المشروع المغاربي، ثم بعد ذلك تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لن ينسى أبدا حضورك ممثلا للجنة التنفيذية في مجلس الجامعة 64 الذي كان ترأسه مباشرة المغفور له الحسن الثاني، طبعا هذه التضحيات وكم قدمت من التضحيات الاعتقال الأول والثاني تضحياتك كان لها صدى جامعيا مغربيا ودوليا.
جاءت مرحلة التجنيد 1966 تعاملت معها بثبات وشجاعة وبصبر واعتبرت القوات المسلحة الملكية مدرسة احترمتها وتعلمت داخلها، بعد ذلك انخرطت في النضال الديمقراطي من مدينة الدار البيضاء أصبحت عنصرا أساسيا في هذا النضال الذي كان مهندسه عبد الرحيم بوعبيد وارتبطت شخصيا بعبد الرحيم بوعبيد، وكذلك ارتبطت بالشهيد عمر بنجلون، ولعبت دورك مع إخوان وأخوات آخرين في المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، وقبل ذلك فيما سميناه في الأدبيات الاتحادية بانتفاضة 1972 كنت من الذين ساهموا واستوعبوا العلاقة الجدلية بين التحرير والديمقراطية والاشتراكية.. استوعبت ذلك، استوعبت العلاقة بين قضية استرجاع الصحراء وقضية طرح التطور الديمقراطي، كما جاءت الانتخابات الأولى البلدية لسنة 1976 اعتبارا لمشروعك الديمقراطي تقدمت في الانتخابات ونجحت وكنت ضحية التلاعبات المعادية للديمقراطية.. ولكن أنت المدافع عن القانون وعن المشروعية بقيت واثقا في اختياراتك وبقيت سندا لهذه الاختيارات الديمقراطية بقيادة عبد الرحيم بوعبيد بقيت حاضرا بقوة بمدينة الدار البيضاء؛ ولكن إشعاعك كان مغربيا في استراتيجية النضال، وكنت حاضرا وفي نفس الوقت كنت من الأوائل الذين بشروا بثقافة حقوق الإنسان وربطت مع إخوان وأخوات آخرين النضال الديمقراطي بالنضال من أجل حقوق الإنسان.
الكثير من المحامين إخوانك الحاضرين هنا يعرفون أكثر مني كيف كنت محاميا، محاميا نزيها مستقيما فقيها مجتهدا وفي نفس الوقت بقيت مناضلا في الواجهة في الدفاع عن وحدة التراب وفي الدفاع من أجل تقدم المشروع الديمقراطي وفي إطار المشروعية كنت رمزا لكثير من الصفات رمزا لما نسميه دولة الحق والقانون رمزا للاستقامة رمزا للأخلاق من الذين يعتبرون بأن السياسة هي أولا وقبل كل شيء أخلاقا، رمزا للنظافة رمزا للوفاء، وفي نفس الوقت ومع كل هذا كنت دائما صلبا وفي نفس الوقت متواضعا ومناضلا..
وارتبطت بعد ذلك ارتباطا وثيقا، سياسيا أولا وشخصيا ثانيا، بالمرحوم عبد الرحمان اليوسفي، كنت من المساندين في توجهه لإدخال البلاد للإصلاحات كنت من المساندين لمنعرج حكومة التناوب؛ مساندا قويا لها.. وخلقت بينك وبين عبد الرحمان اليوسفي علاقة صداقة تحولت إلى علاقة ثقة كبيرة.. كل ذلك كما قلت سابقا بفضل مصداقيتك وأخلاقك ورزانتك وزادك المعرفي هذه المصداقية؛ وهذه الأخلاق وهذا الزاد المعرفي القانوني والحقوقي هو الذي جعل جلالة الملك محمد السادس نصره الله يعينك بأكبر مؤسسة للقضاء في البلاد؛ وهذا بطبيعة الحال تأكيد لهذه المصداقية ولهذه الأخلاق ولهذه المسيرة لهذه الحياة المليئة والعامرة التي كانت لصالح البلاد والعباد، لصالح المغاربة والمغرب. تركت سي محمد الحلوي الكثير من أجل أن نترحم عليك لأنك خدمت بلادك وخدمت المواطنين المغاربة ولا يمكن للمغاربة الشرفاء إلا أن يترحموا عليك وأن يودعوك وهم يشعرون بحزن كبير فرحمت الله عليك رحمت الله عليك رحمت الله عليك وإنا لله وإنا إليه راجعون”…