الإنسان في حاجة إلى الحرية كحاجته للماء والهواء، وكونه كائنا حيا جعله حرا تحديدا، إذ بدون حرية لا يمكنه أن يتطور، بل لولاها لكان مجرد شيء، كالكرسي والطاولة… لذا، فالحرية هي أهم شيء بالنسبة للإنسان.
بدون حرية لا يمكن للإنسان أن يتحاور مع نفسه ولا مع الآخر، ولا مع الوجود والغيب. وهذا ما يقتضي حرية الإنسان، لأنه لا معرفة ولا فكر بدون طرح الأسئلة، كما لا أسئلة بدون حرية، ولا حلم بدونها. لكن الإسلام السياسي التكفيري يرفض الحرية، لأن أغلب التكفيرين لم يقرأوا القرآن الكريم، وبذلك فهم لا يفهمونه، بل يعاكسونه عبر انغلاقهم ورفض الآخر ومحاربته… فمثلا نجد في القرآن حوارا بين الشيطان والله. لقد كان في إمكان الخالق أن ينسف الشيطان نسفا، لكنه أنصت إليه عندما امتنع عن السجود لآدم. هذا الحوار موجود في القرآن الكريم، وأطلب من التكفيريين وأتباعهم الذين يقفون ضد الحريات وحقوق الإنسان والمرأة أن يقرأوا هذا النص ويتمعنوا فيه علهم يعقلون ويغيروا مواقفهم.
إنهم يخشون العقل، لأنهم يعتقدون أن استعماله يمكِّن الإنسان من مساءلتهم فكريا، ما يفضي إلى كشف زيف ادعاءاتهم ورفضها. إن رفض استعمال العقل هو إلغاء للإنسان وتجريده من إنسانيته وإنتاجيته وإبداعيته وقدرته على استعمال خياله، وهذا ما يفسر عداء الجماعات التكفيرية للإبداع والفنون والعلوم.
يدل عداء التكفيريين المعاصرين للعقل على أنهم يسيرون على طريق فقه القرون الوسطى الإسلامي المنغلق الذي ناهض الاجتهاد وفصل العقل عن الوحي، ما زج بالمجتمعات العربية الإسلامية في مستنقع التخلف والكراهية والعنف والحروب المدمرة…
هكذا أدى الخوف من العقل إلى سيادة ثقافة التكفير والإرهاب في هذه المجتمعات، وهي ثقافة تقتل الإنسان والتفكير وحيوية الحياة.
فضلا عن ذلك، يتدخل التكفيريون في تفاصيل حياة الإنسان، حيث يمنحون لأنفسهم حق التدخل في عقله وضميره ومأكله ومشربه وملبسه وحميميته…
ثم إنَّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية تقيد الانسان وتجعله مقصرا في ممارسة الحرية، إذ لازال يخشى الحديث في كل الأشياء كما يراها. ويعود ذلك إلى أن المدى الحيوي لفكره وجسده غير متوفر في المجتمع العربي الإسلامي. وهذا ما جعل الإنسان في هذا المجتمع يعاني من عجز موضوعي، لأن الثقافة الطائفية والقَبَلِية السائدة في هذا المجتمع جعلته كذلك.
فوق ذلك، يعتقد التكفيريون أن المرأة كائن تابع للرجل، لأنها خرجت منه، ولذلك جعلوها أدنى منه درجة. فهي عندهم ليست موجودة بصفتها كائنا حرا مستقلا، سيد إرادته ومصيره.
وإذا تم اعتماد الدين، كما يتم تأويله من قبل جماعات الإرهاب التكفيري، مرجعا ثقافيا أساسا، فلا يمكننا أن نتقدم ولا أن ننشد الحق في الحياة ولا في الوجود. وما دامت المرأة مهمشة وغير حرة، ولا تملك الحقوق نفسها التي للرجل، فلا يمكن أن نتقدم، كما يصعب الانخراط في التحديث والبناء الديمقراطي.
نحن نجهل ذواتنا، ولا نعرف الآخر كذلك. لذلك، يبدو أن كل شيء عندنا يجب اكتشافه ومعرفته، بدءا من المرأة، فالمرأة موجودة في المخيٌلة، كما أنها موجودة في الوعد الإلهي، وهناك بشر يموتون من أجل هذا الوعد. والإنسان لن يكتشف ذاته، ما لم يكتشف المرأة.
الجمعة : 24 ماي 2019./18 رمضان 1440 هج