فرض المغاربة على أنفسهم واجب التحفظ الأخوي، في التعليق على شؤون الجزائر..
لكن لا أحد ينكر على المغاربة واجبهم، وحقهم أيضا في التضامن مع المناضلة وزعيمة الحزب التروتسكية لويزا حنون في محنتها الحالية..
الاعتبار الحقوقي، ولا شك، حاضر في تفاعل عاطفي، محكوم بالوفاء والرزانة مع التروتسكية المشاغبة، تلك التي يقول عنها الجزائريون، الذين يشغفون بالمواقف الشجاعة إنها» “الراجل” الوحيد« في البلاد، كانت استثناء دائما ورائعا في التعبير عن رفضها تقسيم المغرب، وتشكيل الدويلات على أطرافه أو في التراب الجزائري تمهيدا لذلك….
آخر مرة، كانت لها جولة مباشرة، مع الرئيس الذي فرض عليه الانسحاب، عبد العزيز بوتفليقة..
كان ذلك في 2015، وكان ذلك عندما استقبل الرئيس إياه زعيم الانفصاليين، استقبالا أثار الانتباه، وأثار غضبها، فطالبته باحترام وحدة المغرب، منتقدة استقباله لـ ” زعيم البوليساريو ” في العاصمة الجزائرية.
حنون وفي تعليق لها على الاستقبال قالت، حسب ما أوردته صحيفة العرب اللندنية، “ليست من أولويات الجزائر في الوقت الحاضر”، مؤكدة أن “البحث عن أجواء سياسية جيدة، يمكن من إعادة الدفء إلى العلاقات الجزائرية المغربية، وهو ما يجب على الحكومة الحالية أن تتوجه إليه”.
رئيسة حزب العمال الجزائري قالت إنها تعبر “عن موقف عدد كبير من الجزائريين الرافضين لسياسة البلاد الحالية تجاه قضية الصحراء المغربية”، مؤكدة أنها تدافع عن “وحدة التراب المغربي كاملا” ، و “رافضة لانفصال الصحراء عن المغرب”.
لويزة حنون كانت قد كشفت الغطاء عن «الإجماع» المفتعل حول الموقف من وحدة المغرب داخل الجارة الشقيقة، عندما أعلنت في حوار لها مع الصحافة وقتها» وجود قسم من السياسيين في الجزائر الآن بدأ في النضج والوعي بمخاطر الموقف الحالي للسلطة التي تدير البلاد الآن«، في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، مؤكدة أن “كل من يتفق معها في الموقف الداعم للوحدة المغربية، يمتلك رؤية استراتيجية في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة، بعيدا عن إرهاب الجماعات الإسلامية ومخاطر التقسيم، لأن الجزائر بدورها سوف تكون مهددة بالتقسيم”.
كثيرا ما يتم تشبيهها بروزا لكسمبورغ Rosa Luxemburg المنظّرة الماركسية والفيلسوفة والاقتصادية والاشتراكية الثورية، سيدة الثورة التي تزعمت الجناح الراديكالي من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، سيدة الثورة التي عارضت نظرية لينين حول كون الحزب الشيوعي أداة البروليتاريا المطلقة لتحقيق دكتاتورية البروليتاريا، سيدة الثورة التي عارضت نظريته في حق القوميات في تقرير مصيرها…، السيدة التي أسست “عصبة سبارتاكوس” ، وعارضت الحكومة السوفياتية، قبل أن يغتالها الجيش الألماني.
لويزا حنون، هي النسخة المغاربية لهذه السيدة النموذجية..
ولويزا هي السيدة الأولى في الجزائر التي تقدمت للانتخابات الرئاسية منذ 2004، بل أول امرأة في العالم العربي تدخل انتخابات جدية في بلد معروف بنزعته العسكرية في السياسة وفي الحياة..
وهي المرأة الأولى في الجزائر التي ستعتقل مع عدد من كبار العسكريين والمسؤولين في الجزائر، مع أولى المظاهرات الشعبية الكبيرة في الجزائر الحرة.
وهي المرأة الأولى في عائلتها التي دخلت المدرسة، بولاية جيجل ..
التروتسكية التي بدأت مناضلة نسائية، ترعرعت في المنظمة الاشتراكية للعمال، التي دخلت بسببها السجن في 1986، عندما كان نظام الحزب الوحيد يسير نحو الانهيار، وقبل أكتوبر 1988 الذي عرف انتفاضات كبيرة أدت الى التعددية السياسية..
لم يعرف عن السيدة أي نزوع نحو الصمت المتواطئ، وكانت ترفع صوتها ضد كل الشطط وهي التي نعتت قايد صالح بأنه يسعى إلى تمصير الجزائر وتقليد السيسي في تحويل بلادها إلى ثكنة سياسية مفتوحة على العبث والدم معا..
لم تعتد الهروب من المعارك مهما كانت الهزيمة قاسية، بل لعل الهزيمة الانتخابية في نظام قائم على زواج النفط والجزمات، طريقة أساسية في تعريف الأزمة التي تعيشها بلادها.
أزمة تقول عنها إنها أخلاقية، أولا ثم اقتصادية ثانيا واجتماعية ثالثا..
لقد كانت تجد الصوت، في زمن الغبار الذي اكتنف البلاد أيام الحزب الوحيد، وهو الصوت الذي قادها مرارا إلى السجن، كما قادها إلى الناس بخطابها الذي يجمع البساطة إلى عمق التحليل، وبإصرارها العنيد على دخول معتركات خاصة بأقوياء النفوس..
ربما صقلتها الرياح وهي تنشر النار في بيت عائلتها أيام الاستعمار في بلدة الشكفة..
أو صقلتها المياه، وسط أسرة من سبعة أبناء، وأب خباز وأم ربة بيت..أو صقلتها الطريق وهي تحمل أثاث العائلة وترحل إلى عنابة شرق البلاد قادمة إليها من القبايل..
ربما صقلها قتل الأب، ذاك المثال الرائع في حياتها الذي انتهى به المطاف إلى خصومتها بعد أن عصت رفضه متابعتها للدراسة الجامعية، وضدا عليه تابعت مسار الجامعة..
ولكن من المؤكد أن مسارها شحذته في الزنازن وفي معتقلات سرية للأمن العسكري الرهيب، الذي كان يزلزل الكيان في الجزائر الصعبة، جزائر الحزب الوحيد والزعيم الوحيد والعسكر الوحيد.
لقد قررت لويزا حنون أن تقاطع الانتخابات عندما أعلن أن بوتفليقة سيقدم ترشيحه الخامس، أعربت أن العملية لا معنى لها، ولما رحل الرئيس عن لائحة الترشيح، اعتقلت بدعوى لقاء أخيه سعيد بوتفليقة ولقائها مع جنرالات مقالين.
لا يهم بالنسبة لمن يرى في مواقفها القوية إزاء بلادنا، مناسبة إعلان صارخ بالتضامن: لا يمكن إلا أن نشعر بأننا معنيون بها، هنا في القطاع الشعبي المغربي..
هناك في موقفها المتفرد والعلني الجريء، عظمة أخلاقية لا يمكن أن يخطئها شعب المغرب، الذي قدر البطولات والعظمة الأخلاقية، والشرف المبدئي، المعنوي والسياسي.
وكل من يعرف صناعة التكتل والمتاريس الغوغائية المناهضة للمغرب، يدرك -ولا شك- البصمة المتميزة للسيدة الوريثة للتروتسكية العربية..على الجهة الشرقية من بلادنا..
وقدرتها على تفجير المكبوت السياسي والأخلاقي وسط الشعب الجزائري الشقيق، وبالأخص نخبته المنساقة ..
هنا يمكن أن نتحدث بالقاموس التروتسكي، ونتحدث فعلا عن الاستقلالية الروحية، في الدفاع عن المبادئ والمواقف التي لا يقبل بها النظام الحاكم…، لقد حررها الشعب الجزائري في كل مرة، عندما كانت تعتقل ويراد لصوتها أن ينام في حلقها، مثل شبهة!
حررها وتحرر معها، في كل مرة سيل جارف من الاندفاعة الأخوية والأنوثة الثورية التي ترفع الموقف إلى مرتبة التاريخ..
من واجبنا أن نجعل من الاعتزاز بمواقفها والدفاع عن حريتها واجبا أخلاقيا وأخويا، لا تمليه السياسة الداخلية للجزائر، بل تمليه العواطف المغاربية والإنسانية للمغاربة.
إنه نوع من السخط الأخلاقي، بلغة روزا لكسمبورغ، الذي يشعر به المغاربة إزاء اعتقال صوت حر وواضح في فترة عصيبة ومتلبدة بالحسابات وبالسحب العسكرياتية والنفطية..
صوت ليس هو الحلقة الأضعف كما يعتقد من أمر بالاعتقال، بل هو الدليل الأخلاقي على ما يجب أن تفكر فيه بلاد تبحث عن طريق سلمية نحو الضوء والانتقال الديمقراطي الناجح….
طبعا، لقد قالت لويزا ما قالته، والنظام تماسك حول رئيسه وحول قوته. ولهذا، فإن مواقفها اكتسبت قوة من قوة الناس التي تعارضه وتنتقد روحه الانقسامية والانفصالية إزاء المغرب..
ولا يفضل بنا أن نقدر وضعها بوضع بلادها الآن، ولا أن نقيم القياس مع الموقف الرسمي بعدم التدخل، وهو موقف حكيم يجب أن ينتبه إليه من يشرف على الشأن العام، بل بميزان الاعتراف، ميزان الامتنان إلى صوت حر ورزين ولا يخاف في وحدة المغرب لومة لائم……
الاثنين 20 ماي 2019.