بعدما انطلق الحراك الشعبي في تونس سنة 2011 امتد الى مصر حيت جدور الاخوان المسلمين و من بعد تسرب الى سوريا واليمن و ليبيا و هو ما يطلق عليه بالربيع العربي . و اذ افضى هذا الحراك في تونس الى مغادرة رئيسها بن علي البلاد و اعتقال حسن مبارك رئيس مصر و اغتيال القدافي رئيس ليبيا و علي عبد الله صالح رئيس اليمن ، اما بشار الاسد فبات يصارع الهوان في سوريا حيت تسعى جماعات تنسب نفسها للإسلام في تأسيس تنظيمات ارهابية معلنة رغبتها في اقامة دولة في العراق و الشام و هي المعروفة بداعش . و استطاعت بسط تصدرها في صفوف اغلب الحركات الاسلامية في العالم العربي الاسلامي .

و قبل ان يضع الاقتتال اوزاره و استثبات الامن و الاستقرار في البلدان المشار اليها ، اندلع الصراع بين دول الخليج انطلاقا من المملكة العربية السعودية في اول زيارة لها من طرف ترامب رئيس الولايات المتحدة الامريكية و اخيرا اندلع الحراك في السودان و الجزائر اما المغرب فيشكل استثناءا و الاردن بشكل اقل . و يبدو مما لا شك فيه ان مصير هذا الحراك ما زال مجهولا في عمقه و اهدافه . انما الشيء الذي افرزه الربيع العربي هو توغل الحركات الاسلامية في المجتمعات العربية الاسلامية بعدما فشل شعارها الاسلام هو الحل و اختلفت في كيفية الوصول الى اقامة دولة الاسلام و تبنى اغلبها فكرة الحل السياسي السلمي القائم على احترام قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية التي كانوا يكفرونها و يقبلون بالمشاركة في الانتخابات و هذه طريقة اخوان المسلمين في مصر و المغرب و بعضها تبنى العنف و الارهاب و هي طريقة الهجرة و التكفير المنشقة عن جماعة الاخوان إلا ان الانظمة السياسية الاستبدادية تتصدى لها بكل الوسائل كالسعودية التي اصبحت تحتل الصدارة الاولى في انتهاكات صارحة لحقوق الانسان و اعتقالات تعسفية و كل من يعارضها ، و الملاحظ ان علماءها كعائد القرني اصبحوا يفتون بالتفتح على الغرب و القبول بمظاهر تتنافى مع التعاليم الاسلامية و يعتبر هذا ردة لا يجب القبول به اطلاقا من طرف كل مسلم . كما تم الاتفاق بين اغلب دول المعروفة بمحاربة الارهاب تنوه بالتجربة المغربية في محاربة الارهاب انجع تجربة يقربها العالم الغربي بالأساس و ان كان الارهاب اخطر ظاهرة على العالم إلا ان التنظيمات الارهابية التابعة للجماعات الاسلامية و لم يتم القضاء عليها بصفة نهائية لكنها تتسببت في تشويه الدين الاسلامي الحنيف حتى سمي من طرف اعداءه بالاسلامفوبيا اي الرعب و الخوف من جهة و بسط النفود الاجنبي الغربي و التدخل في شؤون البلدان العربية الاسلامية من جهة اخرى و كان اخطرها هو صرف النظر عن القضية الفلسطينية و القضاء عليها و الاقرار بإقامة دولة اسرائيل في ارض فلسطين و هو ما يطلق عليه بصفقة القرن تم حل التطبيع مع اسرائيل بدل الصراع العربي الاسرائيلي و ازداد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني و الحال انه لا يجب موالاة من غضب الله عليهم و جعل منهم القردة و الخنازير . كما ان السعودية  و بايعاز من ترامب الذي يسعى للقضاء على النظام الشيعي الايراني ، و الحقيقة ان الربيع العربي فلم يفضي الى اقامة انظمة سياسية ديمقراطية تصون الحقوق و الحريات ، اما بالنسبة للمغرب فانه يشكل استثناءا في امنه و استقراره يجب الحفاظ عليه ، و يبدو ان المغاربة يتتبعون باهتمام بالغ ما يجري في الجزائر بحكم الجوار و الخلاف بينه و بين حكامه حول قضية الصحراء المغربية . لذلك فيتعين علي كمغربي اتحادي ان اتناول موضوع الحراك الشعبي في البلد الشقيق الذي ما زال مستمرا بعد مضي الجمعة الرابعة عشر  التي يخصصها الشعب الجزائري في تظاهراته و مسيراته السلمية حول ازالة نظام بوتفليقة و رموزه . و قبل الشروع في التفاصيل اشير الى ان المشاكل التي يعاني منها الشعبين كانت من مخلفات الاستعمار الفرنسي للبلدين . ذلك ان المغرب كان البلد الوحيد الذي لم تتولى حكمه الحركة الوطنية التي قادت المعركة من اجل الاستقلال الى جانب المقاومة و جيش التحرير و هي التي تقدمت بوثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 و بمساندة الملك محمد الخامس و ولي العهد انداك الحسن الثاني رحمهما الله . و الاتحاد الاشتراكي هو امتداد لحركة التحرير الشعبية و واصل معارضة سياسة المستعمر الجديد الذي تولى الحكم حيت تعمل لخدمة مصالحها و مصالح الاستعمار و استفادت من الامتيازات و احتكار الثروات و المواقع على حساب الشعب و المد الثوري ، اما الوطنيون المعبرون عن مطامع الشعب فاصبحوا مطاردين و محكوم عليهم بالإعدام او السجن او مفقودين بالمرة . اما بالنسبة للجزائر ، فان الذين قاموا بالكفاح المرير و البطولي الذي خاضه الشعب الجزائري طيلة  مدة احتلاله مند 1830 حيت عرفت الثورة خلال هذه الفترة الطويلة مخاضا عسيرا افضى الى الضغط على الاستعمار الفرنسي من طرف الجماهير الجزائرية و في طليعتها جيش التحرير الوطني لاختصار مراحل الاستقلال . و في نوفمبر 1954 التحقت بالثورة جبهة التحرير الوطني و هي السنة التي تعتبرها انطلاق شرارة التحرير التي مهد لها حيت واصلت طيلة سبع سنوات و كأنه فاتحة عهد جديد قد قطع كل صلة بالماضي و تعمل على اضفاء الشرعية على حكم جبهة التحرير الوطني و بعد الاستقلال سنة 1962 تولى الرئاسة احمد بن بلة و كان بوتفليقة عضوا في حكومته و بعد الانقلاب الذي قاده هواري بومدين استمر بوتفليقة وزير الخارجية في حكومته . و عاشت جبهة التحرير بين السراب و الحقيقة حيت ان جيش التحرير الوطني هو الحاكم الفعلي و كانت الجبهة الجناح السياسي الذي ينصب في الحكم و هو الواقع الى الان . و هو الذي سماه بن بركة اتناء تناوله الوضع في الجزائر بجبهة التحرير بين السراب و الحقيقة في كتابه الاختيار الثوري اما محمد حربي المؤرخ الجزائري في كتابه الثورة الجزائرية سنوات المخاض حيت اشار الى ان افرازات الثورة بقي من المحرمات فكل تفاديها كان  معتدلا يعد كفرا و يضيف انه كيف يمكن للمرء ان يرضى بإلغاء التاريخ و بإفراغه من كل محتواه فكيف الى حد يعيد قدرة الجزائريين على فك رموز حاضرهم و تصور مستقبلهم ، كيف لا نسأل من جديد ماضي حركة التحرير لنكشف تلك الفترات الحاسمة التي تحطم تطور مخالف الذي عاشته الجزائر و عليه فان نوفمبر 1954 هو وليد فكر مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية و الواقع ان هؤلاء و يقصد بهم عناصر الجبهة لم يفعلوا سوى اخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي تعيشه انذاك  فتملكوا الماضي الطويل لكفاح الجزائريين . و هذا الوضع يشبه الوضع في المغرب فور الاستقلال ، و حكام الجزائر هي مجموعة تشكل الجبهة الحزب الوحيد  في البلاد الذي لا يعرف الديمقراطية و التعددية الحزبية اطلاقا . و استولت على الثروات و اختلست الاموال ” قضية بوصوف مثلا ” و غيره .و تم القضاء على جبهة الانقاد الاسلامية بعد فوزها في الانتخابات سنة 1988 في عهد بن جديد بعد ما تم اغتيال بوضياف الذي اوتي به من المغرب لانقاد الجزائر من الازمة . اما بالنسبة للحراك الشعبي السلمي للشعب الجزائري الذي ما زال مستمرا افصح عن مطالبه بكل وضوح و هو اسقاط نظام بوتفليقة الذي حكم البلاد مند سنة 1999 و رموزه سواء تعلق الامر بالقادة العسكريين و المدنيين . شارك في الحراك جميع شرائح الشعب الجزائري من قضاة و محامين و عمال و غيرهم و يطالبون بتشكيل مجلس تأسيسي لصياغة الدستور من الشعب يشرف على الانتخابات و اقامة نظام ديمقراطي ، الا انه رغم استقالات و اعتقالات و الوعود فان رموز نظام بوتفليقة لا يمكن القضاء عليه بسهولة و لا يمكن الجزم بالنجاح او تصوره بالنظر الى ان الجزائر الان مرشحة لكل الاحتمالات . و كل الوعود الرامية الى التوافق و التنازلات لا يستبعد ان تكون مناورات و خداعات و اساليب ملتوية ذلك ان الشعب الجزائري لا يتوفر على تجربة سياسية في معارضة نظام الحكم كما ان الحراك كان عفويا لم يكن مؤطرا و لا احد من الاحزاب تتزعمه و تقوده و احتمال الاصطدام مع العسكر الذي ينادي به عبد القادر بن صالح رئيس الاركان الجيش و كذالك الحراك . لكن الملاحظ عليه ان الحراك  لم يضمن مطالبه قضية احياء الاتحاد المغاربي و لا موقفه من قضية الصحراء و اعتبارها مغربية لإنهاء الصراع في شأنها .

و هكذا فيجب علينا كمغاربة التزام الحياد و ترك الامر للشعب الجزائري لتقرير مصيره مع الحذر و الاستعداد لاي احتمال يفرزه الحراك و التعامل معه انداك بما يليق به ان جنحوا للسلم فسنكون اول من ينادي اليه و ان كان العكس فالشعب المغربي برئاسة الملك محمد السادس قادر على حماية امته و استقراره و مواصلة تقدمه و ازدهاره .

 

وارزازات : ذ . علي المرابط الورزازي     .

الثلاثاء : 14 ماي 2019.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…