روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وأخرجه مسلم بلفظ : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين .)
قال تعالى ـ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ) سورة البقرة 185 ..
عجيب أمر هذه الأمة بلغت برسالة الإسلام التي هي خاتمة للوحي الإلهي و للناس كافة يفترض فيمن بلغت له أن يرعاها حق رعايتها ويبلغها على الوجه المطابق لروح وجوهر الدين عقيدة وسلوكا وأخلاقا واختيارا دون إكراه ، وأن يعمد علماؤها وفقهاؤها وأولوا الأمر إلى الوسطية والعقلانية والحكمة والعلم المتجدد ومراعاة الأحوال الثقافية والعرفية والتراثية الخاصة بالمخاطبين حتى تكون المعرفة متنورة وشفافة تخاطب الوجدان والعقل والمنطق على حد سواء ، إلا انه مع كامل الأسف ساهم العديد بعد وفاة الرسول ومنذ خلافة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وبعدهما في جعل التشدد و التعصب والإكراه والتكفير والتفسيق هو الباب الذي يطغى في التعامل بين مكونات نفس الأمة وفي علاقتها بالأمم الأخرى حتى أصبحت الرؤية غير واضحة عند المسلمين والعديد من أصحاب الرسالات السماوية وعند الناس كافة الذين يتعرفون على الإسلام أو تصلهم أخبار المومنين به و الذين كفر بعضهم بعضا حتى أصبح من الصعب أن تعرف من هو المؤمن فيهم،ومن هو المسالم ومن هو الإرهابي وترتب على ذلك قتل بعضهم بعضا عبر التاريخ في مجازر عبثية وهمجية وجاهلة طالت حتى خيرة العلماء والمفكرين مازالت تفعل أفاعيلها إلى يومنا هذا ..
إن الإسلام وضع للدين أركانا يقوم عليها منها صيام شهر رمضان الذي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هدى ورحمة للناس كافة ، هذا العمل التعبدي والروحي يستهدف ترويض وضبط النفس لعقلنة الأفعال والأقوال ،ولتهذيب السلوك الفردي في علاقة مع الذات وفي علاقة بالآخر بأن يمتنع ويكف عن كل أشكال الظلم والتضليل والتجهيل والعبثية ، و أن لا ينتهك حقوق الناس ولا يأكل أموالهم بالباطل ولا يضيق على حرياتهم ولا يتطاول على أعراضهم ، ولايبخس الناس أشياءهم ومبادراتهم وطموحاتهم ، وأن لا يسلبهم مكتسباتهم ولايعطل مطالبهم المشروعة ،ولا يبتزهم ، ولايسلط عليهم سياسات تفقر وتهمش ، ولا يحرمهم من حقوقهم الشرعية والإنسانية ، قال الرسول الكريم (ص) (مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه). رواه البخاري وقياسا على هذا
فمن لم تنهه صلاته وحجه و.. عن الفحشاء والمنكر فلاصلاة له ولا صيام ولاعبادات ولا كل اشكال التقرب إلى الله التي حولها البعض إلى وسائل للنصب والإحتيال والتضليل عند المنحرفين الذين يقتحمون مجالات الشأن الديني والسياسي لغايات يعرفونها جيدا لكنها تتسبب في إفساد أوضاع الناس وتضر بمصالحهم ..
إن من معانى رؤية الهلال مراقبة تنمية مراتب النفس المتعقلة ، ومراقبة مسارات تنمية المجتمع والمؤسسات ومراقبة السياسات العمومية المؤسساتية و الترابية والخدماتية ..وكل ما له علاقة بالحياة اليومية للشعب .. تعلق الأمر برمضان أو كل أشهر السنة وفق التقويم القمري الهجري التي ترتبط بالأهلة ويشترط وفق نظام العديد من الدول الإسلامية بمراقبة الهلال للتاكد من الرؤية لدخول شهر جديد وإكمال الثلاثين إن تعذرت الرؤية بسبب الغمام واحوال الطقس المعيقة للرؤية جاء في الحديث : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) صحيح مسلم .
إلا أن الإشكال المتعلق بالغمام عولج قديما وما زال يدبر بنفس الطريقة وهذا أمر غير سليم يدل على أن الآراء الفقهية أصبحت جامدة تعطل رحابة الإجتهاد المحمود في علاقة بالعلم الذي تطور بشكل كبير في جميع المجالات حيث يجعل الرؤية علمية وصحيحة بعيدا عن شك يحجب بإتمام الثلاثين ولو أن الهلال موجود خلف السحاب ، وهذا يطرح إشكالات عدة تتعلق بحقيقة ودقة ولادة الشهر التي لايمكن اعتمادها في علوم الكون والفضاء الحديثة التي وصلت درجات من الدقة في الأزمنة والأمكنة تصل إلى أرقام فلكية في الثانية الوحيدة تضبط تموقع الكواكب والنيازك في الفضاء الكوني اللامتناهي وحتى المجرات ..
إن الأمة المسلمة أصبحت أوطانها جغرافيا متلاصقة من شرق الشرق الأوسط حتى المغرب يمكن ويصح فيها اعتماد الرؤية بالعين المباشرة في كل بقعة منه وبنائها وربطها بتحويل الإختصاص في الرؤية لعلماء الفلك الممتلكين لتقنيات ومعارف العلوم الحديثة والكونية نظريا وعلميا والذين يضاهون كبار العلماء في العالم وذلك من أجل أن نصوم ونحتفل بالأعياد وأهم المحطات التاريخية في أمتنا في يوم واحد ، وأن نمنح صدقية لتأريخنا وتوثيقنا بدل تحري تاريخ الأحداث في الشرق في علاقته باليوم الذي يوافقها عندنا في الغرب ..
وفي علاقة بموضوع رؤية الهلال نسائل الجميع عن مدى مراقبة النفس والمجتمع والحكومات لرؤية أهلة العدالة الإقتصادية والإجتماعية والتقدم والتنمية الشاملة ،، هل الرؤية ممكنة ؟ أم أن سوء الأحوال الجوية السياسية تحجب ليس رؤية هلال التطور والتحضر فقط بل تحجب قمر وشمس الحق الذي جاءت به الرسالات السماوية من أجل البشرية ويمنع الطيران للحاق بركب الدول الرائدة التي أصبحت تراقبنا بالأقمار الصناعية كما ترقب السماء ..
إن كل الرسالات جاءت لاخراج الناس من الظلمات الى النور ولإزالة الغمة عن القلوب والعقول والأنفس ،، وجاءت لتعلم الناس آليات فهم أمور دينها وعيشها من حفظ النفس والعرض والنسل والدين ،، و من هذا المنطلق فأوجب الواجبات في زماننا هذا أن على المسؤولين الحكوميين والقيادات المؤطرة للمواطنين والمواطنات وهم يقومون بإدارة وتدبير الزمن العمومي والخاص أن يتركوا جانبا كل السياسات التي ظهر للناس أنها غير موفقة و لم تزد الأحوال والأوضاع إلا فشلا وتأزما وتعقيدا ،، فإن كانت الرؤية عندهم لأحوال الكادحين وعامة الشعب غير واضحة فليتنحوا جانبا لإفساح المجال لمن يفكر ويرى بقلبه وعقله وروحه ويعيش آمال وآلام الشعب في تفاصيلها وخصوصياتها ..وصدق رسول الله عندما قَالَ : ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ .) .متفق عليه
تارودانت : الأربعاء 02 رمضان 1440 هج/الموافق ل :08 ماي 2019.