ما أن يقترب شهر رمضان حتى يتجند الجميع كل حسب طاقته ومستواه المادي وانتمائه الطبقي إلى المشاركة في مسابقة ليست من فلسفة رمضان ولا من سياسة ترشيد الإنفاق في الدين وكل المذاهب في كل الشرائع والرسالات السماوية ،، حيث تشهد فضاءات الأسواق المختلفة التقليدية والعصرية والشعبية وحتى التي لايلجها إلا الخاصة ممن لا تهمهم الأثمنة وإن بلغت الحد الأدنى لأجر الموظف بالوطن في تسويقة واحدة ،، كما يتسابق التجار الكبار والمتوسطون والصغار والباعة الجائلين والفراشة والعديد من فئات المجتمع التي تبدع وتجدد في صناعة وإعداد منتوجات منافسة لما هو معروض بالواجهات الراقية والبسيطة وبأثمنة أقل تستقطب الفقراء والمساكين وأصحاب الدخل الضعيف هربا من الغلاء ليعمدوا إلى نفس السلوك الذي يسميه العامة ب “اللهطة ” بطعم الكدح تجهز على ما جمع من دريهمات بكد وجهد عظيم في جزء من ساعة من نهار ،،، هذه البدائل التجارية الشعبية تستفز وتغضب الذين يؤدون الضرائب والأكرية وأجور العمال بمحلاتهم لأنهم يرون بأن ذلك مزاحمة غير مشروعة لهم تضاف إلى ثقل الضرائب والرسوم الجبائية وفوترة الكهرباء والماء والكراء وأجور المساعدين ، إلى جانب الإحتكار الذي يمارسه بعض من الكبار والمضاربين مما يجعل الأسعار قياسية تلحق الخسارات الجسيمة بالناس الذين ابتلوا بإنفاق زائد عن اللزوم والحاجة ، هذه الحالة تكشف عن عدم قدرة الحكومة على تنظيم السوق والأثمنة وضمان الوفرة ..
إن هذا الشهر المبارك الذي يهدف إلى جعل الجميع يعيش حالات الجوع والعطش والإمتناع عن الأكل للشعور بحالة الفقراء الذين لايجدون قوت يومهم طوال سنوات هي عندهم عجاف تحول إلى شهر يتنافس فيه الناس على إفراغ الشهر من معانيه ودلالاته كما أفرغوا جيوبهم وأرهقوا طاقاتهم وقدراتهم المحدودة ..
إن هذا التنافس المخالف لدروس الصيام ينخرط فيه بنسب لايستهان بها المسؤولون وخاصة منهم المهتمين بالسياسات العمومية وكذا البعض من المنظرين للتنمية البشرية والإقتصاد الإجتماعي و… وحتى من الذين يقدمون الوعظ والإرشاد ولا يبخلون على الناس بالنصح والإستدلال بالأحاديث وسير السلف الصالح ..
فأين يكمن الخلل ؟
الظاهر أننا أمة توهم نفسها بأنها تستطيع مجاراة بعض الأثرياء في إسرافهم وإنفاقهم وتبذيرهم بما يتناسب مع دخلهم الهزيل والمتوسط ، فينفق الفقير كل ما يملك ويثقل كاهله بديون فيكون ضحية للسياسات اللاشعبية وضحية ل “لهطته”.
الثلاثاء : 08 ماي 2019./الموافق ل02 رمضان 1440هج.