ابن عبدالوهاب .. وتأصيله لمسائل التكفير والقتل

بقلم عبد الحكيم الصادق الفيتوري

لقد تم الاتفاق بين الإمام ابن عبدالوهاب واالأمير بن سعود حول قيام دولة الشراكة بينهما ،في إطار الشرطين المذكورين في ديباجة الاتفاق من طرف ابن سعود ؛الأول:أن لا يرتحل عنهم وأن لا يستبدل بهم غيرهم.والثاني:ان لا يمانع الشيخ في أن يأخذ الحاكم وقت الثمار ما اعتاد على أخذه من أهل الدرعية!! وافق الإمام ابن عبدالوهاب على الشرطين بقوله ،أما عن الشرط الأول:ابسط يدك أبايعك..الدم بالدم،والهدم بالهدم.أما عن الشرط الثاني فقال له:لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها!

وبهذا الاتفاق بين رجل السيف ورجل القلم ، أو الحلف بين الأمير والإمام ، قامت دولة آل سعود بمشاركة آل الشيخ،وهي بهذا الاتفاق يمكن لنا تصنيف جهود ابن عبدالوهاب ضمن الحركات السياسية الدينية بدون إضفاء القداسة عليها وعلى أقوال وأفعال مؤسيسها ، كذلك بدون تحقيرها وتحقير جهودها في الدعوة إلى التوحيد . ولعل قراءة بنود الاتفاق بروية يكن مدخلا مناسبا لتحليل قضية التكفير والقتل في الفكر الوهابي ، فقد جاء في ديباجة الاتفاق ..ابسط يدك .. أبايعك ..الدم الدم .. الهدم الهدم .. يفتح لك الفتوحات .. فيعوضك من الغنائم . نحاول تحليل هذه الكلمات عبر نقاط ثلاثة ،النقطة الأولى:بيئة الاتفاق.النقطة الثانية:اعتماد ابن عبدالوهاب على فكر ابن تيمية.النقطة الثالثة: تأصيل مسائل تكفير وقتل المناؤين لهذا الأتفاق ..الدم الدم !!

النقطة الأولى: بيئة الاتفاق:

تم الاتفاق بين الشيخ ابن عبدالوهاب المطرود من منطقته(الاحساء)والتي غادرها مضطرا إلى منطقة العيينة ، حيث رجم فيها امرأة جاءته معترفة بذلك،فكتب أمير الأحساء إلى أمير العيينة رسالة يأمره فيها بقتل ابن عبدالوهاب،كذلك كتب علماء المنطقة إلى أمير العيينة يشككونه في دعوته ، فالح أمير العيينة على ابن عبدالوهاب أن يخرج إلى حيث أراد ، فخرج الشيخ من العيينة وتوجه إلى الدرعية مقر إمارة آل سعود !!

وقد تم الألتقاء بين ابن عبدالوهاب ؛الباحث عن سلطة تأويه وقوة تحميه ، مع ابن سعود الباحث كذلك عن قوة شرعية تعضد سلطانه،وتثبت حكمه ،وتجرم الخارج عليه، وتمكنه من تجييش الرعية لمحاربة خصوم سلطاته في المنطقة…وقد كان!! حيث قال الأمير:أبشر ببلاد خير من بلادك،وابشر بالعز والمنعة.فقال الشيخ:وأنا أبشرك بالعز والتمكين،وهذه كلمة لا إله إلا الله،من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد . ثم اشترط الأمير على الشيخ شرطين :1-أن لا يرتحل عنهم وأن لا يستبدل بهم غيرهم. 2-أن لا يمانع الشيخ في أن يأخذ الحاكم وقت الثمار ما عتاد على أخذه من أهل الدرعية . فأجاء جواب الشيخ : أبسط يدك ابايعك .. الدم بالدم ، والهدم بالهدم …. لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها !! علما بأن ذلك كان قبل بداية دعوته ونشرها في ربوع البلاد !!

لأجل هذا لم يكن عسيرا على ابن عبدالوهاب،بعد أن اعتبر ابن تيمية ولاية المتغلب،وشرعية الانتظام في صفوفه،والقتال تحت رايته،وسحق مخالفيه ؛ أمر جائز شرعا وعقلا وعرفا ، لأنه الواقي من بعبع(الفتنة)وقد قيل(سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم)!!ولهذا قال ابناء الشيخ ابن عبدالوهاب:(وصارت ولاية المتغلب ثابتة كما إليه أشرنا، ووقع اتفاق من ينتسب إلى العلم لديكم على هذا …فلا جرم قد صار العمل على هذا والاتفاق.ثم توفى الله سعودا واضطرب أمر الناس …واختار أهل الحل والعقد من حمولة آل سعود ، ومن عندهم ومن يليهم ، نصب عبدالرحمن بن فيصل،وذلك صريح في عدم الالتفات منهم إلى ولاية غير آل سعود)بل والتبراء من كل الولايات الأخرى(.. ونبرأ إلى الله من موالاة الشريف ، وأهل نجران جميعا)!!

قد لا نفتقر إلى إيراد الأدلة التي تشير إلى إمكانية هذه الرؤية عند الفكر الوهابي مادامت مصنفات ابن تيمية المعتمدة لدى الفكر الوهابي طافحة بإجماعات ونماذج تؤصل هذه الرؤية في جانبيها الديني والسياسي.ولعله ليس من المناسب استرجاع تلك المفردات والاجماعات التي تم ذكرها في مقالات سابقة،وأعود إلى الاتفاق الذي تم بين ابن عبدالوهاب وابن سعود،وسوف أضرب عن شرح مفردات الاتفاق صفحا لآن المقال لا يحتمل التفصيل .واترك القاري اللبيب في ضوء العلاقة الجدلية بين الدال والمدلول أن يتدبر ويكشف عن شبكة العلاقات بين مفردات الاتفاق في أجوائها المكانية والزمانية …الدم الدم .. الهدم الهدم ..فتوحات .. وغنائم . دم من ؟ وغنائم من ؟!

ومهما يكن من مستوى إدراك القاري لكشف شبكة علاقات مصطلحات هذا الاتفاق الديني السياسي فإن مصنفات الحركة الوهابية تضعنا أمام روابط واضحة لتلك المفردات بين الدال والمدلول، وتمييز مفاهيم مقاصدها.فقد سئل أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب:من لم تشمله دائرة إمامتكم،ويتسم بسمة دولتكم،هل داره دار كفر وحرب على العموم ؟ فأجابوا :… وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله ، والعمل بفرائض الله،وأبى أن يدخل في ذلك،واقام على الشرك بالله،وترك فرائض الإسلام،فهذا نكفره ونقاتله ، ونشن عليه الغارة ، بل بداره ؛ وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا ، بل الذي نتحقق ونعتقده:أن أهل اليمن ،وتهامة ،والحرمين ، والشام ، والعراق ، قد بلغتهم دعوتنا .

ولم تكن هذه فتوى عابرة بل أصل أصيل،فهذا حمد بن عتيق أحد كبار علماء الحركة ينكر على من لم يأخذ من أموال أهل الأحساء،حيث قال: بلغني وساءني،وعسى أن يكون كذبا وهو:أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء التي تؤخذ منهم قهرا،فإن كان صدقا فلا أدري ما عرض لك، والذي عندنا أنه لا ينكر مثل هذا،إلا من يعتقد معتقد أهل الضلال ، القائلين أن من قال لا إله إلا الله لا يكفر… وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون،أن البلد إذا ظهر فيها الشرك،وأعلنت فيها المحرمات،وعطلت فيها معالم الدين،أنها تكون بلاد كفر ، تغنم أموال أهلها ، وتستباح دماؤهم … !!

وليس أهل حائل بمنأى عن مقتضيات هذا الاتفاق السياسديني ،فقال:وجب قتالهم على جميع المسلمين ، لخروجهم عن الطاعة ، حتى يلتزموا ما أمرهم به الإمام من طاعة الله تعالى !!

ومن المعلوم أن أهل اليمن،وتهامة،والحرمين،والشام،والعراق،والأحساء،وحائل فيهم من العلماء ..والعباد ..والعوام .. فهل يجوز فيهم الدم الدم .. والفتوحات … والغنائم .. وتغنم أموالهم ، وتستباح دماؤهم ؟!! ألا يبرر هذا ذلك التساؤل المشروع حول حقيقة فكر الحركة الوهابية ، هل هو فكر تجديد أم فكر تقليدي حنبلي ؟ وهل هي حركة دينية أم سياسية وظفت الديني ؟ ولماذا أضفي ثوب القداسة على علمائها ومصنفاتها ؟

لأجل ذلك لم يبق أمام المسلم العاقل ، كي ينجو من الاغتيال العقلي إلا أن يوطن نفسه دوما على نزع ثوب القداسة على البشر ومصنفاتهم وافكارهم ، ويلتزم الأدب والاحترام معهم عند قراءة تجاربهم وأفكارهم على اساس أنها إنتاج بشري تدخل في إنتاجه عوامل عدة ؛ سياسية وعرفية ومذهبية ينبغي مراعاتها .

النقطة الثانية: اعتماد ابن عبدالوهاب على فكر ابن تيمية:

لم يتردد ابن عبدالوهاب في الاستنجاد بفكر ابن يتمية والمدرسة الحنبلية  تبريرا لشرعية الوقوف مع أمارة ابن سعود بذكر الإجماع على ولايته،ودفعا لأطروحات مخالفه باستحضار الاجماع على سحق الخارجين على ولايته السياسية أو الدينية. وقد أشرت إلى ذلك في المقال السابق(ابن تيمية والتنظير السياسي).وفي هذا المقال نذكر اعتماده على فكر ابن تيمية في مسائل التكفير وكيف تم توظيف فكر الشيخ في سحق المخالفين لإمارة ابن سعود سياسيا ودينيا !! نورد لك بعض النماذج توضح حجم تأثير الفكر التيمي على الفكر الوهابي خاصة في مسائل التكفير وهذا بعض مراسلات الشيخ مع علماء زمانه.

– من محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم .. حيث قال له وقبل الجواب : نذكر لك أنك ، أنت ، وأباك ، مصرحون بالكفر ، والشرك ، والنفاق .. وأني ارسلت لك رسالة الشيخ تقي الدين ..

-وقد قال ابن تيمة في اقتضاء الصراط المستقيم : من ذبح لغير الله ، وسمى الله عليه عند الذبح ، أنه مرتد تحرم ذبيحته …

– انظر كلام ابن تيمية في التفرقة ، بين المقالات الخفية ، وبين ما نحن فيه ، في تكفر المعين ، وتأمل تكفيره رؤوسهم ، فلانا وفلانا بأعيانهم ، وردتهم ردة صريحة ، وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع ، على ردة الفخر الرازي عن الإسلام ، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة .

-قال الشيخ تقي الدين ، لما سئل عن قتال التتار، مع التمسك بالشهادتين ، ولما زعموا من اتباع أصل الإسلام ، فقال:كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة،من شرائع الإسلام الظاهرة،المتواترة،من هؤلاء القوم،أو غيرهم،فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه،وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين ، وملتزمين بعض شرائعه .. وعلق ابن عبدالوهاب على كلام ابن تيمية بقوله: فتبين لك: أن مجرد الاعتصام بالإسلام ، مع عدم التزام شرائعه ، ليس بمسقط للقتال، وأنهم يقاتلون قتال كفر ، وخروج عن الإسلام !!  فتأمل كلامه وتصريحه:بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام ، أنهم يقاتلون ، ويحكم عليهم بالكفر والردة عن الإسلام ، وتسبى ذراريهم ، وتغنم أموالهم ، وإن أقروا بوجوب الزكاة ، وصلوا الصلوات الخمس ، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة ، وأن ذلك ذلك ليس بمسقط للقتال لهم ، والحكم عليهم بالكفر والردة .. !!

– وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ، فإن تكفير الشخص المعين ، وجواز قتله ، موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية ، التي يكفر من خالفها ..

-وقد حكى كفرهم ابن القيم في كافيته .. وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه في غير موضع أن السلف متفقون على تكفير من قال كذا.. وذكر تقي الدين ابن تيمية الاجماع على أن مرتكبه مشرك كافر يقتل ..

-وقال المجد ابن تيمية ،الصحيح:أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية،فإنا نفسق المقلد فيها .. 

وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة ، فقد صرح تقي الدين ابن تيمية في مواضع كثيرة بكفر اصحابها ، وقتلهم بعد الاستتابة ،ولم يعذرهم بالجهل ، مع أنا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها ..!!

النقطة الثالثة: تأصيل مسألة تكفير وقتل المخالف في الولاية السياسية أو الدينية !!

قد أشرت في مقال سابق بأن الشيخ ابن تيميه رحمه الله كانت له فتاوى تكفيرية في مقبل عمره ، ثم تراجع عنها في أخر عمره ، حيث صرح بأنه لا يكفر من حافظ على الوضوء والصلوات الخمس ، فهل الشيخ ابن عبدالوهاب تعامل مع مصنفات الشيخ بدون مراعاة لتلك الاعتبارات والفوارق الزمانية ؟!

المهم واللافت للنظر أن فكر الحركة الوهابية اعتمد على تلك الأرضية التيمية بدون فرز للسياقات التاريخية واعتبار بعد الزمان والمكان والسابق واللاحق من فتاوى الشيخ رحمه الله ، حيث ترتب على ذلك ظهور حزمة من قضايا التكفير والقتل التي مهدت السبيل إلى توسيع فقه إدانة المخالف وتحقيره وتهميشه ، وتكفيره وقتله ، مما جرى على الأمة ويلات من التمزق والتناحر والاختلاف ليست بخافية على ذي بصيرة !!  

نورد بعض من تلك الحزمة التكفيرية التي كان لها أثر كبير في اشباع وجدان متلقيها دينيا بحق ممارسة أصدار أحكاما دينية تدين المخالف ؛ من تبديع وتفسيق وهجر وتكفير والقتل إن لزم الأمر ، ومن هذه الفتاوى .

– سئل الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، قال السائل : سميتم المسلم الجالس بين أهله وولده ببلده مشركا كافرا،وقد سماهم الله مؤمنين في سورة(الفتح).فأجاب: إن الله تبارك وتعالى قد بين لنا في كتابه أن المراد بذلك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يقدرون على الهجرة .

-أكثر السلف يرون قتل الداعية إلى البدعة ، لما يجري على يديه من الفساد في الدين ، سواء قالوا إنه كافر ، أو ليس بكافر !!

-فمن قال: إن التلفظ بالشهادتين لا يضر معهما شيء ، أو قال من أتى بالشهادتين وصلى وصام لا يجوز تكفيره ، وإن عبد غير الله فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر !!

-وسائل عن السنوسي الذي في ليبيا ، فقال: السنوسي ليس من أئمة السنة والجماعة ..فقد صنف كتابه أم البراهين على مذهب الاشاعرة ، وفيها أشياء كثيرة مخالفة ما عليه أهل السنة .

-فهذا ضال مخطيء ، بل نص الأئمة على أن من قال ذلك فإنه يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ..

-وإذ كان أصل هذه المقالة ، مقالة التعطيل والتأويل مأخوذة من تلامذة المشركين ، والصابئين ، واليهود ، فكيف تطيب نفس مؤمن أن يسلك سبيل هؤلاء المغضوب عليهم والضالين ..

-فالممثل يعبد صنما ، والمعطل يعبد عدما .. وبالجملة فمن قال : إن الله في السماء ، وأراد أنه في جوف السماء ، بحيث تحصره وتحيط به ، فقد أخطأ ، وضل ضلالا بعيدا …

-ومن لم يقر بأن الله على عرشه استوى ، فوق سبع سماوات ، بائن من خلقه ، فهو كافر ، يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، وألقي على مزبلة ، لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ، وأهل الذمة !!

-وسئل الشيخ عبدالرحمن بن حسن ، عن الجهمية والرافضة ، والمعتزلة . فأجاب : لا ريب أن هذه الفرق الثلاث هي أصل ضلال من ضل من هذه الأمة … فهذه الطوائف الثلاث ، هم أصل الشر في هذه الأمة ..

-أما بعد : فقد وردت علينا اسئلة من عمان ، صدرت من جهمي ضال .. وأما أورده هذا الجهمي الجاهل …

-قال الشيخ عبداللطيف قدس الله روحه ، ونور ضريحه ، إلى محمد بن عون ، اعانه الله على ذكره وشكره ، ووفقه للجهاد في سبيله ، ومراغمة من تجهم ، أو نافق ، أو أرتد ، من أهل دهره وعصره !!

*السب والطعن في المخالف: إذا عرف هذا : فإحدى الورقتين ، المشار إليهما –جاءته من عمان-ابتدأها الملحد الجاهل ، بسؤال يدل على إفلاسه من العلم ويشهد بجهالته وضلالته ..ولو وقف هذا الغبي .. وعبارته نبطية أعجمية .. فهذه كلمة ملحونة أعجيمة جاهلية ..

– وأما من جحد لفظ:الاستواء ولم يؤمن به ، فهو ايضا: كافر ؛ وكفره أغلظ وأفحش من كفر من قبله ؛ وهو كمن كفر بالقرآن كله …

-فما أجرأهم ! وأما أكفرهم! وما أضلهم عن سواء السبيل !

*الاستبداد والإقصاء العلمي :من عبداللطيف بن عبدالرحمن ، إلى عبدالله ، فقد بلغني عنك ما يشغل كل من له حمية إسلامية ، وغيرة دينية على الملة الحنيفية وذلك:أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب الإحياء للغزالي ؛ وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ، ووسائل الكفر والشقاوة ؛ واسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة ، والتأويلات الضالة الخاسرة ، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين ، والفلسفة في أصل الدين . وأنت قد خالفت سبيل السلف ، وخرجت عن مناهجهم ، وضللت المحجة ؛ وخالفت مقتضى البرهان والحجة .. ما أقبح الحور بعد الكور … وينبغي للإمام أيده الله : أن ينزع هذا الكتاب ، من أيديكم ؛ ويلزمكم بكتب السنة من الأمهات الست وغيرها .. (قلت:معلوم أن الغزالي يعد المنظر الثلاث لعلم الأصول بعد الشافعي والجويني ، بل أصول الحنابلة(روضة الناظرلابن قدامة) هو في حقيقته مختصر كتاب المستصفى للغزالي !! تصور أن العقل الوهابي لم يحتمل تدريس كتاب الإحياء واستعان في منعه بالسلطة الدينية والسلطة السياسية ؛ الفتوى والسيف ، فكيف لو كان هذا الكتاب كتاب ديكارت أو منتسيكو أو غيره ؟!!)

*اللعن والتكفير :ويقول ابن بطين ، والكلام الآن فيما عليه أهل وحدة الوجود ابن عربي وابن الفارض والتلمساني وإخوانهم ، فنقول: مذهب هذه الطائفة الملعونة  .. وقد أحسن من قال من السلف : إن كفر هؤلاء ، أغلظ من كفر اليهود والنصارى ؛ وقد قال ابن القيم :

حاشا النصارى أن يكونوا مثلهم     وهم الحمير ، أئمة الكفران

هم خصصوه بالمسيح ، وأمه    وألاء ما صانوه عن حيوان .

-من محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم … ولا يخفاك أني عثرت على أوراق ، عند ابن عزاز فيها اجازات له من عند مشايخه ، وشيخ مشايخه ، رجل يقال له عبدالغني ، ويسمونه العارف بالله ، وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي ، الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون ، حتى قال ابن المقري ، من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر .

– من ابن عبدالوهاب إلى سليمان بن سحيم ، نذكر لك أنك أنت ، واباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق … وأنت إلى الآن أنت وأبوك ، لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله ، أنا أشهد بهذا شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة ، أنك لا تعرفها إلى الآن ،ولا أبوك .

*قتال المخالفين :سئل الشيخ:عبداللطيف بن عبدالرحمن ، عن قتل المشرك الحربي . فأجاب : لا يمنع المسلم من قتل المشرك الحربي ، ولو كان جارا للمسلم ، أو معه في الطريق ، إلا إذا أعطاه ذمة ، أو أمنه أحد من المسلمين …

-وذهبت إلى ما ذهب إليه أخوك فرعون (ما أريكم إلا ما أرى ..)فزعم عدو الله أنه واعظ مذكر ، قبحه الله من واعظ ومذكر .

-واعتمدت في ذلك على قول إخوانك الكفرة ، الذين من قبلك .

-ولا لنا دأب إلا قتال أعدائنا ، ولا لنا مأكل إلا من أموال الكفار

-يرد الأمير سعود بن عبدالعزيز على والي بغداد بقوله: الحمد لله على مشيين(خروجنا)إلى الأحساء ، ونحن في ذلك نجمع لكم الجموع ولا لنا همة غير ذلك . وقولك: إنا أخذنا كربلاء ، وذبحنا أهلها ، وأخذنا أموالها ، فالحمد لله رب العالمين ، ولا نتعذر من ذلك ونقول( وللكافرين أمثالها). والممشى الثالث: نحرناك في راس الهندية ..أقمنا بها قريبا من عشرين ليلة ، نأخذ ونقتل من رعاياك الحاضر والبادي ، والأثر يدل على المؤثر ؛ أنظر ديارك الفلاحين والبوادي ، من بغداد إلى البصرة ، كم دمرت من الديار ، ولم يبق فيها أثر ولله الحمد والمنة … وأرجو أن تموت على ملتك النصرانية ، وتكون من خنازير النار إن شاء الله !!

*ومن لم يكفر الكافر فهو كافر:فمن لم يكفر المشركين من الدولة التركية ، وعباد القبور ، كأهل مكة وغيرهم ، وبدل سنة رسوله بالبدع ، فهو كافر مثلهم ، وإن كان يكره دينهم ، ويبغضهم ، ويحب الإسلام والمسلمين ؛ فإن الذي لا يكفر المشركين غير مصدق بالقرآن ، فإن القرآن قد كفر المشركين ، وأمر بتكفيرهم ، وعداوتهم وقتالهم.

– قال بن عبدالوهاب : من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم ، كفر ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من دعا علي بن أبي طالب ، فقد كفر ، ومن شك في كفره ، فقد كفر .

-قد أخبر الله سبحانه : بجهل كثير من الكفار ، مع تصريحه بكفرهم ، ووصف النصارى بالجهل ، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ، ونقطع : أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون ، فنعتقد كفرهم ، وكفر من شك في كفرهم .

-ويقول : إن مظاهرة المشركين ، وإعانتهم على المسلمين ، بيد أو بلسان أو بقلب أو بمال ، فهذا كفر مخرج من الإسلام .. وبهذا يتبين لك: أن جهاد أهل حائل ، من أفضل الجهاد ، ولكن لا يرى ذلك إلا أهل البصائر ..!!

* سبي نساء المخالفين : وسألوا أبناء الشيخ ابن عبدالوهاب عن السبي ؟ فاجابوا : أما سبي مشركي العرب ، فاختلف العلماء في ذلك ، فبعضهم لا يرى سبي مشركي العرب جائزا ، وبعضهم يرى جواز ذلك ، وهو الصواب .

*تكفير المعين : ولكن أنت – أي بن سحيم وهو من العلماء المخالفين للحركة الوهابية-رجل جاهل مشرك ، مبغض لدين الله ، وتلبس على الجهال الذين يكرهون دين الإسلام ، ويحبون الشرك ، ودين آبائهم ..

-من محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن عيسى وابنه : وبعد ذكر لي أحمد ، أنه مشكل عليكم الفتيا بكفر هؤلاء الطواغيت ، مثل أولاد شمسان ، أولاد إدريس ، والذين يعبدونهم ، مثل طالب وأمثاله … (الخلاصة حكم بكفيرهم وتكفير من لم يكفرهم)

-من ابن عبدالوهاب إلى ابن ربيعة: فإن استقمت على التوحيد ، وتبينت فيه ، ودعوت الناس إليه بعدواة هؤلاء ، خصوصا ابن يحيي ، لأنه من أنجسهم ، وأعظمهم كفرا ، وصبرت على الأذى في ذلك ، فأنت أخونا وحبيبنا ..

-من ابن عبدالوهاب إلى بن عبدالكريم:..بل عبارته –ابن القيم- صريحة واضحة، في تكفيره مثل ابن فيروز ، وصالح بن عبدالله ، وأمثالهما ، كفرا ظاهرا ينقل عن الملة ، فضلا عن غيرهما .

-قال ابن عبدالوهاب: فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه: أن يفهم كلام الله ورسوله … بل إذا بلغه كلام الله ورسوله ، وخلا من شيء يعذر به(في المسائل الخفية)، فهو كافر . فاعلم : أنهم أغلظ كفرا من اليهود والنصارى ، هذا وهم يقومون الليل ويصومون النهار ، ويقرؤون القرآن …  

-تبين:أنا لو لم نكفر إلا المعاند العارف لزمنا الحكم بإسلام أكثر اليهود النصارى ، وهذا من أظهر الباطل ، فقول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة ، يدل من كلامه على أن هذين الأمرين ، وهما : التكفير ن والقتل ، ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا ، بل على بلوغها ، ففهمها شيء ، وبلوغها شيء أخر.  فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة ، لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين البطلان !!

-يقول ابن بطين : كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد ، فهو مشرك كافر بلا شك .

-وسئل عبدالله بن عبداللطيف،عمن لم يكفر الدولة(التركية)ومن جرهم على المسلمين ، واختار ولايتهم ، وأنه يلزمهم الجهاد معه . والآخر لا يرى ذلك كله ، بل الدولة ومن جرهم بغاة ، ولا يحل منهم غلا ما يحل من البغاة ، وأن ما يغنم من الأعراب حرام ؟

فأجاب: من لم يعرف كفر الدولة(التركية) ، ولم يفرق بينهم وبين البغاة من المسلمين ، لم يعرف معنى لا إله إلا الله ، فإن اعتقد مع ذلك : أن الدولة مسلمون ، فهو أشد وأعظم ، وهذا هو الشك في كفر من كفر بالله ، وأشرك به ؛ ومن جرهم وأعانهم على المسلمين ، بأي إعانة ، فهي ردة صريحة .ثم قال:ومن لم ير الجهاد مع أئمة المسلمين(آل سعود) سواء كانوا أبرارا أو فجارا ، فهو لم يعرف العقائد الإسلامية

-وأما إباضة أهل هذا الزمان ، فحقيقة مذهبهم وطريقتهم : جهمية ، قبوريون ، وإنما ينتسبون إلى الإباضة انتسابا ، فلا يشك في كفرهم وضلالهم ، إلا من غلب عليه الهوى ، وأعمى الله عين بصيرته ، فمن تولاهم فهو عاص ظالم ، يجب هجره ومباعدته ، والتحذير منه ، حتى يعلن بالتوبة ، كما أعلن بالظلم والمعصية .

-وأما الإباضية في هذه الأزمان ، فليسوا كفرقة من أسلافهم ، والذي يبلغنا أنهم على دين عباد القبور ، وانتحلوا أمورا كفرية ، لا يتسع ذكرها هنا ، ومن كان بهذه المثابة فلا شك في كفره ، فلا يقول بإسلامهم إلا مصاب في عقله ودينه !!

*عدم الصلاة خلف المخالف: يقول ابن عبدالوهاب : .. ومن جادل عنهم ، و أنكر على من كفرهم ، أو زعم أن فعلهم هذا ، لو كان باطلا فلا يخرجهم إلى الكفر ، فأقل أحوال هذا المجادل ، أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته ، ولا يصلى خلفه . بل لا يصح دين الإسلام ، إلا بالبراءة من هؤلاء ، وتكفيرهم !!

-سئل الشيخ عبداللطيف عما أورده بعض الملحدين : أنه نسب عن شيخ الإسلام ، أنه ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يصلي خلف الجهمية … الخ . فأجاب: …الرواية المشهورة عن الإمام أحمد هي المنع من الصلاة خلفهم … وقد صرح أحمد أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها ن وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين ،إذا كانت لهم شوكة ودولة ..

-وأما ما ذكرته(حديثه عن الإباضية):من استدلال المخالف بقوله صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا) وأشباه هذه الأحاديث ، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة ، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري …فأما الجهمية وعباد القبور ن فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم ، إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام .

-وأجابوا ايضا : لا تصح إمامة من لا يكفر الجهمية ، والقبوريين ، أو يشك في تكفيرهم ، وهذه المسالة من أوضح الواضحات … وقد حكى كفرهم ابن القيم في كافيته عن خمسمائة من أئمة المسلمين وعلمائهم .

-ونحن نكشف لك هذا كشفا بينا ، لعلك تتوب إلى الله ، وتدخل في دين الإسلام ، إن هداك الله ، وإلا تبين لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر ، حالكما ، والصلاة وراءكما ، وقبول شهادتكما ، وخطؤكما ، ووجوب عداوتكما ..(1)

هذه بعض ملامح تأصيل الفكر التكفيري في الحركة الوهابية التي ساهمت بصورة كبيرة في اشباع وجدان المتلقي لها في واقعنا المعاصر في الانجراف في تيار تفسيق وتكفير وقتل المخالف !! ونحن في هذه السلسلة لا ندعو إلى الانحرافات العقدية ولا عدم الدعوة إلى التوحيد ، ولا القدح في العلماء ومكانتهم العلمية رحمهم الله جميعا ، ولكنها مساهمة في فهم دقيق لقضايا التكفير وانتشارها في المنطقة بأسرها ، بغية تقديم معالجة ناجعة من قبل العقلاء وأهل التخصص لهذه الإشكالية الخطيرة .

___________________________________

1-مراجع هذه النقولات ، انظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، مجموعة رسائل ومسائل علماي نجد ، ومن عصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى عصرنا هذا . جمعه عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي الحنبلي . – وانظر : موسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، مانع بن حماد الجهني .

ثبت بعض المراجع الأساسية لهذه السلسلة (مباحث في فهم أزمة العقل السلفي )، علما بأنني سوف أذكر كل المراجع بالتفصيل ؛ كأرقام الصفحات ،والطباعة ،ودار النشر ، والمؤلف ، وذلك عندما تخرج هذه السلسلة على هيئة كتاب مستقل :

-الدرر السنية في الأجوبة النجدية .

-الموسوعة المسيرة الاديان والمذاهب والفرق .

-مصنفات ابن تيمية درء تعارض العقل والنقل ، مجموعة الفتاوى ، الفتاوى الكبرى .

-الإسلام وفسلفة الحكم .

-تطور الفكر السياسي .

-غياث الأمم في التياث الظلم .

-الإبانة عن أصول الديانة .

-ابن تيمية واستئناف القول الفلسفي في الإسلام .

-الفكر الأصولي واشكالية السلطة العلمية في الإسلام .

-إعمال العقل .

-تكوين العقل العربي .

-إعلام الموقعين عن رب العالمين .

-قوانين الفكر الإنساني .

-الدرر الكامنة .

-البداية والنهاية .

-ابن تيمية والولاية السياسية الكبرى .

-السياسية الشرعية في إصلاح الراعي والرعية … وغيرها من المراجع والمصادر .

موقع نقد معرفي

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…