رابطة علماء المسلمين تستنكر الاحتفال الجمالي الذي جرى بمعهد الأئمة والمرشدين ، تلاه بيان من الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتضمن نفس الإنكار مع تحذير شديد بالفتنة والعذاب الأليم، وإن لم أفهم لمن التحذير وأي أمر يحذر منه..
الرابطة والاتحاد بهذين البيانين الشديدي اللهجة، الهيئة الأولى بمرجعيتها ومكوناتها السلفية، والثانية بمرجعيتها الإخوانية وهواها السلفي، يمثلان نموذج التدين المشرقي وإن كان على رأس الثانية فقيه مغربي اشتغل على مقاصد الشريعة وألف فيها، وهذان البيانان لا يخرجان عن السياسة القديمة التي ينتهجها شيوخ المشرق حين يعتقدون أنهم أوصياء على كل المسلمين في تدينهم، وأن لهم من الحق ما يسمح بتحديد ما يجوز وما لا يجوز ذبا عن العقيدة وحفاظا على الدين برأيهم.
لا زلنا نذكر ما أثاره الشيخ يوسف القرضاوي من ضجة حين أباح للمغاربة شراء المساكن عن طريق البنوك التجارية، قياسا على المسلمين في الغرب الذين كان القرضاوي قد أجاز لهم سابقا ذلك اعتمادا على فتوى الأحناف بجواز الربا بدار الحرب، وما أعقب ذلك من ردود فعل لحد إصدار المجلس العلمي الأعلى بيانا وردا شديدا على الشيخ.
هي حلقة أخرى إذن، أساسها اعتقاد هؤلاء الشيوخ أن ما يرونه هو النسخة الصحيحة والوحيدة للإسلام، وأن على المسلمين في شرق الأرض وغربها الاتباع، دون أي مراعاة لخصوصية أي بلد، حتى لو كان بلدا كالمغرب، له تجربته الدينية الخاصة، المؤسسة على تراكم تاريخي ممتد لقرون طويلة، وعلى مراعاة لطبيعة المنطقة وعوائدها وأعرافها الضاربة في القدم، وعلى تنوع عرقي وتقارب حضاري لم تعرفه المناطق الأخرى.
لقد انتهى زمن البعثات الشرقية والغربية، ولا يمكن لشخص أو هيئة أو مؤسسة مهما كانت صفتها أن تملي على المغاربة ما يفعلون، وأن تحدد لهم ما يجوز و ما لا يجوز، خاصة وأننا عانينا بل لا نزال نعاني نتائج فتح الأبواب لهذه التيارات، لتنشر اختياراتها الدينية المتشددة، ولتؤطر جيلا بكامله على ذلك الشكل من التدين، وقد كانت النتيجة تطرف وإرهاب وتوترات مجتمعية، لم يكن يعرفها المغرب قبل الغزو السلفي المدعم بالمال والمصالح المشتركة.
لابد من القطع المطلق مع سياسة تدخل المشارقة في ما يختاره المغاربة لدينهم، كما لا يتدخل المغاربة في تدين الآخرين المنسجم مع طبيعة المنطقة وخصائص أهلها، ولا بد من الوعي بأنه إن كان الدين واحدا فإن التدين أنواع، حسب الخصائص التاريخية لكل بلد وطبيعته الجغرافية والاجتماعية.
كما ينبغي الوعي بأن حملات التهييج التي يمارسها البعض احتجاجا على لوحة جمالية بديعة من الخطر بمكان، فاللعب على عواطف الناس تجاه معتقداتهم، وتجييشها لصالح موقف معين، من شأنه زرع بذور الفتنة والتطرف، وإن كنت أستغرب جدا أن بعض من وظفوا هذه الشعبوية لحشد الناس تجاه مخالف لهم، هم أنفسهم من يسمون اليوم من يعارضهم او ينتقد مسلكهم بالذباب… ولله في خلقه شؤون.
الثلاثاء : 02 أبريل 2019.