هذا السؤال، هو عنوان مقال صحفي للكاتب والباحث المغربي الهولندي ، فؤاد العروي، نشر يوم 13 مارس 2019 في موقع Le 360. ونظرا لأهميته، فقد فكرت في تعريبه تعميما للفائدة، وإسهامنا في الجدال الدائر عندنا، حاليا، حول لغة (أو لغات) التدريس (محمد إنفي).
يقول فؤاد العروي، جوابا على السؤال /العنوان أعلاه:
“القرار الذي اتخذته الجامعات الهولندية القاضي بالتحول إلى اللغة الإنجليزية لم يثر أي جدال.
توجد بهولندا ثلاث عشرة جامعة. وهي مستقلة تمام الاستقلال: الدولة تموِّلها لكنها تترك لها حرية التقرير في ما تقوم به، وما تدرسه، ومن تُشغِّل فيها، الخ. ولذلك، فهي توجد في وضع جيد في الترتيب الدولي. وواحدة منها، Wgeningen، تعتبر الأفضل عالميا في مجال تخصصها، وهو الهندسة الزراعية.
ما هي لغة التدريس في هذه الجامعات؟ لنوضح، بداية، ما يلي: اللغة الهولندية، لغة غنية ومرنة، بحيث تصلح للشعر كما تصلح للعلوم. وأول جائزة نوبل في الكيمياء كانت من نصيب مواطن هولندي (J.H.van ‘tHoff)، سنة 1901. وفي السنة الموالية، تقاسم مواطنان هولنديان آخران ( Lorentz et Zeeman) جائزة نوبل في الفيزياء. ومنذ ذلك التاريخ، تمكن نحو عشرين من سكان الأراضي المنخفضة من الحصول على أعلى جائزة تمنح في المواد العلمية.
ولما تقرر، في سنة 1969، إحداث جائزة نوبل في الاقتصاد، فقد كان أول من حصل عليها هولندي (Jan Tinbergen). وبعد ذلك بأربع سنوات، سوف يحصل أخوه Niko على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب. وآخر المتوَّجين من الهولنديين بجائزة نوبل، هو زميلي المتخصص في الكيمياء Ben Feringa؛ وكان ذلك قبل سنتين.
وكل هؤلاء الرجال الاستثنائيين درسوا باللغة الهولندية؛ مما يبرهن على أن هذه اللغة لا تطرح أي إشكال في اكتساب المعرفة.
ومع ذلك…
ومع ذلك، يقول العروي، فقد حضرت الاثنين الماضي اجتماع مجلس إدارة جامعة أمستردام (المصنفة بين الـ 50 جامعة الأفضل في العالم)، الذي ناقش إمكانية التحول، في التدريس، نحو اللغة الإنجليزية. لنسجل أن إحدى جامعات هذا البلد (جامعة Maastricht) قد خطت هذه الخطوة، بحيث يتم التدريس فيها حصريا باللغة الإنجليزية. وقد قررت جامعة أمستردام، في النهاية، أن تصبح جامعة مزدوجة اللغة هولندية/إنجليزية. فكل المواد العلمية سوف تدرس بلغة Shakspeare.
لماذا؟ وأؤكد، مرة أخرى، أن اللغة الهولندية لا تشكل أي عائق أمام اكتساب المعرفة في أية مادة من المواد. إن ما يبرر هذا التحول إلى اللغة الإنجليزية، هي اعتبارات نفعية خالصة: إن الأمر يتعلق بجلب الطلبة من كل بقاع العالم. فالطالب الصيني والبرازيلي والغاني سوف يسجلون أنفسهم، هنا، بكل سهولة إذا كانت الدروس تلقى باللغة الأكثر تداولا في العالم. ثم إن التبادل مع جامعة هارفرد (Harvard) أو “الميت” [Le Massachusetts Institute of Technology – MIT] أو أكسفورد (Oxford)، سيكون ميسرا.
وهاهي النقطة الأكثر أهمية: إن القرار المتخذ من قبل الجامعات الهولندية القاضي بالتحول إلى اللغة الإنجليزية، لم يثر أي جدال، ولم يتم تبادل أية شتائم في البرلمان؛ كما لم يتم لعن أية جهة. فلا أحد تحدث عن الشيطان أو عن مؤامرة “مدبرة” من قبل “مكاتب” أجنبية.
لماذا؟ ببساطة، لأنه لا أحد أدخل اعتبارات إيديولوجية أو دينية أو مزايدات قومية في النقاش. فالأمر يتعلق بمشكل واقعي، وقد تم حله واقعيا.
فهل من الطوباوية أن نتطلع إلى أن نصل يوما، نحن المغاربة، إلى معالجة المسألة اللغوية بنفس الطريقة: طريقة واقعية، هادئة وذكية؟”
مكناس في 22 مارس 2019