سألني أحد الأصدقاء عن معنى الجدل, هل هو النقاش السفسطائي بين المتحاورين أم هو شيء آخر؟.
الجدل في صيغته اليونانية القديمة, هو الجدل السفسطائي. والسفسطة أو السفسطائية هي مذهب فكري فلسفي نشأ في اليونان إبان نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس ق.م في بلاد الإغريق، بعد انحسار حكم الأقلية الأوليغارشية (الأقلية) وظهور طبقة حاكمة جديدة ديمقراطية تمثل الشعب، وقد ظهر السفسطائيون كممثلين للشعب وحاملين لفكره وحرية منطقه ومذهبه العقلي النقدي, والتوجه المذكور هذا, هو الذي كلفهم كل ما تعرضوا له من هجوم وتعدي عليهم, حتى ليصدق القول, بأن السفسطائيين كانوا من أوائل المذاهب الفكرية التي تعرضت للتنكيل والنفي والقتل لمجرد كونها تخدم مصلحة الضعفاء والمساكين.
لقد قتل أغلب قادتهم وشرد الباقون، كمثل ما حصل مع هيبياسي، الذي كان من أشهر قادة الديمقراطيين، والذي تعرض فيما بعد للإعدام. وكذلك بروتاجوراس الذي أوكلت إليه مهمة وضع دستور للبلاد الإغريقية إبان الحكم الديمقراطي الجديد، حيث أحرقت كتبه ونفي من أثينا. ومنهم أيضاً “بروديقوس” الذي عذب وحوكم بالإعدام بشرب السم بتهمة إفساد عقول الشباب. (1).
أما الجدل بمفهومه المادي التاريخي:
فهو علم قوانين حركة المادة, أي ( الظاهرة), أية ظاهرة كانت مادية أم فكرية.
إن أية ظاهرة في هذا الحياة, لها قوانينها العامة والخاصة ومقولاتها التي تسمى في المنهج المادي التاريخي, بقوانين ومقولات الجدل, التي تخضع لها الظواهر بالضرورة, فإذا كانت قوانين الجدل العامة تعني الحركة والتطور والتبدل والتطور الحلزوني, فإن مقولات الجدل هي, علاقة التأثير المتبادل بين الداخل بالخارج والجزء بالكل والشكل بالمضمون ونسبية الحقيقة والتحولات الكمية والنوعية.. الخ. أما القوانين الخاصة فهي تتعلق بطبيعة الظاهرة ذاتها معزولة عن بقية الظواهر الأخرى. فسمات وخواص النبات وآلية عملها هي غير سمات وخواص المعادن وآلية عملها, وغير سمات وخواص الإنسان وآلية عمله أيضاً. ثم أن لكل نبته ولكل معدن ولكل إنسان سماته وخواصه التي يتفرد بها عن غيره. بيد أن القوانين في عمومها وخصوصيتها, لا تقوم العلاقة بينها بطريقة عمل سكونيه, أو حتى آلية عمل ميكانيكية. بل تقوم كما بينا على علاقات تفاعلية جدلية ذات تأثير متبادل, جوهرها (الحركة) وما يترتب على هذه الحركة من قوانين ومقولات الجدل التي أشرنا إليها قبل قليل. وهذا الموقف الجدلي نستطيع مقاربته مع حديث للرسول الكريم على غاية من الطرافة في فهم العلاقة الجدلية بصيغتها الفلسفية وهو: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص, إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
فعلى هذا الفهم العقلاني للجدل في صيغته الفلسفية, نستطيع القول : إن الظاهرة بعمومها, تلعب القوانين الخاصة بها دوراً كبيراً في حركتها وتطورها, أي في سيرورتها وصيرورتها التاريخيتين, مثلما تلعب القوانين العامة (الخارجة), الدور ذاته أيضاً في التأثير على الظاهرة كحالة منفردة من جهة, وعل العلاقة بين هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الأخرى المحيطة بها من جهة ثانية.
هذا هو الجدل, وهذه هي طريقة عمله وتأثيره بالظواهر, بيد أن هذه العلاقة الجدلية, يظل للإنسان في حريته وإرادته الدور الكبير في التأثير على القوانين الموضوعية بعمومها وخصوصيتها التي تتحكم بهذه الظواهر وهي قوانين موجودة أصلاً في الطبيعة والمجتمع خارج إرادة الإنسان,.. فكم غير الإنسان في أنواع النباتات والحيوانات وأكسبها سمات وخصائص جديدة بفعل تطور العلم, وخاصة علم الهندسة الوراثية, وكذا الحال عن طريق العلم استطاع أن يغير في سمات المعادن وخصائصها, بل استطاع الإنسان أن يعطل مفعول الكثير من القوانين وتأثيرها عليه. إن كان على مستوى تكنولوجيا الفضاء أو الطاقة أو الالكترون. بل وكل ما يتعلق في مجالات حياته.
لنشرة المحرر د.عدنان عويد كاتب وباحث من سورية
1- ويكبيديا – الموسوعة الحرة.