مخطئ من يعتمد المقاربة الأمنية والزجرية والتهديدية في التعامل مع الموظفين والعاملين في مختلف القطاعات كقاعدة للعمل والتعامل وكأن الشغيلة ما خلقت إلا لتنضبط وتنفذ وتخضع و تتألم لأوضاعها ، وأن لا تطالب بإصلاح أحوالها، وأن لاتلجأ إلى الإحتجاج و للجهر بالحق ولو وصل سكين الأزمة والمعاناة نخاع العظام والعقل والنفس …
ومخطئ من يعتمد المقاربة التضليلية التبريرية للأخطاء في التدبير والمعالجات ، والجهل بفلسفة التشريع ومراميه العادلة ..
إن العمل الوظيفي للأفراد توصيفي في خدماته وأهدافه ومهامه يشكل جوهر خدمة عمومية وشبه عمومية و خاصة تهم تنمية الوطن وتقوية الدولة بجودة المنتوج الفكري والتنظيري والتأطيري والتكويني ، وكفاءة الإنتاج اليدوي والشاق والتقني والفني .. فكل الموارد البشرية لايمكن التعامل معها بمنطق استغلالي نفعي يتم التخلي عنها لعحز أو مرض أو لأي سبب و مبرر لا يستحضر ولا يقدر كرامة الذين بنوا المصانع وعلموا الأجيال وحموا الحدود والأمن وعالجوا الأمراض …الخ ، فالفضل كل الفضل في نجاح كل إصلاح و بناء هو للطاقات المنتجة والعاملة التي تنزل وتنفذ المشاريع والأوراش وليس لنخبة معينة لايبخسها أحد تصوراتها وبرامجها إن أرضت ممارساتهم الشعب ..
إن البشرية من أجل أن تصل إلى التكريم الإلهي لها في الأرض حيث قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].. قضت قرونا في النضالات والثورات الديموقراطية والإقتصادية والإجتماعية ،والحركات التنويرية … ، فوضع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ووضعت تشريعات ومبادئ وقواعد اعتمدت كمرجع وحد أدنى تلتف عليها وتحترمها وتطبقها الدول والمؤسسات فيما بينها وداخل نفس الدولة في علاقة بشعوبها ..
فما معنى ان تجد في الوثائق الرسمية والتشريعات أن العدل والديموقراطية والمساواة والحرية والكرامة .. حق ، وان الشفافية والجودة والمعرفة والعلاج والتعليم .. حق ، وان الشغل والعيش الكريم ..حق ؟ ، وما معنى أن تجد مداخلات وكلمات الحكومات وغيرها تبالغ في التجميل والمدح والإفتخار بأن البلد آمن مطمئن ومتقدم ومزدهر ورائد في التنمية وديموقراطي ،وأنه يعتمد كتوابث مبادئ التشارك والتشاور والقرب في علاقة بالشعب بكل فئاته وطبقاته ، وفي نفس الوقت يغرقون في النقد لكل من خالفهم الرأي والمذهب ..؟ ، وما معنى أن يخالف الواقع الأقوال والتصريحات والقرارات والإجراءات ..؟ ، وما ذا إن كان التجديد في التشريعات يتضمن ويعلن تراجعات ملموسة تظهر آثارها السلبية مباشرة في قدرات الناس وفي ظروف عيشهم وفي شروط عملهم وأمنهم الوظيفي في يومهم وغدهم ..؟
إن المشرعين عندما يبتعدون عن الناس ويناقشون أرضيات مشاريع ومقترحات قوانين ، ويستحضرون أثناء تخطيطهم ما يطلقون عليه التوازنات والترشيد والعقلنة والتحديث تعلق الأمر باستنساخ من سياسة مغرقة في الليبرالية والفردانية ، أو من عقلية سياسة متعصبة لرأيها ، يرون أنفسهم هم المالكون للحقائق المطلقة وأن توجات غيرهم يطالها البطلان ..
إن الذي يفكر للناس يجب أن يعلم حاجياتهم ويقدرها بضروراتها ، وأن يستحضر كل انعكاسات قراراته عليهم سلبا وإيجابا ، وأن يمتلك عقلا حكيما يرجح مصلحة الشعب بكل مكوناته في إطار من التناسب العادل وليس بإعمال قاعدة و منطق الغلبة للأقوى ..!؟
إن منطق العقل والدين يصف ويطلق صفة البطلان والتنافي مع المصلحة العامة على كل سياسة و تشريع يتسببان في التفاوت الطبقي ، ويمسان بالقدرة الشرائية للعامة ،ويخلان بالتوازن الإجتماعي و بقواعد العدالة في مختلف المجالات ، ويحدان من الحريات ، ويتراجعان عن المكتسبات ، ويعطلان الحركية الفعلية المحققة للتطور ..
لهذا كان من مكتسبات النضال ضد العبودية والإستغلال والرأسمالية المتوحشة انتزاع شرعية الحق في الإحتجاج والتظاهر و الإضراب دستوريا وقانونيا واجتماعيا ، إنه موضوع مهم جدا لأنه يثير انتباه المسؤولين العموميين والخواص لحقائق معيشة و آلام وآمال ومشاكل الشعب عامة والشغيلة خاصة ،ولجعل أولي الأمر ينظرون ويقررون مع استحضار متيقظ ومنصف لعماد بناء الوطن والأمة أي الإنسان ..
إن العلاج والعناية والتغطية الصحية؛ و الحماية الإجتماعية ، والحق في الحصول على تعليم بجودة مواكبة و منافسة للامم الرائدة ؛و السكن اللائق؛ والحق في الشغل ، وولوج الوظائف العمومية و التنمية المستدامة والحكامة و..، هي من توابث القوانين المجسدة للديموقراطية، ومن أركان الإيمان بالوطن الحر والشعب الكريم ..
تارودانت : 07 مارس 2019.