إن الحديث عن الإصلاح والتحديث والتنمية أمر في غاية الأهمية والجدية ويجب أن تكون الحكومة المعنية بالتنظير له مدركة بأن أن أي إصلاح لايمكن ان يتحقق إلا باستحضار كرامة وقوة ومحورية الموظفين العموميين والشغيلة ، فكما أن إصلاح المنظومة الأمنية والدفاعية لترقى إلى المنتظر منها في مواجهة التحديات والمخاطر والمؤامرات ومنها الإرهابية والخارجية لابد أن توفر لها الدولة إمكانيات تيسير تحقيق النجاحات في ظروف حسنة إن لم نقل جيدة من معدات وتجهيزات ولوجيستيك .. إلى تحسين أوضاع العاملين في هذه المؤسسات ماديا ومعنويا والتي ستحقق لهم الإطمئنان على حياتهم ومستقبلهم مع أسرهم .. وهو الأمر نفسه بالنسبة للشغيلة في كل القطاعات الذين هم أدرع الوطن وحماته وأياديه العاملة وعقول وأطر الدولة ..
وفي علاقة بالموضوع فالحديث عن إصلاح الإدارة و نظامها وتحديثها لا يمكن تلخيصه في جملة من الإجراءات والإقتراحات والتوصيات تجمع في ميثاق أو نظام أوخطة وواقع وحال الموارد البشرية تشهد على نقيض ما يقال ويعلن عنه رسميا ، حيث أن التبخيس والإختزال والتراجع استهدف الأوضاع المادية والمعنوية والمكتسبات والمنجزات التي تحققت بفضل نضالات و تضحيات كبيرة لعقود كيفما كانت درجتها لتتفتح معها أبواب أمل بعد تحسين الأجور والتعويضات ومنظومة الترقي ونظام التقاعد بداية الألفية الثانية ..
إن أحلام وطموح الشعب المغربي وقواه الحية بعد الربيع الديموقراطي والإصلاح الدستوري والسياسي كانت بحجم طموح الوطن من أجل الحرية والعدالة الإجتماعية الحقة والديموقراطية والتحديث والتنمية التي تبنــي الدولة المتقدمة والرائدة إلى جانب دول أخر عالميا ، لكن حكومة ما بعد الحراك والتي أعطاها الدستور المعدل صلاحيات واسعة لم تتوفر لسابقاتها ، وعوض أن توظف كل الجوانب النيرة في الدستور لفائدة الشعب وتستثمر اختصاصاتها العديدة مالت إلى تطبيق سياسات تضرر منها أصحاب الدخل المحدود والطبقة العاملة وشغيلة الوظيفة العمومية وهذا يعطل ويخل بالتوازنات التي يسعى إليها إصلاح الإدارة ويجعلها تبدو إختزالية لملف كبير لايشخص تأثير السياسات الحكومية التراجعية التي تصيب الإدرارة والشغيلة بأعطاب إضافية …
فكيف يمكن لأي تشريع أن يحقق أفكاره ومبادئه وضوابطه وآلياته في الواقع وحال الموظفين تردت وتضررت فأصبحوا يتخوفون من الهزات والموجات الإرتدادية للقرارات اللاشعبية التي أنتهجت في الجانب الاقتصادي والمالي والحقوقي .. ؟
إن الهدر السياسي بالتدبير السيـئ في التعامل مع الموارد والطاقات البشرية وأساسا الشغيلة يتجلي فيه تبخيس لها ولمجال عملها وعلاقتها بالمستقبل المنشود عند الشعب وقواه الحية وكذا طموح الدولة لتصبح رائدة بإداراتها التي هي صمام أمان يتصف بالإستدامة في التطور والبدل والعطاء إن لم تطله مقاربات تحكمية وراءها خلفية ومرجعية أصولية ونكوصية متشبعة بنزعة نفعية مصالحية تتوخى انتهاز كل تفاصيل السلطة ومواردها للإستقواء على القوى الحية والعاملة والمثقفة ، وحتى على البناء الديموقراطي ..
إن الخيار المحوري للتنمية هو الإنسان الركيزة الأساسية لإصلاح وتطوير كل منظومات الدولة والمجتمع ..
إن الإنسان العامل والموظف لايجب أن يختزل فقط في الحديث عن التنمية البشرية وفي قرارات حكومية تتأرجح بين ما هو كائن وما يجب أن يكون عندها دون استشارة ولا توافق مع الطبقة العاملة وممثليها الدستوريين الحركة النقابية .. ودون المساس السلبي بالمكتسبات والحقوق والمكانة الإعتبارية للشغيلة في جميع القطاعات والتي لولاها لما قامت مؤسسات الدولة ، ولا نفذت كل برامجها ، ولاقامت حتى بجبي الضرائب والرسوم ، ولا بإنتاج المعرفة ، ولا توفير القوت اليومي اللازم للشعب ..
فعن أي حوار تتحدث الحكومة ؟ وعن أي إصلاح تتكلم ؟ وما الغاية من التعاقد الذي أقرته ؟ وما هي تكلفته على ما بني وتحقق طوال عقود وعلى الموارد البشرية ؟ وما مصير تجاربها وخبراتها وكفاءاتها المنقولة عبر أجيال لجيل اليوم وغدا ؟ .. ولأجل ولحساب من ؟
إن مرجعية المقايسة والتعويم وتحرير الأسعار وتعطيل تحقيق عدالة تهم الاقتصاد و السياسة الضريبية وكافة أساليب تحقيق توازن مالي متحدث عنه على حساب حقوق ومكتسبات وطاقات الكادحين من جهة وعلى حساب التجار والقطاعات الخدماتية و… ليس حلا ولا برنامجا لتحقيق تنمية بشرية ، بل هو طريق إلى المزيد من التأزيم ورفع تكلفة الإصلاح ..
تارودانت : الخميس 21 فبراير 2019.