في المفهوم :

الرومانسية أو الرومانتيكية. اشتقت من الناحية الفنية أو الأدبية من المصطلح الفرنسي رومان (بالفرنسية: roman), والتي تعني رواية. وعُرفت “الرومانسية” أيضاً بالابتداعية أو الإبداعية, بسبب أنها تُعد ابتداعاً في المذهب الكلاسيكي، وتقويضاً في الوقت نفسه لمبادئه وأركانه.

نشأت في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي كحركة فنية، وأدبية وفكرية, وسرعان ما راجت في بلدان أوروبية أخرى، وبخاصة إنجلترا وألمانيا وإسبانيا حتى وصلت لذروتها في الفترة ما بين 1800-1840.
كان لها تأثير بالغ على التاريخ، والتعليم، والعلوم الطبيعية. وتأثير كبير ومعقد أيضاً على السياسة، فمع ذروة الحركة الرومانسية, كان هنالك ارتباطً وثيقً مع الليبرالية والراديكالية, مثلما كان هناك تأثيرها واضحًا على نمو الفكر القومي لدى الشعوب الأوربية.

أسباب ظهورها:

ظهرت كرد فعل لمعطيات الثورة الصناعية أولاً, والثورة الفرنسية بمبادئها الثورية والتنويرية ثانياً, لما خلفته هاتان الثورتان في وقتهما من تغيير في بنية الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية. وخاصة ما حملته الثورة الفرنسية من شعارات في الحرية والعدالة والمساواة, التي تبنتها الطبقة المتوسطة وسارت معها الجماهير المرهقة من قيود الماضي. حيث تزحزحت الطبقة الإقطاعية الأرستقراطية, وحلت محلها الطبقة المتوسطة التي ساهمت في القضاء أو الدوس على معظم ما ينتمي إلى المرحلة الماضية, ومنها خصائص الأدب, لذلك كانت تعتبر ثورة ضد الأرستقراطية والمعايير الاجتماعية والسياسية السابقة للثورتين الصناعية والفرنسية من جهة, ولكل ما يحول أو يقف ضد حركة التنوير من جهة ثانية. ومن هنا يعتبر كل من روسو (1722-1778), وفولتير (1649-1778) والكثير من فلاسفة ومفكري عصر التنوير قد ساعدوا في تمهيد لخلق أرض صلبة لنشوئها وتعميمها.

فروسو الذي لاحظ تطور المجتمع، وأحس أنه في مجتمع بدأت المصالح وتبادلها تُفرض على الآخرين, ومن شأن هذا التحول الاجتماعي أن يكوِّن في نفس الفرد الأثرة وحب الذات والامتلاك والحرص، مقارنة بما كان يتمتع به الإنسان الفطري البدائي من سعادة في حياته، وفي معيشته، آمناً في كوخه، لا يحمل لغيره من الناس إلا الخير والحب. وروسو هو صاحب المبدأ التربوي المشهور «علينا أن نترك الطفل يدرج وحده في الطبيعة ليكتسب خبراته بنفسه»، وكتابه “أميل” هو شرح لهذا المبدأ.

وأما فولتير، الذي تأثر كثيراً بأدب شكسبير, وهو أدب متحرر من النظام الإغريقي في بناء المسرحيات، على الرغم من أن شكسبير عاش في عصر الكلاسيكية، ولكنه لم يلتزم بمبادئها وأصولها، بل اعتمد على نفسه وخبرته في تكوين مسرحه، واستطاعت عبقريته أن تسعفه في ذلك، حيث أهلته للنجاح الباهر المنقطع النظير. وبالطبع لم يعتنق فولتير جميع آراء شكسبير ويأخذ بها كلية، ولكنه اختار ما يلائم طبعه في تجديد الأدب الفرنسي، ولا شك أن لهذا التجديد أثراً في اهتزاز قيمة المذهب الكلاسيكي. ولم يكن فولتير ناقلاً لآراء شكسبير فقط، وإنما كان – بالإضافة إلى هذا – ناقداً اجتماعياً جريئاً في نقده، حتى إنه انتقد صكوك الغفران ورجال الكنيسة، وقد عرض فولتير آراءه في المسرحيات التي ألفها، وكانت سبباً لتهيئة الجو الملائم للرومانسية. لقد انصرفت أبحاث فولتير وروسو الفلسفية إلى سبر طبيعة الجمال وحقيقته وعلاقته بالمتعة، والفرق بين الجميل والنافع، واستطاعا أن يحددا نظرياتهما وآراءهما نحو الجمال.

سماتها الرومانسية وخصائصها:

(1) تؤكد الرومانسية على الذاتية أو الفردية : وتعتبر من أهم مبادئ الرومانسية قوة المشاعر والعواطف والخيال الجامح والحزن والكآبة والأمل والهلع والخوف والألم، . فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية, والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام, والتعلق بالمطلق واللامحدود. وهذه هي المصادر الحقيقية والأصيلة للتجارب الجمالية.. وأحياناً تؤكد الرومانسية على الثورة ضد بنية المجتمع القائم على الاستغلال, والدفاع عن الضعيف والتوق إلى عالم أفضل تسوده العدالة والمساواة والمحبة.

(2) التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرومانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القويّة الجزلة. وهذا ما يجعلها تركز على الفنون الشعبية والتقليدية والرفع من شأنها كثيراً. لتجعل منها فنونًا مرغوبة (كما في الموسيقى الارتجالية).

(3)كما أنها جعلت من الخيال الفردي سلطة ناقدة, مما أسهم بالتحرر من أفكار المدارس الكلاسيكية والعقلانية المثالية, التي سادت في القرون الوسطى وفرضت قواعد وقيود على جميع أشكال الفنون.

(4) من هنا لم تقيد الرومانسية نفسها بأصول ومبادئ فنية، كما حدث مثلاً في الكلاسيكية، إلا أنها قد بلورت بطريقة عفوية تلقائية بعض الاتجاهات التي أصبحت فيما بعد من مميزاتها التي تشير عندهم إلى عجز الفرد من التوفيق بين القدرة والأمل و”اللون المحلي” ، ويقصدون به محاربة الاتجاه الإنساني السائد في الأعمال الكلاسيكية. لذلك قرر الرومانسيون بأن الأدب ليس محاكاة للحياة وللطبيعة كما تذهب الكلاسيكية، بل خلقاً، وأداة الخلق هي الخيال المبتكر، مع ذكريات الماضي وأحداث الواقع الراهن وإرهاصات المستقبل. وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، تجلت في العقيدة والأخلاق والفلسفة والتاريخ والفنون الجميلة. كما تجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة (1844-1900) ونظرية الوثبة العاطفية عند برغسون (1859-1941) .

إذاً تعد الرومانسية، ثورة على قيود العقل وسلطانه، وعلى الأصول والقواعد السائدة في الكلاسيكية وجميع الفنون المتوارثة, واعتبرت هذه القيود، قيودًا ثقيلة حدت من تطور الأدب وحيويته، وبخاصة ما يعبر منه عن طابع العصر، وثقافة الأمة وتاريخها.

لقد دعوا إلى التخلص من كل ما يكبل الملكات، ويقيد الفن والأدب، ويجعلهما محاكاة جامدة, لتشيد بأدب العاطفة والحزن والألم والخيال والتمرد الوجداني، والفرار من الواقع، والتخلص من استعباد الأصول التقليدية للأدب. فهنا فقط, توجد العبقرية البشرية على سجيتها دون ضابط لها سوى هدي السليقة وإحساس الطبع.

(5) فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ، فذّ الخُلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخُلُقية. لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين, كما نجد منهم شديد الإلحاد. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي تُعد بالنسبة لهم قيوداً. فالإبداع والابتكار في هذه المدرسة قائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب.

كما اهتمت الرومانسية كما أشرنا في موقع سابق كثيراً بالمسرح, لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيَشان العاطفة وهيجانها. هذا إضافة لاهتمامها بالآداب الشعبية والقومية، وباللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية. وقد استمرت الحركة الرومانسية في الكتابة والفن والمعمار والموسيقى.

(6) نرى هنا أن الفنان التشكيلي الرومانسي لم يعد يستخدم الظل والنور بشدة، وإنما عبر بالألوان تعبيرًا قويًّا, وأن الخطوط لم تعد حادة، ويفصل بين مكونات اللوحة فروقًا من الألوان وليس حدة في الخطوط. كما يأتي استخدام الظل والنور بطريقة تدرجات الألوان.

(7) لقد خلطت الرومانسية بين الأجناس الأدبية وتوحيدها في بوتقة واحدة, كالمزج بين التراجيدي والكوميدي، والجمع بين الشخصيات النبيلة والدنيئة.

الرومانسية الجديدة:

انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه. وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة.
وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، وبذلك نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية.
هذا وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية, بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة.

*د.عدنان عويد كاتب وباحث من سورية

المراجع:
1- المدرسة الرومانسية. الموسوعة الحرة.
2- المدرسة الرومانسية في الأدب – موقع عالم المعرفة .
3- مظاهر الحركة الرومانسية في التاريخ- د. محمد عبد الستار البدري – الشرق الأوسط – 16 نوفمبر 2012 العدد 12407
4- المدرسة الرومانسية في المسرح – منتدى فضاء الابداع

الخميس 31 يناير 2019.

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …