هو عنوان جديد ضمن سلسلة المنشورات الثقافية صدر عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، الكتاب من الحجم الصغير قياس 15سم/21سم في 151 صفحة، وطبعته الأولى 2018 لصاحبه محمد ميهوبي الذي وافته المنية مؤخرا. قبل مناقشة المضمون، الغلاف من تصميم السعيد العنيبي الذي كان موفقا الى أبعد الحدود الشكلية في الانتقاء بعناية لصورة ذات حمولة رمزية مكانية ودلالة تاريخية، أيضا التدرج في اللون الخارجي لدفتي الكتاب في احالة بصرية على طبيعة فضاء الزمن/1956، ومكان الحدث/مراكش، أخيرا شكل وحجم الخطوط التي حدد بها مصمم الغلاف العنوان الرئيسي البارز للكتاب كحدث تاريخي، مذيل بعنوان تفصيلي بخطوط أصغر حجما، مختلفة لونا، باعتباره حدث شخصي مرتبط بالحياة الخاصة للمؤلف، بصفة عامة هذا الثالوث – الصورة واللون والخط-  يمنح القارئ المهتم فكرة شاملة أولية عن مضمون المتن الداخلي.

من جهته محمد ميهوبي حرص عمدا على أن يتصدر كتابه مسلك تغيير شكلي طفيف على غير العادة لدى جميع الكتاب والمؤلفين، حيث سجل ثلاث أسماء لاعتبارات شخصية مكتفيا بتسطيرها كإهداء خاص بها وكفى، ثم اهداء عام مفصل أدرج ضمنه أزيد من ثلاثين اسما بدءا بوالده، متبوعا بأنداد من العيار الثقيل الذين بصموا تاريخ المقاومة المغربية، أخيرا عدد من الذين كان لهم بالغ الأثر في تكوينه الذاتي ومساره الشخصي بمن فيهم الأجانب الفرنسيون ابان فترة الاحتلال التي يتمحور حولها مضمون الكتاب.

بعد صفحات الاهداء، اهتدى واحد من أكابر المقاومة الوطنية المغربية، صنديد من العيار الثقيل الذي أبى طول حياته عن اقتناع قبول فكرة تقبيل يد أي كان، انه السوسي محمد بن سعيد ايت يدر الشتوكي الذي تفضل بتسطير شهادته في مطلع الكتاب، شهادة مقتضبة تزكية لصديقه المؤلف محمد ميهوبي، وان كنت أرى شخصيا ان التاريخ أكبر شاهد ومحقق لمسيرة حياة الأشخاص، فاحسب شهادة الند للند كقول الشاعر:

ومَا المرءُ إلّا بإخوانِه ***كما يَقْبِضُ الكَفُّ بالمعْصَمِ.

جديد الاصدار الثقافي الحالي يستقي مادته من موضوع صفحات المقاومة الوطنية المغربية، لكن المؤلف في هذا العمل الذي يمكن تصنيفه في خانة الأعمال الأدبية السردية التاريخية جنس السيرة الذاتية  ، يتميز عن سابقيه بخاصية الانطلاق السردي من الخاص الى العام، أي من المقاومة المحلية الى المقاومة الوطنية، والتي انطلقت شرارتها من دروب وأزقة مراكش، وكانت بحق أساس أمجاد البطولات الوطنية المغربية؛ داخل هذا الاطار المكاني المعلوم بحكم التاريخ كمنطلق للمقاومة المغربية، عمل الكاتب محمد ميهوبي على حصر الظرفية الزمنية للأحداث كخطوة ثانية من الشامل وهو سنة 1956 الى المحدد وهو شهر ماي من نفس السنة، ومن المحدد الى الجزئي المدقق، من أجل مزيد من ضبط الوقائع والأحداث بالسنة والشهر واليوم، 2و3و4و5ماي 1956، أيام صادفت شهر رمضان الأبرك.

ان استظهار وقائع وتذكر أحداث وامكانية ضبطها بالسنة والشهر بل وحتى اليوم بعد أزيد من نصف قرن على وقوعها، لأكبر دليل على قوة الذاكرة عند المؤلف وهو في عقده الثامن – فضلا ومنة من الله عليه – أيضا طبيعة عمله الاداري في ريعان شبابه بديوان مولاي المهدي الصقلي أول عامل على اقليم مراكش في المرحلة الانتقالية قبل وبعد الاستقلال، سمحت له ليغدوا مطلعا متتبعا على عدد من خبايا سياسية الشأن المحلي والتي كانت لها بشكل أو بآخر تداعيات على المستوى الوطني.

جديد سجل الحركة الوطنية بصفة عامة والمقاومة بمراكش بصفة خاصة ضمّن المؤلف بعضه في متن مؤلفه، أحداث أملتها ظرفية الانتقال المرحلي للسلطة بالمغرب، في وقت لازال عدد كبير من الأجانب الفرنسيين، ذكر بعضهم بأسمائهم ومهامهم، يمارسون التسيير الاداري الحساس من قبيل الاستعلامات بمراكش، أيضا عدد من المغاربة الذين كانوا من قبل في خدمة سلطة الاحتلال سواء خارج المغرب أو داخله، وسعت فرنسا لخلط الأوراق حتى تضمن اعادة ترتيبها وفق تصور يسمح لها بتأمين التبعية اللاحقة عبر تلك الوجوه التي أعدتها من قبل، أبرزها القبطان محمد أوفقير الذي عمل ضابطا في الجيش الفرنسي بالهند الصينية قبل إلحاقه للعمل بالإقامة العامة مع عدد من المقيمين العامين الفرنسيين بالمغرب، ص 42 و 43. أما الباشا الكلاوي بالرغم مما دونت سجلات تاريخ المقاومة عليه، فلم ينفي سجل “أحداث مراكش” ولاء الكلاوي للسلاطين العلويين مند عهد الحسن الاول وعلاقته ببعض الأشخاص قبل أن يصبحوا زعماء وطنيين، وذكرهم المؤلف بأسمائهم، منهم أحمد بلافريج الذي استضافه الكلاوي بقصره ثلاثة أشهر، وكان يسهر شخصيا على الضيافة بشهادة تاجر ممول بسوق السمارين صديق للمؤلف، أيضا استقبال الأستاذ عبد الله ابراهيم لمرات عديدة يناقش معه تداعيات الحرب العالمية الثانية على المغرب…

“أحداث مراكش” التي ضمها متن الكتاب وحملها كعنوان بارز، بدأت شرارتها بحدثين بارزين، الأول زيارة محمد الخامس للشمال بالضبط مدينة طنجة وخطاب ابريل 1947 الذي ساهم مضمونه في ادراج الزيارة التاريخية في السياق العام للمقاومة الوطنية، بينما الحدث الثاني أتى مباشرة بعدها بشهرين فقط، زيارة الجنوب ومدينة تارودانت شهر يونيو من نفس السنة، الزيارة التي دخلت سجل التاريخ المحلي دون الوطني، لاقتصارها على صلة الرحم بالوطنيين وربط جنوب المغرب بشماله.

من أجل ضمان الولاء للمغرب واستمرار التبعية لفرنسا، عملت الأخيرة سنة “1956كما عشتها” يقول المؤلف،  على خلط الأوراق السياسية من أجل اعادة ترتيبها وفق منظورها، وذلك عبر افتعال بلبلة وفوضى عارمة قام بها مجموعة من الرعاع الجهلاء، الذين قدموا أنفسهم على انهم فيلق جيش التحرير، ليبرروا عمليات الابتزاز بإلصاق تهمة الخيانة بالمستهدف، وسلب ونهب عدد من الميسورين وقتئذ، بل وصل الأمر درجة الاختطاف والتصفية الجسدية وسحل الجثة واحرقها، ليتساءل المؤلف: كيف يعقل ان يكتوي بنار هذه الفوضى البعض فقط، دون عدد كبير من الوجوه المعروفة سابقا في التجارة والادارة بولائها المكشوف للحماية؟ لقد تبين ان هدف جرائد الحماية من تضخيم عدد الاعتداءات والقتلى هو خلق البلبلة والتهويل والاحساس بانعدام الأمن وافتقاد الأمان؟؟ كما أنكر على الغوغاء الرعاع عملهم الشنيع الذي بلغ من القساوة درجة احراق الجثث بعد الاغتيال، بل احراق بعض المتهمين أحياء !!!

ختاما، يعد كتاب “احداث مراكش كما عشتها سنة 1956″ طبعة 2018،الثامن  في جديد الاصدارات المغربية ضمن سلسلة مجال السيرة الذاتية التي تناولت بالسرد والتحليل صفحات من تاريخ المقاومة الوطنية المغربية، علما أن ورقة الموضوع هذه هدفها اعطاء قيمة شكلية وليس حكم مضمون، قراءة تقديم وليس قراءة تحقيق وتدقيق؛ كان أول اصدار من هذا النوع تحت عنوان “المجاهد مولاي عبد الحفيظ الوثير مسار حياة مناضل” 89 صفحة ط 1999، تأليف صديقنا الباحث نور الدين صادق. ثم كتاب“سنوات الصمود وسط الاعصار ابرز المحطات النضالية في حياة الأستاذ عبد الله ابراهيم” تأليف الأستاذ المناضل محمد لومة 256 صفحة ط 2006.  “مذكرا الفقيه الفكيكي محمد بوراس سفر في زمن المقاومة والنضال 1964-1980” 150 صفحة ط 2015، نفس السنة  “أوراق من ساحة المقاومة المغربية” للمقاوم مولاي عبد السلام الجبلي 239 صفحة ط2015.  وكتاب ” مذكرات حياتي ” للوطني العلامة عمر المتوكل الساحلي  2017. جميع أصحاب هذه المؤلفات أصدقاء أنداد في النضال والمقاومة لمحمد ميهوبي صاحب الاصدار الأخير، المؤلف ميهوبي وافته المنية مطلع دجنبر 2018 رحمة الله عليه وهو بصدد وضع ترتيبات حفل التوقيع الرسمي بمدينة تارودانت لكتابه، حفل له أكثر من مغزى ودلالة في فؤاد المرحوم محمد ميهوبي زينة المواهب، جامع كريم الخصال وهامة الرجال رحمة الله عليه.

 

الثلاثاء : 29 يناير 2019.

 

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…