التجار الصغار والمتوسطون والمهنيون، ونقابتهم مدرسة مغربية
في الصبر
وفي الصمود…
وفي العيش الرشيد
وفي الاقتصاد المستقل والتضامني
وفي السياسة أيضا.
وإذا لم يفهم المسؤولون ذلك فقد …فوتوا على أنفسهم فرصة كبيرة في فهم قطعة كبيرة من الروح المغربية… ومساحة واسعة من التماسك الاجتماعي المغربي..
يمكن لأي سوسيولوجي أن يثبت بدون كبير عناء أن هذا النسيج من التجارة الوطنية، يشكل الجدار الأخير للوقوف في وجه التفكك الذي يصيب المجتمع ونظامه الإنتاجي وجداره في حماية قدرته على محاربة الهشاشات.
أظهرت المعركة الأخيرة جانبا واضحا غير محتاج إلى أي قراءة سحرية، وهو أن القرار الحكومي الذي أراد مواصلة الدوس على هذا النسيج، بمواصلة ما قامت به العولمة والعابرة للمساحات الكبرى، أو ما فعلته الصفة المصغرة لها في شكلها التركي) محلات بيم، وبيم تعني السيد بالتركية) ،قد أحيى فيها ردة الفعل الصامدة، وآليات الدفاع عن النفس، بغض النظر عن المسوغات الضريبية التي كانت خلف القرار الحكومي بالفوترة الالكترونية والمقاولة الموحدة!
هذه الآلية الذاتية في الدفاع عن حق الوجود، لم تختف أبدا وقد استعصت في سابق العهود على آلات رهيبة، وأكثر منها عنفوانا وترهيبا، كما حدث في إضرابات 1981، عندما التحق التجار ونقابتهم بالحركة الاجتماعية الشامخة، وتم التعامل معها بقسوة لا تقل عن القسوة في التعامل مع حركات الشارع.
لقد أعطى التجار المعنى الحقيقي للإضراب العام وقته باعتباره دعوة إلى مساءلة شرعية النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي اتخذ قرارات لا شعبية…، منذئذ لم تدخر قوى كثيرة في المجتمع، ومنها قوى التسلط الاقتصادي والاجتماعي، أي جهد في محاولة تفكيك أو شل حركية النقابة المعبرة عنهم أو اختراقها من خلال فتح الباب لتكتلات ضيقة فيها…
ونفس هذه الآلية أشهرت قوتها كقوة ناعمة، في حركة المقاطعة التي شملت العديد من المنتجات، فكان واضحا أن التجار، وإن لم يدعوا إلى المقاطعة، لا كأفراد ولا كنقابة، فإن تعاملهم، كشف بالملموس قوتهم خلال أي عمل أو شكل نضالي جديد، يستوجب الصبر والصمود والفعالية….
كل هذا هل يمكن اختزاله، في قضية ما تم اعتباره نضال التعويض و«البديل الاحتجاجي» الذي قام به الصغار من التجار فائدة للكبار، كما قال أحد الوزراء؟
هل كلمة البلبلة وصف دقيق للاحتجاج؟
طبعا كلا، ولكن المستغرب هو ألا نستحضر طبيعة القطاع الذي نتحدث عنه، ويعقب ذلك تصريحات تفوق التصور، تشبه اتهام الأساتذة من طرف الداخلية في العهد السابق بتحريض التلاميذ!!!!
هذه الوصفة وصلت متأخرة … في فهم النضال الطبقي على الطريقة الصامتة!
كما لو أن التجار الصغار، هم مجرد» مفوترين» في خدمة التجار الكبار، كما لو أن القضية حقا، تقف عند إخضاع التجار الكبار وطلب ودهم، وكما لو أن كل القضية هي «بيعة وشرية «يضع قواعد الضريبة فيها أو يدافع عنها… من لا يدفعونها عندما يتعلق الأمر ببيوعاتهم الخاصة …!
إن الدولة، التي تفكر بالطريقة هاته، عليها ان تعيد تعريف طريقتها في الحوار و تأمرنفسها بأن تتواضع للجلوس مع المعنيين والاستماع إليهم وترك الوصفات الجاهزة خارج حقل التداول والتفاوض…!