يحسن بنا أن نخرج ذكرى الاستقلال كوثيقة من التوثيق التاريخي الى التحيين السياسي ونسأل: ما الذي يجعل الحقل الوطني مسكونا بالتعاقد الذي انبثق عنها…؟
كيف نقرأ تاريخ الحزبية الوطنية، والحاجة الى الثوابت les fondamentaux ، التي كانت في صلب التوقيع على الاستقلال واستعادة السيادة، في كل فترة يبرز فيها جنوح ما في الحقل السياسي؟ سواء كان بفعل تسييس الإدارة أو بفعل تسيييس الدين؟
ما الذي يجعل التاريخ شبه واقف، عندما تعوضه الإدارة؟
وماذا حصل في الثوابت عندما اختار جزء من أبناء الوطن أن يكون لله عز وجل فاعلا سياسيا؟
بعد كل هذه السنين، ما الذي تبقى من السياسة الوطنية، التي كانت صنوا للشهامة والإرادة والاستشهاد والقدرة على التحمل وصناعة الأمل؟..
كيف ننجح في التفكير في الواقع، خاما، بفطرة الوطنية، وهي تستكين الى التاريخ، الماضي، عوض التاريخ الحاضر؟
هذه الأسئلة وغيرها، على ضوء الثوابت التي تملكناها، هي التي أوحت بهذه التأملات على دفتر الذكرى… وهي تأملات قد تبدو فانطاستيكية، إذا ما قدرت بمعيار القاموس المتداول في النقاش الداخلي للسياسيين والمتتبعين..
(1) الثدييات السياسية؟
إذا كنت لا تملك من كل أدوات السياسة سوى العقل والقلب، فأنت ولاشك في وضع صعب
وعلى الطريق الخطأ..
السياسي لكي يكون أكثر تطورا على لائحة الثدييات، لابد له من أعضاء أخرى..
وأحاسيس أخرى
فالعقل وحده لا يكفي
وإذا أضفت القلب، ستكون أبعد ما تكون عن الواقع ..
وعليه سينقصك الأهم:
الجهاز الهضمي لكي تهضم كل الذين التهمتهم
أو الأسنان لكي تعض جيدا
وتترك آثارك على لحم أخيك
أو لحم رفيقك
أو لحم العابرين في حياتك
وستنقصك، ولا شك، حواس أخرى أكثر نجاعة:
الشم
لكي تلتقط اتجاه الريح قبل هبوبها
ورائحة الشواء الكبير في وقتها قبل أن تنضج بقليل
وقبل أن تسقط بقليل..
يجب أن تكون لك قدرة الأيض التي تجعل جسدك يشتغل بما يحترق من أجساد أخرى….
وبتوازن هرموني -هرموناتي - جيد كلما شغلت آلات النميمة..لابد لك من خلايا عصبية جيدة أمام الموائد وأمام أي كتف يوضع أمامك..
***
ما كنا نخافه هو أن الذين كانوا يملأون الخيال
والهواء
والساحة ..
والذكاء
سيتركون الفراغ
والذين حولوا الفراغ إلى سوق شغلوه بالزعيق، سيختفون مثل ثلج تحت الشمس
أو مثل رمل تحت الموج
بعد عقد
أو بعد ثلاثين سنة
لنا أن نسأل أم نحول عجزنا على أن نشبههم الى نفور منهم؟
ألسنا في طور أن نحول اشمئزازا يكاد يكون جسديا، إلى قوة روحية؟
***
تلزمنا الموهبة وتلزمنا الشراسة معها لكي نستطيع وصف بعض أنواع السياسة اليوم..بما يجب أن نصفها به، أي باعتبارها ملهاة كبيرة لشغل الناس
ولتسليتهم أحيانا،
لإشعارهم بالذنب أنهم بعيدون عنها..ثم تحويلهم إلى حشود بلا اسم، ولا رأي ليسهل تغييبهم..
إنها ملهاة تم إفراغها من كل نقاشات جدية
فكرية حقيقية
ولِمَ لا، تم إفراغها من السياسة نفسها في نهاية المطاف!
(***)
يحسن بنا أن نخرج ذكرى الاستقلال كوثيقة من التوثيق التاريخي الى التحيين السياسي ونسأل: ما الذي يجعل الحقل الوطني مسكونا بالتعاقد الذي انبثق عنها…؟
كيف نقرأ تاريخ الحزبية الوطنية، والحاجة الى الثوابت les fondamentaux ، التي كانت في صلب التوقيع على الاستقلال واستعادة السيادة، في كل فترة يبرز فيها جنوح ما في الحقل السياسي؟ سواء كان بفعل تسييس الإدارة أو بفعل تسيييس الدين؟
ما الذي يجعل التاريخ شبه واقف، عندما تعوضه الإدارة؟
وماذا حصل في الثوابت عندما اختار جزء من أبناء الوطن أن يكون لله عز وجل فاعلا سياسيا؟
بعد كل هذه السنين، ما الذي تبقى من السياسة الوطنية، التي كانت صنوا للشهامة والإرادة والاستشهاد والقدرة على التحمل وصناعة الأمل؟..
كيف ننجح في التفكير في الواقع، خاما، بفطرة الوطنية، وهي تستكين الى التاريخ، الماضي، عوض التاريخ الحاضر؟
هذه الأسئلة وغيرها، على ضوء الثوابت التي تملكناها، هي التي أوحت بهذه التأملات على دفتر الذكرى… وهي تأملات قد تبدو فانطاستيكية، إذا ما قدرت بمعيار القاموس المتداول في النقاش الداخلي للسياسيين والمتتبعين..
(2) الصيغة البرجوازية للغضب الشعبي
يبدو أن الحقل الوطني، لم يستنفد بعد، وربما إلى وقت بعيد في المستقبل، كل ثوابته، التي تأسست على تعاقدات الشرعية السيادية الوطنية…
و لعل هذه الشرعية التي تعطي للتعاقد ديمومة كل مرة، هي التي تفسر جزءا من التعامل الذي يتم بين الفرقاء السياسيين.
بالنسبة لجزء من المسكوت عنه، هو وجود فاعلين سياسيين ليسوا من دائرة هذا التعاقد الأصلي..
يبدو أن الأرشيف الأصلي للسياسة، مازالت أمامه أيام بفعل مقومات البداية، كما تأسست عليها سيادة البلاد تحت سيادة الملك الشرعي، والتفاف الأمة حول السيادتين، وتحديد مسارات الديمقراطية والتحديث من قاعدة الاستقلال الوطني الرئيسية في المعادلة هو التيار التقدمي، داخل الحركة الوطنية، ورموزه الكبار هم من كبار المقاومة التي التفت حول الملك الشرعي..
ومنهم المهدي وعبد الرحيم وعبد الرحمان والفقيه البصري، وغيرهم كثير من القادة الميدانيين أو من المرافقين المنظرين للقادة وللتنظيمات اليسارية..
لقد تحول بعض من الشرعية الوطنية التحررية إلى فكرة يسارية..
وصار التعبير عنه في صيغة الاتحاد الوطني، الذي يعرف نفسه باعتباره حركة تحررية تعتبر تاريخيا ووظيفيا امتدادا لحركة التحرير الشعبية..
ولهذا كان جزء من تاريخه هو تاريخ صراعه مع الدولة، في شقها السلطاني المتردد في اقتحام عقبة الديمقراطية أو التحديث الثقافي..
وعشنا فصوله، الدامية كما عشنا التباساته السياسية..
في المرحلة الحالية يحسن بالتقدميين أن يعترفوا بأن جوهر الصراع السابق، حول منظومة سياسية وحقوقية حداثية وتقدمية، أصبح مكونا من متن الدولة نفسها، وأن الملكية، التي التف حولها جزء من القوة الثالثة في العهد السابق، هي أصلا قاعدة التحولات التحديثية الكبرى…
بل إن المنظومة تشكل جذعها الحداثي الذي تعقلن به التاريخ…
والذي يحصل اليوم مع النزعات الراديكالية، في المشهد الوطني، أنها تحولت في جزء من صراعها نحو مكونات امتدادات هذا المكون التقدمي الذي يرى الأمور على هذا النحو، ويعتبر أن الإبدال الرئيسي الحالي، من أهم ثمراته تحول موقع الفاعل المركزي في هندسة التحديث: من معرقل أو متردد إلى محفز ومحرض على التحديث العميق، التاريخي والمصيري..
هناك ملاحظات في الأصل وفي الفرع:
– في الأصل : لن يستفيد الراديكالي التقدمي من الخطأ الاستراتيجي الحالي، بل يستفيد منه من يصب الماء في طاحونة الماضوية والمحافظة.
وعندما يحين الوقت كي يصبح اليسار الناقم على امتدادات الفكرة الوطنية لليسار، يسارا تدبيريا، سيجد أنه أحرق حججه…
– في الفرع: عند تناول جوهره الاجتماعي،
يصير التجذر الصيغة البرجوازية للغضب الشعبي، كما تعبر عنه النزعة اليسراوية الجديدة!
كما قد يكون متنه الانتقادي، عندما يزيغ عن النقاش المنتج، اقتسام الرغبة في الثأر مع الذين أرادوا إعدام الفكرة اليسارية منذ زمان بعيد، مع فارق في طبيعة الهجوم ودرجته.
والصيغة البرجوازية للغضب الشعبي، المقصود بها أنه هناك عجز عن التعبئة الميدانية، وتردد وأحيانا التخلي عن الساحة، لكن التعبير عنها يختار الصيغ التي تستعمل أحيانا في التعابير المتعلقة بالمطالب التحديثية للبرجوازية المتوسطة والمسؤولة.
هو مجرد تخمين لغوي في الواقع يتأسس من ترك الجوهر في ماهية تعريف اليسار لنفسه، واستسهال النقد بتغيير الخصم السياسي.
الاربعاء: 16 يناير 2019.