مصطفى المتوكل / تارودانت 25 يوليوز2013
قال يحيى بن معاذ “القلوب كالقدور تغلي بما فيها والسنتها مغارفها . فانظر الى الرجل حين يتكلم فان لسانه يغترف لك مما في قلبه .حلو ..حامض..عذب..اجاج..وغير ذلك ..ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ”
من تعاريف السياسة عند بعض الفقهاء الحنابلة ” السياسة ما كان من الافعال بحيث يكون الناس اقرب الى الصلاح وابعد عن الفساد .وان لم يشرعه الرسول (ص) ولانزل به وحي “…وقيده بقوله ” مالم يخالف ما نطق به الوحي”
وقسم ابن خلدون السياسة الى سياسة دينية وسياسة عقلية ..ليقول بوجوب وجود قوانين سياسية مفروضة في الدولة يسلم بها الكافة فقال ” فاذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء واكابر الدولة وبصائرها كانت سياسة عقلية وان كانت مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية ”
وقال ابن رشد عن السياسة ” انها علم الافعال الارادية التي تصدر عن الانسان كما انها علم تدبير المدنية ”
ان المتتبع لاحوالنا كلاما وسياسات وممارسات سيقف على العجب العجاب في امور تواصل الحكام او الهيئات والمؤسسات العامة الرسمية وغيرها مع المحكومين والناس كافة ..و سيسجل مالا يمكن تصنيفه اطلاقا من السياسات الحكيمة او المعاملات المتعقلة …حيث تمكنت السلبيات المنحطة بالمجتمع من ماسسة نفسها بانخراطها في الشان العام وتلبسها بالبعض .. فاصبحت مصطلحاتها وممارساتها تعلن عن نفسها وتلقن بشكل رسمي وشبه رسمي للناس بالعديد من وسائل الاعلام والتواصل وببعض المؤسسات وذلك على حساب القيم المثلى والاخلاق الانسانية والفطرة السليمة ومن ثم تسيئ للثقافة السياسية الرشيدة والديموقراطية المبتغاة .. وتبث الشك في مصداقية الحكام والمؤسسات وتنفر الناس منها …ومما يؤسف له اننا رغم تغني العديد بمرجعياتنا المشكلة لهويتنا …فاننا نرى ان ذلك لاينعكس ايجابا على سياساتهم العمومية ومن يشرف عليها وكذلك على واقعنا العام في شقه المجتمعي ….ان هويتنا الرائعة الروحية والدينية تقوم على العلم والمعرفة والحكمة والتوازن والوسطية … لهذا فنحن مطالبين وملزمين بالبحث عن العلم والحكمة ومناشدتهما …قال صلى الله عليه وسلم ” من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ” وقال الامام علي رضي الله عنه ” الحكمة روضة العقلاء ونزهة النبلاء ” …وقال تعالى (ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا )البقرة 269
…..وامرنا من العقلاء والعلماء والشريعة ان لانتحدث فيما لانعرف وان ان لانقول للناس اوهاما ومالا يمكن ادراكه او فهمه او تحقيقه كما نصحنا بتجنب كل انواع التضليل تحت اي مسمى او منبر … قال تعالى ( ولا تقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا ) الاسراء 36
ان من الحكمة احترام الايمان ومعتقدات الناس وعقولهم وتجاربهم وتاريخهم الممتد لقرون … دلك ان الحكمة قاعدة ضرورية يجب ان تعتمد في تدبير شؤون الناس عامة والمسلمين خاصة …..و هي جوهرية في ادارة الانسان لنفسه وعقله ولسانه وافعاله ….وبالحكمة العلمية والادبية يبنى العقل والكلام والتصرف الحكيم ……
انها تلبس المحترم لها الملتزم بضوابطها لباس الحشمة والوقار والاتزان ولا تجعله مستفزا ولا متهجما على غيره لالشيئ الا لانه لايوافق ذوقه وهواه ومزاجه هو …..
فاذا كانت السياسة هي شان لايمكن تخيل الانسان والمجتمعات بدون وجودها بغض النظر عن توجهاتها وفلسفتها ومنهجها …فان السياسة التي تحقق المصلحة العامة هي التي تتصف بالحكمة وتنبني على معرفة وفقه بثقافة وهوية الشعب والامة والمام بطباع الناس ….
فكيف للحاكم او الزعيم ان يتمرد على شعبه او هياته وضد مؤسساته ؟ وكيف له ان يعطل ويشوش على مبادرات غيره لانانيته او سوء طباعه او ضيق افقه ؟وكيف له ان يتقمص دور الحاكم والمواطن العادي والظالم والمظلوم والخصم والحكم في ان واحد ؟وكيف يستقيم الامر اذا كان يوهم الناس بانه هو كل شيئ وفي نفس الان هو لاشيئ ؟ وكيف له ان يدعي المظلومية لجلب تعاطف المخاطبين ؟وكيف للبعض من السياسيين او المثقفين ان يلبسوا الحق ثوب الباطل ويلبسوا الباطل ثوب الحق تحت اي مسمى اسلامي / علماني/ محافظ/ تقدمي / رجعي /ليبرالي / اشتراكي ؟…في اطار المخالفة السلبية المستدامة
ان السياسات المعاصرة بامتنا تراجعت في درجات المدنية والتحضر ولم تعد تنتج قيما انسانية متجددة تساير طموح وانعتاق المجتمع في اطار من الرقي والتقدم يضمن ويمكن من التسلح بالعقل السياسي والسياسة العاقلة المحققة لمتطلبات وانتظارات الشعوب بما يضمن مواجهة مختلف مستجدات وتحديات العصر التي تتطور وتتجدد على مدار الساعات …
ان السياسات التي ترى اليوم تنتج الشر المهدم للخير ان وجد ولو تعدد وتتعمد خلق صراعات وهمية تضخم لدرجة تتجاوز معارك ” دون كيشوت”المتخيلة ..وتفرز اليات عمل تشعل الفتن وتبخس الناس حقوقهم وتنازعهم في كرامتهم وتتعمد تدجينهم وتبليدهم مخافة انتشار العلم والمعرفة والوعي بين الجميع الذين لن يقبلوا بها – اي السياسات – وباصحابها في يوم من الايام قربت او بعدت…قال تولستوي ” ان الشر لايقتل الشر .كما النار لاتطفئ النار ” …فالزمن لم يعد يقبل باستمرار من يغرس فكرة ان السياسة في اجواء الحرية المطلقة لااخلاق لها ولاقيم ..كما لايسمح بمن يوهم الناس بان الحرية هي السبب في كل البلايا …ونسوق هنا قولة للفيلسوف سقراط ” 470 – 399 قبل ميلاد المسيح ” عند سؤاله عن الازمة واسبابها التي عرفتها اثينا ..فاجاب معلقا و مخالفا غيره بطريقة سياسية دقيقة ” اني اعلم باني لااعلم شيئا” …فاذا صدق الفيلسوف اليوناني ارسطو 384/322 قبل الميلاد .. عندما قال ” ان غياب الحكومة تعني الفوضى ” ..فاننا يمكن اليوم ان اعيد عليه طرح السؤال وهو يعرف واقعنا في عالمنا الاسلامي والعربي لقال ” ان وجود بعض الحكومات يعني وجود الفوضى” …
واختم هذا المقال المفتوح بما استفاض في شرحه ابن رشد اننا امام” وحدانية التسلط والاستبداد”…وبما اجاب به ابن تيمية 661″ هجرية /728 “حكام زمانه لما هجم المغول على بعض مناطق الشام بعد ان ان انطلق محفزا الهمم وداعيا الناس للثورة على المغول وطردهم من البلاد وبعد ان شارك في معركة عين جالوت كمجاهد وخطيب ومحرك للعزائم والهمم كما يشهد له المؤرخون وبعد تحقق الانتصار …- قلت اجاب من تخوف منه بسبب علمه ونضاله وجهاده ومصداقيته وشعبيته انذاك من انه يطمع في الحكم ” انا رجل ملة لا رجل دولة ”
فاين نحن من السياسة المدنية او الشرعية التي تكرم الانسان وتجعل سعادته وطمانينته هي الغاية المثلى ..وتجعلنا مجتمعات يقتدى بها ودولا تقود قاطرة التقدم العلمي والحضاري والديموقراطية في العالم .. بدل ان يتهكم بها و عليها بفعل سياسات وتصرفات بعض حكامها ومسؤوليها …ان اوضاعنا هي نتاج لساساتنا وافعالنا ومادامت قلوبنا غير ممتلئة بالقيم المثلى والنبيلة وكل ماهو عملي وجميل فمن المؤكد انها ستغلي بما نرى ونعلم ونحس به …